قررت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري في اجتماعها الاستثنائي، اليوم الاثنين، رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى 9.25% و10.25% و9.75%، على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى 9.75%.
قال محمد عبدالوهاب، المحلل الاقتصادي والمستشار المالي للاتحاد العربي للتطوير والتنمية بمجلس الوحدة الاقتصادية التابع لجامعة الدول العربية، إن تصارع الأحداث الاقتصادية في مصر من رفع أسعار الفائدة 1% وما أعقبه من طرح بنكي الأهلي ومصر شهادات استثمار بعائد 18% لمدة عام ثم ارتفاع سعر الدولار إلى 17.5 جنيه يوحى بأن هناك المزيد من الإجراءات الاقتصادية التي سوف تقوم الدولة المصرية باتخاذها الفترة المقبلة.
وتوقع، أن تكون إحدى أهم تلك الخطوات هو ترك مساحة من الحرية للجنية المصري بالانخفاض مقابل الدولار الأمريكي في محاولة من المركزي للسيطرة على حركة انسحاب الأموال الساخنة من السوق المصرية في ظل منافسة كبيرة تشهدها أسواق السندات بعد رفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة والتي من المتوقع ان تتم رفعها أكثر من مرة خلال العام.
وأكد عبدالوهاب، أن تلك الخطوة سوف تجذب إلى حد ما نوعية من المستثمرين الأجانب وخاصة العرب للدخول إلى السوق المصري بعد ما أصابهم خلال الفترة الماضية من عدم الأمان في الاستمرار في الأسواق الأجنبية حيث مازالت تلقى أزمة روسيا وأوكرانيا بظلالها على الاقتصاد العالمي وخاصة تداعياتها بحظر أموال المستثمرين الروس داخل أوروبا مما يجعل من الاستثمار العربي في أوروبا غير أمن .
وأشار إلى أن خطوة البنك المركزي الاستباقية تلك جاءت لامتصاص جزء من التضخم الموجود حاليا في السوق المصرية، والذي يعتبر جزء أساسي منها تضخم ناتج عن ارتفاع أسعار المواد الخام وليس تضخم ناتج عن ارتفاع في القوة الشرائية، وارتفاع منحنى الطلب عن منحنى العرض.
وتوقع عبد الوهاب، أن تكون هناك زيادات أخرى من المركزي لأسعار الفائدة هذا العام وسط حسابات معقدة من أن ننتقل الى مرحلة تضخم ركودي وهو ما بدأ يتلمسه المستثمرون الأن في الأسواق حيث ستكون له عواقب وخيمه من ارتفاع لمعدلات البطالة والتأثير على الحياة الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام .
ولفت إلى أن القرارات الاستباقية وما يتبعها من قرارات ستكون مؤثرة بشكل كبير في حركة السوق المصرية الفترة المقبلة، التي ربما ستشهد هبوطا مرحليا نتيجة توجه شريحه كبيرة من المستثمرين لإيداع أموالهم داخل البنوك لكن القرارات التالية من ترك الحرية لسعر الصرف في التحرك في جزء محسوب سيكون له اثر كبير على جذب الاستثمارات الأجنبية وإعادة الانتعاش للسوق المصري خلال النصف الثاني من 2022.
قال الدكتور رشاد عبده، خبير اقتصادي، إن رفع البنك المركزي لسعر الفائدة أمر متوقع، لأن هناك علاقة مباشرة بين معدل التضخم وسعر الفائدة، حتى يشعر المواطن بارتفاع قيمة أمواله عند وضعها لفتره في البنوك.
وأضاف، أن التضخم هو عبارة عن تآكل القوى الشرائية للعملة، فمن غير المعقول أن يضع المواطن أمواله في البنك ويأكل التضخم قيمتها، وفي آخر العام يجدها تشتري سلع أقل مما كانت عليه في بداية العام.
ولفت إلى أن رفع سعر الفائدة بناء على زيادة التضخم لم يحدث في مصر فقط، بل في دول كثيرة منها أمريكا، السعودية، الامارات، الكويت، البحرين.
وأشار إلى أن هذه الإجراءات نتيجة للحرب الروسية في أوكرانيا، وارتفاع الأسعار العالمية للقمح والطاقة، وبالتالي فالتضخم العالمي كبير واستوردت مصر منه هذا التضخم.
قال محمد عبدالعال، خبير مصرفي، إن قرار لجنة السياسة النقدية يعزز قوة الاقتصاد في مواجهة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، ومواجهة موجة التضخم العالمية غير المسبوقة والتي قدمت إلينا عبر الاستيراد وعبر تقلص سلاسل الإمداد.
وأكد الخبير المصرفي، أن قرار لجنة السياسة النقدية جاء للحفاظ على مكتسبات برنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث صاحب هذا القرار تحريك في سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، وذلك لتقريب سعر الصرف إلى سعره الواقعي، بالإضافة إلى تحفيز وتشجيع استثمارات الأجانب في أوراق الدين العام المحلية، بعد أن تحسن سعر الصرف وسعر الفائدة لصالحهم، وليعود الجنيه المصري كما كان من أفضل العملات من حيث العائد الحقيقي المتولد منه، كما أن القرار جاء مشجعا لتحويلات المصريين العاملين بالخارج، ودفعا للقدرة التنافسية السلعية لسلع التصدير المصرية.
وأشار إلى إصدار البنك الأهلي وبنك مصر شهادة لمدة عام بسعر 18%، وهو عائد فائق التميز، وذلك لتحفيز المدخرين الحاليين والجدد من القطاع العائلي لزيادة مدخراتهم ودخولهم لتعويضهم عن زيادة معدلات التضخم المرتفعة.
ونوه عبدالعال إلى أن العالم يعيش حاليا حالة أزمة اقتصادية عالمية، والبنك المركزي المصري دائماً ما يصدر قرارته وفقا لتطور الأحداث العالمية والإقليمية والمحلية، وبذلك من الممكن أن تستمر سياسته التقييدية أو العودة إلى السياسة التيسيرية مرة أخرى وفقا لتطور الظروف.
قال المهندس أحمد الزيات، عضو جمعية رجال الأعمال المصريين، إن قرار لجنة السياسات المالية بالبنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة 1% قرار إيجابي، مضيفاً أن القرار جاء في توقيت مهم لمواجهة الفترة التي نعيشها عالمياً في ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع تكاليف الإنتاج والطاقة.
واعتبر أن القرار بمثابة خطوة استباقية من البنك المركزي المصري لتعزيز توازن سوق النقد المالي والاقتصاد المصري بشكل عام للتخفيف من آثار وتبعات التوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا التي أثرت على الوضع العالمي.
وأكد عضو جمعية رجال الأعمال المصريين، أن الاقتصاد المصري لديه من المقدرة الكافية لامتصاص الزيادة في سعر العملة نسبة 10%، خاصة وأن الاقتصاد المصري بداية من برنامج الإصلاح الاقتصادي استطاع أن يمتص أزمة عالمية مثل أزمة كورونا، حيث أن لديه من الآليات ومن العوامل المساعدة التي تؤهله لأن يمتص الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية وتبعات الأزمة الروسية الأوكرانية.
وأوضح، أن تحريك سعر العملة له فوائد على الصادرات المصرية، حيث يسهم في تعظيم وزيادة الصادرات داخل الأسواق العالمية ويجعل لها قيمة تنافسية في الأسعار خلال الفترة القادمة.
وأضاف، أن الحكومة المصرية تتبع بعض السياسات التي تحاول من خلالها إعادة ضبط الأسعار في السوق وتشديد الرقابة خاصةً علي المواد الغذائية والبضائع الاستهلاكية للمواطن العادي.
وأوضح، ارتفاع سعر الدولار ينعكس على زيادة أسعار السلع والبضائع بالسوق المحلية بنسبة 5% إلى 15% على بعض المنتجات بالأسواق، لافتاً إلى أن حجم التأثير يتوقف علي نوع القطاع ومدى تأثيره بالقرار بشكل مباشر بالإضافة إلى حجم الاستهلاك في الفترة المقبلة.
وقال الزيات، إن نتيجة لهذا القرار نتوقع استقرار بشكل كبير في القطاع المالي والمصرفي في مصر، مؤكداً في الوقت نفسه على أن الاقتصاد المصري قادر علي امتصاص قرارات البنك المركزي المصري والتي تأتي دائما كخطوات استباقية لإعادة تهيئة المناخ المالي وجذب الاستثمارات إلى مصر.
أكدت الدكتورة داليا السواح، نائب رئيس لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بجمعية رجال الأعمال المصريين، أن قرار البنك المركزي المصري برفع سعر الفائدة 1% كان متوقعا.
وأوضحت السواح، أنه منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، ازداد التضخم على مستوى العالم بوتيرة متصاعدة وسريعة مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع بشكل كبير وبدأت البنوك على مستوى الدول في رفع نسبة الفائدة تفاديا لأي أضرار وحفاظا على معدلات التضخم والنمو لديها.
وأشارت إلى أن أكثر القطاعات التي تستفيد مما حدث هي الشركات والصناعات المعتمدة على الدولار في تعاملاتها كالبتروكيماويات والشركات المصدرة.
وأضافت: أتوقع مع انخفاض سعر الجنيه، ارتفاع مؤشرات البورصة خاصة، وأن الأسعار وصلت لمناطق متدنية مع انخفاض قيمة الأصول وقيمة أسهم الشركات ووصولها لحدودها الدنيا، مضيفة أتوقع تذبذب في سعر الدولار علي مدار الأيام القادمة صعوداً وهبوطاً علي أن يعود لنقطة اتزان سريعة له في خلال أسبوعين علي الأكثر ويستقر القطاع المالي المصرفي سريعاً.
صرح أحمد حمدي، محلل اقتصادي، أن قرار رفع الفائدة متميز جداً ويأتي نتيجة منطقية للارتفاع الكبير في معدلات التضخم ويعبر عن استجابة سريعة وملموسة من قبل البنك المركزي لاحتواء الاضطرابات الاقتصادية محلياً وعالمياً.
وأوضح، أن اتجاه البنوك المركزية العالمية إلى رفع معدلات الفائدة الخاصة بها وتطبيق سياسات انكماشية كمحاولة منها للمحافظة على قيمة العملة المحلية، منوها بأن البنك المركزي المصري اتبع نفس النهج للحفاظ على قيمة الجنيه المصري وتقليل معدلات خروج السيولة الأجنبية من السوق المالي المصري.
ومن جهته أكد علاء رزق، خبير اقتصادي، أن قرار البنك المركزي برفع الفائدة يواجه موجة التضخم العالمية، وتأثيرها على أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية، وبالتالي جاء القرار في توقيته كمحاولة لامتصاص آثارها.
وقال رزق، إن القرار صدر ليواجه التغييرات الاقتصادية الناتجة من الحرب الروسية الأوكرانية وانعكاسها على المستوى العالمي.
تطور سعر الدولار أمام الجنيه
على مدار أكثر من 83 عاماً شهد سعر الدولار أمام الجنيه تقلبات عديدة بداية من قيمة الجنيه المصري تتجاوز 5 دولارات لكل جنيه، إلى انهيار الجنيه أمام الدولار الذي أصبح يساوى أكثر من 17 جنيها لكل دولار.
في عام 1939 كان سعر الدولار لا يتجاوز 0.2 جنيه، أي أن الجنيه المصري كان قادرا على شراء 5 دولارات، وبعد مرور 10 سنوات لم يرتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه إلا بوتيرة طفيفة جداً ليصل في عام 1949 إلى نحو 0.25 جنيه.
ومع بداية الخمسينيات من القرن الماضي وقيام ثورة يوليو 1952 وحتى عام 1967 سجل سعر صرف الدولار قفزة كبيرة مقابل الجنيه، حيث ارتفع من نحو 0.25 إلى نحو 0.38 بنسبة ارتفاع تقدر بنحو 52%.
وخلال أكثر من 10 سنوات منذ عام 1967 وحتى عام 1978 ارتفع سعر صرف الدولار بنسبة طفيفة ليصل إلى نحو 0.40 جنيه بنسبة ارتفاع لا تتجاوز نحو 5%.
ومنذ عام 1979 وحتى عام 1988 قفز سعر صرف الدولار بنسبة كبيرة مرتفعاً من نحو 0.40 جنيه إلى نحو 0.60 جنيه بنسبة ارتفاع تقدر بنحو 50%.
ومنذ عام 1989 وحتى عام 1990 قفز سعر صرف الدولار بنسب قياسية مرتفعاً من نحو 0.40 جنيه في عام 1989 إلى نحو 0.83 جنيه في عام 1990 بنسبة ارتفاع تقدر بنحو 107.5%.
ومع بداية تسعينيات القرن الماضي بدأت الانهيارات المستمرة للجنيه المصري مقابل الدولار، حيث ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه من نحو 0.83 جنيه في عام 1990 ليسجل نحو 1.50 جنيها عام 1991 بنسبة ارتفاع تتجاوز نحو 80%.
وفي عام 1992 قفز سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري بنسبة 100% مرتفعاً من نحو 1.50 جنيه ليسجل نحو 3 جنيهات.
وفي العام التالي، 1993 ارتفع سعر صرف الدولار من نحو 3 جنيهات ليسجل نحو 3.33 جنيه بنسبة ارتفاع تقدر بنحو 11% فقط.
ومنذ عام 1993 وحتى بداية الألفية الجديدة لم يرتفع سعر صرف الدولار بنسب كبيرة، حيث ارتفع من 3.33 جنيه في 1993 ليسجل نحو 3.40 جنيه بنسبة ارتفاع لا تتجاوز نحو 2%.
في عام 2000 سجل سعر الدولار ارتفاعا يقدر بنحو 10.29% ليقفز من نحو 3.40 جنيه إلى 3.75 جنيه في العام 2001.
وخلال عام 2002 وصل سعر الدولار مقابل الجنيه المصري نحو 4 جنيهات مرتفعاً بنسبة 6.66%، في عام 2003 قفز سعر الدولار من نحو 4 جنيهات ليسجل نحو 4.60 جنيهاً مرتفعاً بنسبة 15%.
وشهد العام 2004 قفزة جديدة في سعر الدولار مقابل الجنيه المصري، حيث ارتفع من 4.60 جنيهاً في العام 2003 ليسجل نحو 5 جنيهات في عام 2004 بنسبة ارتفاع تتجاوز نحو 8.69%.
وبنهاية عام 2005 سجل سعر صرف الدولار مقابل الجنيه نحو 5.75 جنيهاً بنسبة ارتفاع تقدر بنحو 15%.
ومنذ عام 2005 وحتى قيام ثورة يناير 2011 ارتفع سعر صرف الدولار ليسجل نحو 6.5 جنيهاً مقابل نحو 5.75 جنيهاً في عام 2005 بنسبة ارتفاع تقدر بنحو 13%.
وكانت أكبر قفزة شهدها الدولار مقابل الجنيه التي أعقبت قيام ثورة يناير 2011، حيث قفز سعر صرف الدولار من نحو 6.50 جنيهاً في نهاية عام 2011 ليسجل نحو 13.25 جنيهاً محققاً ارتفاعات قياسية تجاوزت نسبتها نحو 103%.
وقفز سعر الدولار من جديد مع قرار التعويم في نوفمبر 2016 ليسجل مستوى 19.60 جنيه، وبحلول عام 2017 بدأت السوق تدخل في مرحلة الاستقرار ويشهد الدولار تراجعاً ليسجل مستوى 18.30 جنيه، ثم واصل التراجع إلى مستوى 17.25 جنيه خلال العام 2019 لينتهي سعر صرف الدولار إلى مستوى 15.64 جنيهاً في 20 مارس 2022، قبل أن يقفز اليوم إلى مستوى 17.50 جنيها لكل دولار.