المؤتمر الافتتاحي للمنظمة الصهيونية، عقد بزعامة تيودور هرتزل في مدينة بازل بسويسرا يوم 29 أغسطس 1897، ذلك المؤتمر كان نقطة الارتكاز الأولى لبلورة الأهداف التي عمل عليها الفكر الماسوني عبر تاريخ تواجدهم، تلك الأهداف تتموضع داخل دائرة هدفها بعيد المدى وهو مملكة صهيون من النيل إلى الفرات، ولتحقيق ذلك الهدف كان لا بد وطبقا للمخطط الصهيوني تدمير الحضارات التي تتمركز تاريخيا وجغرافيا في عدة بقاع من الأرض، وبجانب ذلك كان لا بد أيضا من تفريغ الثوابت الدينية والعمل على انصهار تلك الثوابت داخل منظومة عمل صهيونية يتم استخدامها كأداء داخل دائرة الأهداف الصهيونية.
وهنا حكاية حرب بوتن مع الصهيونية العالمية، فمن الخطأ الجسيم للدوائر السياسية والثقافية تناول تلك الحرب من داخل دائرة جغرافية حدود دولة أوكرانيا، فالحرب الصهيونية ضد أجداد بوتن قد بدأت من زمان طويل فمنذ أيام قياصرة روسيا قديما إلى ايام الاتحاد السوفيتي حديثا، هنا الحرب الصهيونية ضد الحضارة السلافية والكنيسة الأرثوذوكسية لتلك المنطقة الجغرافية والتي تترامي أطرافها في الكثير من شرق وغرب وجنوب أوروبا، فتلك الحضارة تبدأ شرقا من روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا وغربا بولندا، التشيك، سولفاكيا وفي الجنوب صربيا كرواتيا البوسنة، سولفانيا، مقدونيا الجيل الأسود، هكذا تمزقت إمبراطورية أجداد بوتن على يد الصهيونية العالمية ما بين الشرق والغرب والجنوب.
فكان هدف الصهيونية بجانب تمزيق الأراضي الجغرافية هو أيضا تفتيت الكنيسة الارثوذوكسية، تلك الكنيسة التي تمثل موروث ثقافة الأجداد الآسلاف وتعمل على إحياء الحضارة السلافية روحيا وثقافيا، وبما أن ثوابت الإيمان للكنيسة الأرثوذوكسية في أي مكان بالعالم تعمل ضد الأهداف الصهيونية الرامي إلى مملكة إسرائيل، فقد تم اختراق تلك الكنيسة وتمزيق تكوينها الجماعي عن طريق استخدام الكنيسة البروتستانتية التي يتم استخدامها تحت ارساليات التبشير لتمزيق أي مكون أرثوذوكسي في العالم، ومن هنا وبناء على أهداف المجمع المسكوني فقد عمل على إقامة المجلس العالمي للكنائس، وذلك للرمي إلى عولمة المسيحية داخل الانصهار الصهيوني والتضييق على الكنائس الأرثوذوكسية بوسائل كثيرة، أو إخراجها من دائرة قرار التأثير.
هنا أهداف الحرب الحقيقية التي قرر بوتن أن يشنها كفرصة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من آخر أمجاد أوطان أجداده المتمثل في روسيا الاتحادية والكنيسة الأرثوذوكسية، بعد أن نجحت الصهيونية قي تصهين حضارة أجداده وتمزيق جغرافية أسلافه ومحاصرة كنيسة إيمانه، فقد تم إجبار بوتن على تلك الحرب، والآن سيتضامن مع بوتن كل من هو عدو لتلك للصهيونية.
والآن نلاحظ شيئا هاما للغاية وهو أان هجرة الأوكرانين إلى الدول التابعة للحضارة السلافية والبوابة لتلك الهجرة بولندا، ولذلك نلاحظ مثلا عدم الهجرة إلى فرنسا أو بريطانيا أو ألمانيا، وتلك هي الهوية التي تبحث عنها دوما النفس البشرية عند التعرض لضيق ما.
وعلى الجانب الآخر نجد أن الصهيونية التي تمتلك منظومة الإعلام العالمي في حالة ارتباك وانفصال عن المشهد مثلها مثل الأذرع السياسية لها المتمثلة في الرأس وهي الإدارة الأمريكية، مع ترقب وخوف من الذراع العسكرية لتلك الصهيونية وهو الناتو بعد أن فشلوا في رصد ومراقبة أي أسلحة روسية داخل أو خارج الأراضي الأوكرانية، والآن تلك الصهيونية أمام اختبار صعب بين حلم قد قارب على التحقيق والتواجد وهو مملكة صهيون المزعومة، وبين قوة بوتن التسونامية التي خرجت للانتقام من تلك الصهيونية ومحاولة تطويقها أو تحجيمها وربما تدميرها وتدمير العالم معها.
فالملاحظ أن الجميع تراجع عن الوساطة ولا يوجد من يسعى لمحاولة التوسط، فقط تتحرك الأدوات الصهيونية ما بين أردوغان ورئيس وزراء إسرائيل وهناك الصراخ والعويل الملبد بالخوف والرعب في تصريحات الإدارة الأمريكية، وهنا قطر التي قرر بايدن ضمها كحليف للناتو من خارج الحلف لاستخدامها كخزينة صرف على الحرب ضد روسيا في أوكرانيا.
في الأمس القريب َللمرة الأولى تم نسف معسكر اسرائيلي مع القنصلية الأمريكية في أربيل العراق، وقد أعلن الحرس الثوري الإيراني عن تبنيه تلك العملية، وكان الرد الأمريكي ضعيفا للغاية حيث أدان الاعتداء على أراضي العراق وسيادته، في حين كان الصمت غير المعتاد لإسرائيل وقبل أن تنطق بأي تصريح، كانت الضربة القاسمة والمرعبة التي لم تتعرض لها من قبل، والتي تهدد أمنها وتواجدها، حيث ضربت جميع مؤسسات الدولة الإسرائيلية سيبرانيا مما أدى إلى تعطل الكثير من أجهزة الدولة، فهل تمتلك إيران تلك القدرة لشل دولة إسرائيل أم هناك من هو أقوى من إيران ويريد إرسال رسالة إلى الصهيونية العالمية؟.
الحرب لم تبدأ بعد فما زالت الخطوات الأولى داخل الحيز الجغرافي الأوكراني، ولكن هناك الحرب الاقتصادية المتمثلة في الدولار الصهيوني وكسر هيمنته وهيبته هو إضعاف للمكون الصهيوني في كل العالم، فبعد أن تناثرت أخبار عن رفض الإمارات والسعودية للضغوط الأمريكية لزيادة الإنتاج في أوبك، جاءت أنباء مزلزلة باتفاق صيني سعودي باستخدام اليوان الصيني في التعاملات الخاصة بالطاقة بين الطرفين، وخلال الأيام السابقة أعلنت روسيا انها ستسدد ديونها بالروبل الروسي، رويدا رويدا تزداد مساحة الحرب ضد الصهيونية، والمراد هو العمل على ولادة نظام عالمي جديد يكون قادرا على التواجد والتأثير بعيد عن العولمة الصهيونية الحالية بقيادة أمريكا، وأعتقد أن الصهيونية ستحاول عن طريق أمريكا أن تساوم من أجل التواجد ضمن هذا النظام القادم بقيادة الصين وروسيا والهند.
والخوف لو أيقنت الصهيونية بضياع حلمها وأهدافها ستعمل على إشعال حرب عالمية ثالثة تاكل الأخضر واليابس، وإلى الآن ما زالت صورة الأحداث محدودة، وعند اتساع الصورة فستظهر التحالفات التي حتما سيتشكل منها النظام العالمي القادم.