لا يوجد صحفيٌّ ذهب إلى أسيوط لتغطية حوادث الإرهاب في تسعينيَّات القرن الماضي وما بعدها إلَّا ويَعرف الأستاذ مشرف أبو حشيش، مدير وكالة أنباء الشَّرق الأوسط بأسيوط، ومَن لمْ يُسعِدْه حظُّه بمعرفة الرَّجل؛ فقد فاته الكثير مِن معاني الرُّجولة والكرم والأخلاق في معانيها البكر.
عرفتُ الرَّجلَ عام ١٩٩١، عندما ذهبتُ لتغطية أحداث صنبو .. شاهدتُ على هامش الأحداث إبَّانها الصِّراع المشتعل والمستتِر بين محافظها -آنذاك- اللواء حسن الألفي ونواب الحِزب الوطني بقيادة أمينه العام في أسيوط محمد عبد المحسن صالح؛ على خلفية انحياز نواب الحزب وأمينه العام إلى وزير الداخلية -آنذاك- اللواء محمد عبد الحليم موسى ضد المحافظ.. لمْ يكنْ يقف في صَفِّ حسن الألفي وقتَها سوى رجلين؛ أحدهما كان مشرف أبوحشيش، والآخر النائب محمد أحمد حسين نائب بندر أسيوط آنذاك.. عندما سمعتُ القِصَّة أدركتُ مدى الظلم الواقع على المحافظ حسن الألفي ومحاولات رجال الحزب الوطني محاصرته لصالح شائعات رشحته بديلًا لعبد الحليم موسى، الأمر الذي أشعل المعركة بين الرجلين دون أدنى سبب ظاهر لها.. عندها عرفتُ معدن الرَّجل؛ سبيكة من ذهب، يُناصِر الحقَّ، ولا يخشى في الله لومة لائم.
ظلَّت علاقتي به مُمتدَّة لسنوات عديدة، دون أن نلتقي أو حتى نتصافحَ يدًا بيد، حتى أُذيع خبر اقتحام مكتبي في الدُّقي عام ٢٠١٤، حيث فاجأني الرَّجل باتصاله، ليس ليطمئن عَليَّ ولكن ليُعلن لي استعداده بصِدْق للقدوم إلى القاهرة هو وعائلته والوقوف أمام مكتبي بسلاحهم الشخصي للدفاع عنِّي وحمايتي أنا وأسرتي وكل العاملين بالبوابة.. شكرتُه وأكبرتُ فيه الفِعْلَ والفاعِل.. وظلَّ الرجلُ يُرسِل إليَّ رسائل المودَّة والحُبِّ بين الحين والآخر.. لمْ ألتقِهْ ربما لثلاثين عامًا أو يَزيد، ولكن صورته ظلَّت أمام عينيَّ لا تغيب رمزًا للرجولة والشهامة والكرم..
وأمس قرأتُ خبر وفاته على «فيس بوك»، لم أشعر بنفسي إلَّا وأنا أكتبُ لابنته وابنه، أطلب منهما أن يُسامِحاني؛ لأنَّني لمْ أسألْ عنه طوال تلك الفترة، وأعترفُ لهما بأنَّني أحببتُه مثل أخي وأكثر، وأنني موجود بجانبهما -حتى وإن كنتُ بعيدًا- لأسُدَّ بعضًا مِن دَينِه.. فسلامٌ عليكَ يا عمّ مشرف .. سَلِّم على أهلنا هناك وانتظرني..