حظيت الأم بمكانة كبرى في الأديان الثلاثة من اليهودية إلى المسيحية وصولا إلى الإسلام، ونرصد في هذا التقرير مكانة الأم في الديانات السماوية.
اليهودية
تطمح الأمهات اليهوديات لتكنَّ «المرأة المثالية اليهودية» أو السيدة الفاضلة، كما توصف في الإصحاح 31 من سفر الأمثال في العهد القديم، الذي عادةً ما يقرأه الرجال لزوجاتهم.
«امرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللآلئ، بها يثق قلب زوجها فلا تفتح فمها بالحكمة وفي لسانها سنة المعروف... يقوم أولادها ويطوبونها. زوجها أيضا يمدحها.
وفي الشريعة اليهودية، يصبح الطفل المولود لأم يهودية يهوديا، ودائماً ما يبقى يهوديا حتى لو قرر هذا الطفل تغيير دينه لاحقاً.
المسيحية:
يوصي الكتاب المقدس بإكرام الأم، وهناك العشرات من القصص التي وردت في الإنجيل تصف غريزة الأمومة، وحب الذرية لدى المرأة، ولهذا كانت للأمومة أرفع منزلة.
كرَّم الإنجيل الأمَّ في كثير من المواضع، حيث جاء ذكرها قبل الأب، كما شدَّد على حب واحترام الأبناء لأمهاتهم، ولعل مولد المسيح سما بمقام الأمومة إلى أرفع مكان، وجعله قبلة الأنظار، كما أن آخر شيء فعله يسوع على الصليب هو أنه عهد بأمه ليوحنا الحبيب كوديعته الغالية، وما وصلت إليه المرأة في المسيحية يرجع إلى المكانة السامية التي يضعها فيها الكتاب المقدس.
مريم العذراء أيضا خير مثال للمرأة المسيحية التقية والأم الناجحة، فلا يخلو كتاب عن الأم دون ذكر مريم العذراء، فكان دورها بارزًا جدًّا في الكتاب المقدس وخدمة ابنها وخطيبها، فبسبب تعبها وتقدمتها لابنها نالت نعمة في أعين الله والناس، وأصبحت مثالًا يُضرب للمرأة التقية.
كما أن رفقة زوجة إسحق كانت شديدة الحب لابنها يعقوب، وكانت تحب عيسو أيضًا، لكن بسبب حب رفقة ليعقوب أرادت أن تعطيه بركة أخيه من أبيه، وفي هذا الترتيب أن الله فعل هذا خصيصًا لكي يهرب يعقوب من وجه أخيه ويبدأ بحياة أخرى مع خاله.
"سالومة» أيضا من النساء اللاتي تبعن المسيح من الجليل، وكانت أمًّا ليوحنا الحبيب ويعقوب بن زبدى شقيقه، فكانت تربيهما على مخافة الله وطاعته.
وتناول المسيح العشاء الأخير في علية «مريم أم يوحنا» (مرقس). كانت مريم تخدم التلاميذ والرسل، بسبب هذه الأعمال الجليلة التي قامت بها أراد ابنها أن يخدم الرب ويبشر كالرسل؛ لذلك أخذه بولس الرسول في رحلته الأولى.
كان تيموثاوس ابن امرأة مسيحية وأب وثني كقول الكتاب المقدس: «وإذا تلميذ كان هناك اسمه تيموثاوس ابن امرأة يهودية مؤمنة ولكن أباه يوناني»، فعلمته على حب المسيح وطاعة الرب وخدمته، فأثرت هذه التربية في كيان تيموثاوس واصطحبه بولس الرسول في رحلته التبشيرية.
الإسلام
ومن أعظم الأدلة على مكانة الأم في الإسلام الحديث النبوي الشريف الذي يروي قصَّة رجلٍ جاء إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" يسأله: من أحق الناس بصحابتي يا رسول الله؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أبوك".
ومن عجيب ما جاء به الإسلام أنه أمر ببر الأم، حتى وإن كانت مشركة؛ فقد سألت أسماء بنت أبي بكر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صلة أمها المشركة، وكانت قدمت عليها، فقال لها: «نعم، صلي أمك".
سارة وهاجر
لعل تتبع تاريخ زوجات سيدنا إبراهيم سارة وهاجر وكيف كانت أمومتهما محل رؤية لتاريخ الأمومة والأديان.
سارة بنت هاران هي زوجة النبي إبراهيم أم النبي إسحاق أبو النبي يعقوب الذي ينحدر من نسله أنبياء بني إسرائيل. وهي مبجلة عند المسلمين واليهود والمسيحيين. أتى ذكرها بالتوراة على أن أسمها "سَارَاي" ثم تحول إلى "سارة" بعد وعد قطعه الله لها بولد بعدما كانت عجوز عاقر. كما ذُكرت الحادثة في القرآن من دون تسميتها. وربط المفسرون المسلمون المرأة المذكورة في الآية على أنها سارة.
بحسب التوراة، كان اسم زوجة إبراهيم تدعى "ساراي" وعندما أصبحت عجوزا من دون أولاد وعدها الله بولد فتغير اسمها إلى "سارة" كدلالة للوعد بذرية. وفي العبرية ومعناه الأميرة أو السيدة النبيلة. وفي اللغة العربية فيعني "البهجة والسرور".
هاجر
السيدة هاجر المِصرية هي أم النبي إسماعيل أكبر أولاد النبي إبراهيم الذي من نسله النبي مُحَمَد بن عَبْد الله، وهي أول من ثقبت أذنها وأطالت ذيلها من النساء، وقد كانت إحدى الأميرات المِصرية ثم أُسِرَت إلى أن أصبحت جارية لسارة زوجة النبي إبراهيم ثم أهدتها له فتزوجها، وأنجبت منه إسماعيل ثم انتقل بها إلى مكة، وقد أنقذها الله وابنها بأن أخرج لهم ماء زمزم.
ويزخر الكتاب المقدس بالأمثلة التي تظهر كيف تعاملت الأمهات مع أبنائهن، ولعل سارة زوجة النبي إبراهيم أبلغ مثال على ذلك، فمن شدة حب سارة لابنها إسحق وغيرتها عليه، أرادت أن تعطيه مكانة خاصة عند أبيه، فقالت لإبراهيم: «... اطرد هذه الجارية وابنها لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحق".
بعد أن أنجبت هاجر النبي إسماعيل أوحى الله إلى النبي إبراهيم أن ينتقل بزوجته وابنه إلى مكة المكرمة حيث يوجد بيت الله المُحرم، فتركها في مكان فوق زمزم في أعلى المسجد، وترك لهما بعض الزاد من التمر والماء ثم عاد النبي إبراهيم، وتركهما.
مارية المصرية
أم المؤمنين ماريَّة بنت شمعون القبطية آخر زوجات الرسول محمد، بعث بها الملك المقوقس للنبي محمد سنة 7 هـ مع حاطب بن أبي بلتعة ووصفت بأنها أخذت حُكم أمهات المؤمنين -بعد وفاة رسول الله محمد- ، أنجبت مارية للرسول ثالث أبنائه إبراهيم، الذي توفي وهو طفل صغير، وهي الوحيدة التي أنجبت للرسول من بعد زوجته الأولى خديجة بنت خويلد. وكلمة «قبط» كان يقصد بها أهل مصر، وكان أبوها عظيما من عظماء القبط، كما ورد على لسان المقوقس في حديثهِ لحامل رسالة الرسول إليه، ولدت مارية في مصر في قرية حفن من كورة أنصنا.
قدمت مارية إلى المدينة المنورة بعد صلح الحديبية سنة 7 هـ. وذكر الرواة أن اسمها "مارية بنت شمعون القبطية"، بعد أن تم صلح الحديبية بين الرسول وبين المشركين في مكة، وبدأ الرسول في الدعوة إلى الإسلام، وكتب الرسول كتبًا إلى ملوك العالم يدعوهم فيها إلى الإسلام، واهتم بذلك اهتماماً كبيراً، فاختار من أصحابه من لهم معرفة وخبرة، وأرسلهم إلى الملوك، ومن بين هؤلاء الملوك هرقل ملك الروم، كسرى أبرويز ملك فارس، المقوقس ملك مصر التابع للدولة البيزنطية والنجاشي ملك الحبشة. وتلقى هؤلاء الملوك الرسائل وردوها رداً جميلاً.
كانت الهدية جاريتين هما: مارية بنت شمعون القبطية وأختها سيرين بنت شمعون، وألف مثقال ذهبًا وعشرين ثوبًا وبغلته "دلدل" وشيخ كبير يسمى "مابور". وفي المدينة، اختار الرسول مارية لنفسه، ووهب أختها سيرين لشاعرهِ حسان بن ثابت الأنصاري.
وكانت مارية بيضاء جميلة الطلعة، وقد أثار قدومها الغيرة في نفس السيدة عائشة، فكانت تراقب مظاهر اهتمام رسول الإسلام بها. وقالت عائشة: "ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة -أو دعجة- فأعجب بها رسول الله وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيتٍ لحارثة بن النعمان، فكانت جارتنا، فكان عامة الليل والنهار عندها، حتى فرغنا لها، فجزعت فحولها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا".
بعد مرور عام على قدوم مارية إلى المدينة، حملت مارية، وفرح النبي لسماع هذا الخبر فقد كان قد قارب الستين من عمرهِ وفقد أولاده ما عدا فاطمة الزهراء. وولدت مـارية في "شهر ذي الحجة من السنة الثامنة للهجرة النبوية" طفلاً جميلاً يشبه الرسول، وقد سماه إبراهيم، تيمناً بأبيه إبراهيم خليل الرحمن.
عاش إبراهيم ابن الرسول سنة وبضع شهور يحظى برعاية النبي ولكنه مرض قبل أن يكمل عامه الثاني، وذات يوم اشتد مرضه، فرفعه الرسول وهو يقهقه (ينازع) ومات إبراهيم وهو بين يدي الرسول فبكى عليه ودمعت عيناه وكان معه عبد الرحمن بن عوف فقال له: «أتبكي يا رسول الله؟ فرد عليه الرسول ﷺ: إنها رحمة، إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا مايرضي ربنا، وإن لفراقك يا إبراهيم لمحزونون». وكان ابن ثمانية عشر شهراً. وكانت وفاته يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول سنة عشر من الهجرة النبوية المباركة"، وحزنت مارية رضي الله عنها حزناً شديداً على موت إبراهيم.
مكانة مارية عند الرسول :
لمارية شأن كبير عند النبي محمد وفي صحيح الإمام مسلم بن الحجاج قال: قال رسول الله ﷺ: «إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحماً، أو ذمة وصهراً». وفي رواية: "استوصوا بأهل مصر خيراً، فإن لهم نسباً وصهراً". والنسب من جهة هاجر أم إسماعيل، والصهر من جهة مارية القبطية.
مكانة مارية في القرآن:
لمارية شأن كبير في الآيات وفي أحداث السيرة النبوية. «أنزل الله صدر سورة التحريم بسبب مارية القبطية، وقد أوردها العلماء والفقهاء والمحدثون والمفسرون في أحاديثهم وتصانيفهم». وقد توفي الرسول وهو راض عن مارية، وكانت مارية شديدة الحرص على اكتساب مرضاة الرسول.