الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا الآن عكست التناقض التاريخي بين الحضارتين السلافية والإغريفية.. فالحروب بين الحضارتين ارتبطت بعلاقات الكنائس وكانت أوكراينا وبولندا وبلغاريا ورومانيا وباقي السلاف جزءًا من المكون الروسي القيصري ثم الاتحاد السوفيتي.
وكان الروس الذين أسسوا دولة أوكراينا وضموا لها مقاطعات من ١٩١٨ وحتى ١٩٥٤، وكان في مقدمة قادة الحزب قيادات أوكرانية.
الخلاصة أن الصراع بين الإغريق والسلاف ظل ممتدا حتى استطاع الإغريق جذب أغلب السلاف، وتركوا الروس والأوكرانيين يجهزون على بعضهم وخلف كل ذلك الحركة الصهيونية.
أصل السلاف
أصل السلاف يعود إلى قبائل العصر الحديدي الأصلية التي عاشت في وديان نهري أودر وفيستولا «فى بولندا الحالية وجمهورية التشيك» فى حوالي القرن الأول الميلادى، كما ذكر أن الأشخاص من «البروتيين- السلافيين» كانوا نشطين بالفعل بحلول عام 1500 قبل الميلاد داخل منطقة امتدت تقريبًا من غرب بولندا إلى نهر دنيبر فى بيلاروسيا وذلك استنادًا إلى الأدلة الأثرية، فبدلًا من اعتبار أن هناك وجود مركز منشأ للثقافة السلافية، يبدو من المنطقى أكثر التفكير في وجود منطقة واسعة يتشارك سكانها سمة ثقافية مشتركة.
تعتبر الشعوب السلافية مجموعة صغيرة من الشعوب العديدة التي تقطن في أوروبا، وتتوزع هذه الشعوب بشكل رئيسى في شرق وجنوب شرق أوروبا، كما أن توزعهم يمتد أيضًا عبر شمال آسيا إلى المحيط الهادئ، وتنتمي اللغات السلافية إلى الأسرة الهندية الأوروبية.
عادةً ما يتم تقسيم السلافيين إلى السلافيين الشرقيين «وعلى رأسهم الروس والأوكرانيين والبيلاروسيين» والسلاف الغربيين «البولنديين والتشيك والسلوفاك والوينديز أو السوربيين» والسلاف الجنوبيين «الصرب والكروات والبوسنيين والسلوفينيين والمقدونيين والجبل الأسود».
يتكلم البلغاريون لغة سلافية رغم أنهم من أصل مختلط مثل الهنغاريين وغالبًا ما يتم تصنيفهم على أنهم سلافيون جنوبيون.
هكذا يبدو جليا للعيان أن الحضارة السلافية ضمت من الشرق «روسيا وأوكراينا وبيلاروسيا» ومن الغرب «البولنديين والتشيك والسلوفاك» ومن الجنوب «الصرب والكروات والبوسنيين والمقدونيين والبلغار».
نشأة المسيحية فى الشعوب السلافية
إذا رجعنا إلى نشأة المسيحية في الحضارة السلافية سنجد أن أصولها بدأت حينما عاشت الإمبراطورية البيزنطية عصرها الذهبي خاصةً تحت حكم الأسرة المقدونية، حيث دعي عصرهم بعصر النهضة المقدونية ففي عهدهم مرت الإمبراطورية البيزنطية بنهضة ثقافية وعلمية، وكانت القسطنطينية فى عهدهم المدينة الرائدة في العالم المسيحي من حيث الحجم والثراء والثقافة.
فقد كان هناك نمو كبير في مجال التعليم والتعلم ممثلة بجامعة القسطنطينية ومكتبة القسطنطينية وجرى الحفاظ على النصوص القديمة وإعادة نسخها، كما ازدهر الفن البيزنطي وانتشرت الفسيفساء الرائعة في تزيين العديد من الكنائس الجديدة.
وفي عصر الكومنينيون تجدد الاهتمام بالفلسفة الإغريقية الكلاسيكية، بالإضافة إلى تزايد الناتج الأدبي باليونانية العامية، واحتل الأدب والفن البيزنطيان مكانة بارزة في أوروبا، حيث كان التأثير الثقافي للفن البيزنطي على الغرب خلال هذه الفترة هائلًا وذا أهمية طويلة الأمد.
كما شمل العهد المقدوني أحداثًا ذات أهمية دينية كان منها ظهور المسيحية في الشعوب السلافية مثل البلغار والصرب والروس وتحولهم إلى المسيحية الأرثوذكسية بصفة دائمة قد غير الخريطة الدينية لأوروبا ولا يزال صداه حتى يومنا هذا.
قام كيرلس وميثوديوس وهما أخوان يونانيان بيزنطيان من ثيسالونيكى قد ساهما بشكل كبير جدًا فى تنصير السلافيين والعملية التي طورت الأبجدية الغلاغوليتية، والتي هي سابقة كيريلية.
وصلت العلاقات بين التقاليد الغربية والشرقية ضمن الكنيسة المسيحية في 1054 إلى أزمة كبيرة، وعرفت باسم الانشقاق العظيم، ورغم وجود إعلان رسمي بالفصل المؤسساتي، إلا أنه وفى 16 يوليو، عندما دخل ثلاثة مفوضين بابويين حاجيا صوفيا خلال طقس القربان المقدس الإلهي بعد ظهر يوم سبت ووضعوا ثور الحرمان على المذبح، كان الانشقاق العظيم نتيجة عقود من الانفصال التدريجي.
في عام 988 دخلت المسيحية بلاد روس وانتشرت وفق المذهب الأرثوذكسي، حيث اعتنق الأمير فلاديمير الأول المسيحية، وكان السلاف الشرقيون في ذلك الوقت يعبدون القوى الطبيعية، ولكن فلاديمير جعل المسيحية الدين الرسمي للدولة، ومن ثم اعتنقها الكثير من أهل دولته، وقد أصبح فلاديمير فيما بعد قديسًا للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وأصبحت الأخيرة والدولة مرتبطة دائمًا ارتباطًا وثيقًا، واعتبر الروس الأرثوذكس موسكو بأنها روما الثالثة بعد القسطنطينية روما الثانية وبأنها آخر حصن للعقيدة الأرثوذكسية الحقة، وهكذا في عام 1589 نال رئيس الكنيسة الروسية لقب بطريرك واضعًا نفسه بمرتبة بطاركة القسطنطينية، الإسكندرية، أنطاكية وأورشليم.
الانشقاق العظيم
في العام 800 توج البابا ليون الثالث، شارلمان إمبراطورًا للإمبراطورية الرومانية المقدسة مفتتحًا بذلك عهدًا جديدًا من العلاقات بين الإمبراطورية والكرسي الرسولي؛ ولم تنته مرحلة الانشقاقات الكنسية إذ وقع عام 1054 الانشقاق العظيم عندما أعلنت بطريركية القسطنطينية انفصالها عن روما في أعقاب وفاة البابا ليون التاسع.
عندما وقع الانشقاق العظيم قسّم العالم المسيحي بين الكنيسة الكاثوليكية وتركزت في روما وسادت في الغرب، والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، والتي تركزت في القسطنطينية، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية.
وكان نظام الحكم في القسطنطينية مركز الأرثوذكسية الشرقية، نظامًا ثنائيًا فى قيادة الكنيسة بين الأباطرة البيزنطيين وبين البطاركة، فوظيفة الإمبراطور البيزنطى حماية الكنيسة الشرقية وإدارة إدارتها بواسطة ترأس المجامع المسكونية وتعيين البطاركة وتحديد الحدود الإقليمية لولايتها، ولا يستطيع بطريرك القسطنطينية تولى منصبه إذا لم يحصل على موافقة الإمبراطور، وقد عارض بشدة عدد من آباء الكنيسة الشرقيين مثل يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية وأثناسيوس بطريرك الإسكندرية، سيطرة الأباطرة البيزنطيين على الكنيسة الشرقية.
القرن العشرين
من الحرب العالمية الأولي إلى الثانية شهدت بلدان السلاف تضاريس سياسية وديمغرافية مختلفة ولم يغب عن الروس حلم التوحيد السلافي وأسسوا بعد هزيمة ألمانيا النازية الاتحاد السوفيتي الذي ضم كل تلك البلدان السلافية تحت قيادة روسيا السوفيتية.
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي تفككت تلك البلدان عن روسيا الشيوعية، وسط ظهور ما سمي بالثورات البرتقالية، وحدث تغييران:
أولهما بداية دخول المذاهب الأخري الكاثوليكية واليروتستانتية، ولعبت الولايات المتحدة والصهيونية دورا كبيرا في تمويل وإنجاح تلك الثورات كما كان يقود ذلك الملياردير الأمريكي اليهودى من أصول سلافية هنغارية جورج سورس.
يذكر أن زيلنسكي الرئيس الحالي لأوكرانيا يهودى ومن القادة الذين ظهروا في ظل الثورات الملونة وأوكرينا بها مليون يهودي ومثلهم هاجروا لإسرائيل.
ثانيًا: الانقسامات في الكنائس السلافية وخروجها عن الكنيسة الروسية بدأت في الظهور منذ منتصف الثمانينيات، حيث بدأ البطريرك المسكونى للكنيسة الأرثوذكسية من مقره الأوروبى فى جينيف محاولة لإنهاء الخلافات بين العائلتين الأرثوذكسيتين، وعمل على صياغة اتفاقية للاعتراف اللاهوتى المتبادل، وبدأ فى عرضها على الكنائس المختلفة للحصول على موافقتها، لكن الكنيسة الروسية لم توافق وما زال الموقف المعلن للكنيسة الروسية من الاتفاقية كما هو لم يتبدل.
توترات مذهبية
شهدت المنطقة بعض التوترات المذهبية والطائفية عقب «الثورة الأوكرانية» 2014 وأزمة القرم 2014، حيث أيد أتباع الكنيسة الروسية الأرثوذكسية والكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية الأطراف المؤيدة لروسيا، في حين أيّدت الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية - بطريركية كييف والكنيسة الأوكرانية الكاثوليكية الأطراف المؤيدة لأوكرانيا.
ومن الأهمية أن الكنيسة الأوكرانية الكاثوليكية عرفت بتأييد القومية الأوكرانية والانفصال عن روسيا. كما يذكر أن الكنيسة الأرثوذكسية التابعة لبطريركية كييف تأسست في العام 1992 بعد استقلال أوكرانيا في مواجهة بطريركية موسكو، ولم تعترف بها الكنائس الأرثوذكسية الأخرى فى العالم، وفى مايو من عام 2017 قرر البرلمان الأوكراني تأجيل التصويت على مشروع قانون يتعلق بالكنائس تسبب بإغضاب روسيا لأنه ينص على فرض قيود شديدة على الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
حقائق تاريخية
للحقيقة والتاريخ لا بد أن نذكر أن نصف أوروبا الحالية أسسها الروس، كما أن جزءا من آسيا أيضا حصل على دولته من أيدي روسيا.
دعونا نتذكر من هي هذه الدول:
- فنلندا حتى 1802 لم يكن لها دولتها الخاصة.
- لاتفيا حتى عام 1918 لم يكن لها دولة خاصة بها.
- استونيا حتى عام 1918 لم يكن لها دولة خاصة بها.
- استعادت ليتوانيا دولتها عام 1918 بفضل روسيا أيضًا.
- استعادت بولندا الدولة بمساعدة روسيا مرتين، فى عامى 1918 و1944. انقسام بولندا بين اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وألمانيا ليس سوى فترة قصيرة.
ولدت رومانيا نتيجة الحروب الروسية التركية، وأصبحت دولة ذات سيادة بإرادة روسيا في 1877-1878.
- مولدوفا كدولة ولدت داخل الاتحاد السوفيتي.
- تحررت بلغاريا من اضطهاد الدولة العثمانية واستعادت استقلالها نتيجة انتصار السلاح الروسي في الحرب الروسية التركية 1877-1878 التي كان هدفها ذلك، وامتنانًا، شاركت دولة بلغاريا فى حربين عالميتين كجزء من الائتلافات المناهضة لروسيا. الآن بلغاريا عضو فى الناتو، وتقع القواعد الأمريكية على أراضيها. بعد عام 1945 لم يكن على أراضيها جندى روسى واحد.
- ولدت صربيا كدولة ذات سيادة أيضًا نتيجة لهذه الحرب.
- تشكلت أذربيجان كدولة لأول مرة فقط كجزء من الاتحاد السوفيتي.
- تم الحفاظ على أرمينيا ماديًا وإحياؤها كدولة فقط كجزء من الاتحاد السوفيتى.
- تم الحفاظ على جورجيا ماديًا وإحياؤها كدولة بفضل الإمبراطورية الروسية.
- لم يكن لتركمانستان دولة قط وشكلتها فقط كجزء من الاتحاد السوفيتى.
- لم يكن لقيرغيزستان دولة قط وشكلتها فقط كجزء من الاتحاد السوفيتي.
- لم يكن لكازاخستان دولة وشكلتها فقط كجزء من الاتحاد السوفيتي.
- منغوليا لم يكن لديها دولة قط وشكلتها فقط بمساعدة الاتحاد السوفياتي.
- اكتسبت بيلاروسيا وأوكرانيا دولة أيضًا للمرة الأولى نتيجة لثورة أكتوبر العظمى كجزء من جمهوريات الاتحاد السوفيتي. وفقط في عام 1991 «أيضًا من روسيا» حصلوا على استقلالهم الكامل.
هكذا أدى الصراع بين الحضارة الأوربية الإغريقية إلى تهديد روسيا وسحب أغلي بلدان السلاف إلى حلف الأطلنطي وتقسيم كنائسها وابتعادها عن الكنيسة الروسية الأرثوزكسية، وكانت نهاية حقبة الثورات الملونة الأطلنطية محاول استيعاب أوكراينا لإضعاف روسيا ومن ثم لم يجد بوتين سبيلًا بعد ثلاث سنوات مطالبة بالضمانات الأمنية ولم يرد علية أحد إلا الحرب للأسف، وإن كانت الحرب الدائرة هي للأسف البداية التي كشفت صراع الحضارتين الأوربية الإغريقية والسلافية الأرثوذكسية.