"القاهرة تختنق" كان هذا هو العنوان الأبرز بعدما جاءت القاهرة ضمن الدول الأعلى في معدلات التلوث؛ حيث احتلت المركز الـ 27 من بين 117 دولة على مؤشر تلوث الهواء خلال 2021، وبحسب البيانات الواردة في المؤشر العالمي الذي يقيس جودة الهواء في 6475 مدينة حول العالم، فإن مدن معدودة نجحت في الوصول بمعدلات التلوث إلى معدلات مقبولة.
وأظهرت الدراسة الاستقصائية لبيانات التلوث أنه لم تتمكن دولة واحدة من تلبية معايير منظمة الصحة العالمية لجودة الهواء في عام 2021، بل اكتست المدن بالضباب الدخاني، ففي القاهرة بلغت القراءة السنوية لمؤشر كثافة الجسيمات الدقيقة والخطرة المحمولة جوا والمعروفة باسم PM2.5 نحو 29.1 ميكروجرام في كل متر مكعب من الهواء، بحسب البيانات التي جمعتها شركة آي كيو أير السويسرية لتكنولوجيا مراقبة التلوث وجودة الهواء، حسبما ذكرت وكالة "رويترز".
وتوصى منظمة الصحة العالمية بألا يزيد متوسط القراءات السنوية لمؤشر PM2.5 عن 5 ميكروجرام لكل متر مكعب من الهواء، وجاء مستوى PM2.5 في القاهرة الجديدة عند 29.1 ميكروجرام لكل متر مكعب في عام 2021، وهو ما يتجاوز توصية منظمة الصحة العالمية بمقدار 5 إلى 7 مرات. وقد ارتفع المعدل أيضا بأكثر من 67% مقارنة بما كان عليه قبل عامين فقط، إذ جاءت قراءة PM2.5 لعام 2019 عند 18 ميكروجرام لكل متر مكعب.
المدن الأكثر تلوثًا حول العالم
وبالنظر إلى مدن وعواصم العالم، تجاوزت الغالبية العظمى من المدن المستويات الموصى بها، إذ أوفت 3.4% فقط من جميع المدن التي شملها الاستطلاع بمعايير منظمة الصحة العالمية خلال العام، وأظهرت البيانات أن مستويات التلوث الإجمالية في الهند ساءت في عام 2021 وظلت نيودلهي العاصمة الأكثر تلوثًا في العالم، بمقدار 85 ميكروجرام لكل متر مكعب من الهواء، تليها دكا عاصمة بنجلاديش (78.1 ميكروجرام لكل متر مكعب) ونجامينا عاصمة تشاد (77.6 ميكروجرام لكل متر مكعب). وجاء عدد من العواصم العربية في مراكز متقدمة في قائمة الأكثر تلوثا، حيث احتلت العاصمة العمانية مسقط المركز الخامس، واحتلت المنامة البحرينية المركز السابع، ثم جاءت بغداد في المرتبة الثامنة، تليها الدوحة في المرتبة 13، ثم أبو ظبي في المرتبة 18.
في هذا الشأن أكد خبراء البيئة أن الاهتمام بالبيئة أصبحت من الضروريات القصوى في كل دول العالم، ولا يقل أهمية عن الطعام والشراب الواجبين لاستمرار الحياة، مشيرين إلى أن التوسع في المشروعات الخضراء الصديقة للبيئة يستطيع أن يجنب مصر الوقوع ضمن الدول الأكثر تلوثا في العالم.
وقال الدكتور ماهر عزيز، خبير الطاقة والبيئة، إن الدولة المصرية توسعت في الآونة الأخيرة في مجال الطاقة النظيفة والمشروعات الخضراء، وهو الأمر الذي لاقى إشادات كبيرة من قبل العديد من المؤسسات الدولية، ولذلك فإن المشروعات العملاقة للطاقة البديلة التي أنشأتها مصر على مدى السنوات الاخيرة كفيلة بتحسين جودة الهواء في مصر، مشيرا إلى أن مصر تستهدف الوصول بمصادر الطاقة الجديدة والمتجددة للمساهمة بنسبة تصل إلى أكثر من 40 ٪ من الطاقة الكهربية عام ٢٠٣٥.
وأضاف "عزيز" في تصريحات لـ"البوابة نيوز" أن مصر قادرة على السيطرة على مصادر التلوث في القاهرة والأقاليم من خلال إحكام السيطرة على مصادر التلوث المختلفة، وفي مقدمتها وسائل النقل المتقادمة، والتي تعد في مقدمة مصادر تلوث الهواء في مصر، وكذلك النشاط الصناعي لذا يجب تشديد الرقابة على المنشآت الصناعية والتأكد من تطبيق إجراءات الحفاظ على البيئة إضافة إلى منع كافة أشكال المخلفات الزراعية.
وتابع: "يتضح أمامنا أن مصر نجحت في السيطرة على النشاط الصناعي من خلال الفلاتر على المصانع الكبرى ونقبل الغالبية العظمى من المصانع خارج المناطق السكنية، وكذلك عوادم السيارات من خلال إطلاق مبادرات التحول للعمل بالغاز الطبيعي"، إلا أن الاستمرار في الرقابة يضمن ثبات الإجراءات البيئية عند الحدود والمستويات البيئة المسموح بها.
من جهته، قال الدكتور مجدى علام، مستشار وزير البيئة الأسبق، إنه من الواضح أن هناك ارتباط وثيق بين الكثافة السكانية وارتفاع مستويات التلوث، لذا العديد من دول جنوب شرق آسيا ضمن قائمة الأسوأ والأكثر تلوثا حول العالم، في إشارة إلى " نيودلهي العاصمة الهندية الأكثر تلوثًا في العالم، وكذلك دكا عاصمة بنجلاديش".
وأضاف "علام" في تصريحات لـ"البوابة نيوز" أن الكثافة السكانية تخلق كثافة في وسائل النقل والمواصلات، ومن هنا تأتي عوادم السيارات المتهم الأول برفع نسب التلوث في القاهرة، حيث تتسبب الأنشطة الحضرية والسكانية ووسائل النقل في الجزء الأكبر من الجسيمات الدقيقة والعوالق التي تسبب تلوث الهواء".
ودعا إلى ضرورة تشديد الرقابة على المصانع فلم يعد هناك رفاهية أن يكون هناك مصنع مخالف للاشتراطات البيئية، لذا فإن تركيب الفلاتر على المصانع قد يكون في ظاهره مكلف للمصانع على المدى القريب، إلا أنه على المدى البعيد يعد استثمار للأفضل، للحفاظ على حياة المواطنين، وتجنيبهم الكثير من الأمراض الناتجة عن التلوث،
كما دعا إلى إطلاق مبادرات أكثر تحفيزا لاستخدام الغاز في وسائل النقل للتخفيف من عوادم السيارات، والعمل على مد خطوط أوسع لشبكة مترو الأنفاق الذي يعتمد على الكهرباء وهي طاقة نظيفة، حيث أكد البنك الدولي في دراسة صادرة عنه عام 2020 أن تشغيل الخط الثالث لمترو الأنفاق أدى إلى خفض التلوث في القاهرة بنسبة ٣٪.