الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أمي العظيمة... ست الحبايب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا يمكن أن تمر مناسبة الاحتفال بعيد الأم في الواحد والعشرين من مارس من كل عام، دون أن نشكر الكاتبين الصحفيين مصطفى وعلي أمين اللذين جعلا هذا اليوم عيدًا لكل الأمهات، وجعلنا نكتب عن فضل ودور الأمهات العظيم ليس في بلادنا فحسب، وإنما في العالم كله، فالأم -كما قال الشاعر- مدرسة إذا أعددتها… أعددت شعبا طيب الأعراق، وهي حمامة السلام والحنان ورسول الحكمة والبهجة والسرور، وقيثارة السماء التي تبث المحبة في الأرض والاستقرار الأسري والذي لولاها لتحولت الدنيا إلى غابة ومستنقع يرتع فيه كل صاحب مصلحة ولا يهمه إلا ذاته فقط.
وأمي العظيمة هي سيدة من نوع فريد، أعتبرها أعظم طبيب نفسي في العالم، فبمجرد الجلوس إلى جوارها تتساقط منك هموم الدنيا وضغوط الحياة ومسئوليتها، رغم أنها لم تنل أي حظ لها من التعليم، إلا أنها تتميز بالحكمة والفصاحة في الحديث والكلام وحسن التصرف في مختلف المواقف وكما يقولون "ست بمئة راجل"، ودوما ما تصاحب كلامها، ابتسامتها المعهودة، بوجهها البشوش، التي تبث في وجه كل من يتحدث إليها الطمأنينة والسلام وراحة البال!
وامي قصة كفاح عظيمة، كنا نحن أولادها الأربعة، محور فصولها حتى الآن، بالإضافة إلى اقاربها وأحفادها. فقد كنت أريد أمي بعد وفاة والدي بمثابة الرجل والمرأة معا، تقوم بحسن تربيتنا على القيم والمبادئ الأخلاقية الحميدة الراسخة التي نادرا ما نجدها في هذا الجيل من الأمهات، مثل التضحية والرجولة وتحمل المسؤولية والصبر وقوة التحمل والأمانة والإخلاص في العمل، فضلا عن اشتغالها في البيت بماكينة خياطة صغيرة، لكي تنفق على المعيشة وأسرتها الصغيرة دون أن تسمح لأحد أن يقدم لنا المساعدة، فقد كانت تسهر الليالي لإنجاز الخياطة وتفصيل المفروشات وملايات السرير للمحلات في شارع المعز لدين الله "الغورية" حتي الصباح ونحن نائمين، وعندما نستيقظ نجدها لا تزال جالسة على الماكينة، تعمل في صبر وقناعة ورضا، نشاط، حتى أوصلتنا جميعا إلى مختلف مراحل التعليم الجامعي، وقد حصلت أنا على درجة الدكتوراه، بفضل الله ودعاء أمي، وتزوجنا جميعا بمساعدتها، وعمل إخواتي أحمد ومحمد وماجدة، في أعمال خارجية، حتى استطعنا أن نعبر الأزمات المختلفة، بعد وفاة الوالد ونحن صغار لا نملك من الحياة أي شيء.
وما أعظم اللحظات عندما وجدت الفرحة في عين أمي قبيل زيارتها إلى المسجد النبوي والقيام بالعمرة، وسعادتها بنجاحنا في مراحلنا الدراسية المختلفة، وبعد الشفاء من أمراضنا وتعبنا في الصغر، وزواج اختي الكبري وأخواتي الأكبر والأوسط.
ولكن تأتي الرياح أحيانًا بما لا تشتهي السفن، فقط مرضت أمي بالسكر والضغط وهي من الأمراض المزمنة لكبار السن والصغار أيضا، وعندما تراكمت المرض عليها، صبرت ورضيت بقضاء الله، وتحملت تبعات المرض، وزاد الأمر وتأثير السكر  سوءا عندما قامت بإجراء جراحة عاجلة، فصبرت أيضا، وشكرت الله كثيرا على قضائه، ووجدتُ سعادتها في وجودها وسط أبنائها وأحفادها في بيتها الذي لا يخلو منا على الإطلاق، فنحن نعيش معها وأخي الأكبر محمد، وهب نفسه للجلوس معها دائما، وترك عمله، وابتعد عن بيته لأجل أمي، بعد أن صارت أمي قعيدة لا يمكنها المشي بمفردها!
واكتفت أمي بالدعاء لنا كعادتها والصبر والاحتساب عند الله عدم قدرتها على المشي بسبب السكر اللعين.
أمي أعظم نساء الكون، وأعظم من أي سيدة، كزوجتك، لأن الأخيرة تعطيك بمقابل وتنتظره منك بعكس أمك لا تنتظر منك شيئًا وتعطيك بلا مقابل!
وفي أثناء الاحتفال بالعيد، رحلت عن الدنيا، سيدة بمنزلة أمي تمامًا، وكانت صديقة ورفيقة دائمة لأمي وهي زوجة خالي الأكبر عبد العال، وهي الحاجة "حسيبه"، والتي أبكت الجميع عللا رحيلها قبيل الاحتفال بعيد الأم.
كل سنة وأنتِ طيبة يا أمي في عيدك، وربنا يعطيكِ الصِّحَّة والعافية، ويجعلنا دومًا تحت أقدامك يا أعز الناس.