الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سانتياجو

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تشغلني دائما فكرة الخَلاص فى الأعمال الفنية والأدبية بصفة خاصة، وفي الحياة العملية بشكل عام، والخَلاص أو Salvation هو المصطلح النقدي والتفسيري لفكرة المصير الذي يصل إليه البطل في ختام الصراع مع أزماته الشخصية أو الاجتماعية التي نعيشها معه في العمل الفني، وكيف ينتصر الخير أو الشر فى النهاية، وهو في الغالب خطوة تالية لما يسمى بمرحلة التطهر أو purification، والتي تشمل مفهوم المواجهة ثم الاعتراف بالحب أو الذنب أو التوبة أو التخلص من الإثم.
أما الخَلاص في الحياة العادية فهو الغاية التي يحققها الإنسان في مشوار كفاحه في معمعة الحياة الواقعية سعيًا وراء أهدافه وطموحاته، كأن يتزوج بمن يحب، أو يحصل على الوظيفة التى يرغبها، أو يحقق ثروة مالية مثلًا، والخلاص في الثقافة الشعبية شائع ومعروف كما يقول المثل الشعبي «كل واحد يعرف خَلاصه»، كذلك الأمر في العقائد والأديان السماوية كالإسلام الذي نعرف فيه أن أول سؤال يوجه للإنسان بعد وفاته هو «عن عمره فيما أفناه»، وفي المسيحية يتمثل الخلاص في إدراك الملكوت الأرضي أو السماوي، وهو النيرفانا في عقيدة التاو البوذية، كما أن التجربة الصوفية باختلاف طرقها ومشاربها تقدس فكرة الخلاص، وهي تراه أحيانًا في التجلى وأحيانًا أخرى في الفناء في الذات العليا مثلما هو الحال مع أسطورة الحلاج العرفانية الصوفية.
وفي الأعمال الأدبية يكون الخلاص هو نهاية الصراع الدرامي والنتيجة النهائية، أو ربما هي الرسالة التي تصل إليها القصيدة أو الرواية أو الفيلم السينمائي أو العرض المسرحي،  كما قد يكون الخَلاص متحققا في لقاء العاشقين، أو ربما في فراقهما للأبد أو في موت أحدهما قبل أن يحين موعد لقائمها، وذلك في الأعمال الرومانسية الكلاسيكية مثل «روميو وجيوليت» لشكسبير أو فيلم «حبيبي دائما» لحسين كمال.
وفي الشعر قد يتحقق الخلاص في وصول الشاعر إلى نور الحكمة وفيض المعرفة، فيلقى على الناس أشعارًا مليئة يمشاعر الحب والإخلاص، كما يقول الشاعر الكبير الراحل صلاح عبد الصبور: «وفي لَحظة، شعرت بجسمي المحموم ينبض مثل قلب الشَمس، شعرت بأنني امتلأت شِِعاب القلب بالحكمة، شعرت بأنني أصبحت قديسًا، وأن رسالتي، هي أن أقدسكم».
من أجمل الروايات التي تحقق فيها مفهوم الخلاص بشكل درامي رائع ومثير هي رواية «الكيميائي» أو «ساحر الصحراء» للكاتب البرازيلي الشهير باولو كويلهو، التي تمت ترجمتها إلى العديد من لغات العالم وبيع منها ملايين النسخ فى كل مكان، حيث تحكى الرواية عن الشاب الإسباني المغامر  «سانتياجو»، الذي يعمل راعيًا للأغنام يطوف القرى والمدن بحثًا عن العشب والمأوى، وفي ليلة مشهودة ينام وسط أغنامه في كنيسة مهجورة، فيحلم بأنه قد عثر على كنز عظيم مخبوء في سفح أهرامات الجيزة في مصر، فيستيقظ من نومه ويقرر أن هذه رؤيا حقيقية، ويقرر أن يذهب إلى مصر؛ لكى يحصل على الكنز، وبالفعل يبيع خرافه وينطلق في رحلة أسطورية ليعبر البحر المتوسط، ويصل إلى طَنجة في المغرب ثم تسرق نقوده، فيضطر للعمل في خان لبيع الكريستال على حافة الجبل حتى يستطيع أن يدخر أجرة السفر إلى الأهرامات، ثم يصل إلى واحة الفيوم ليلتقى حبيبة عمره فاطمة فيأخذها معه، ويستكمل الرحلة، وعند سفح الأهرامات يحفر كثيرًا للبحث عن الكنز، حتى يغلبه النعاس فينام في مكانه؛ ليرى نفس الحلم مرة أخرى، لكن الكنز هذه المرة يصبح تحت أنقاض الكنيسة المهجورة فى بلدته الإسبانية، فيعود إليها ويعثر على الكنز المدفون هناك ويتحقق حلمه ويجد الخلاص أخيرًا، وكان رسالة العمل تقول «الكنز تحت رأسك يا سانتياجو وبين يديك»، لكن روعة الخَلاص قد تتحقق في الرحلة والمشقة وليست في الوصول إلى الكنز.