كل عام أنتم بخير.. تحتفل مصر هذه الأيام بعيد الأم.. وجرت العادة في هذه المناسبة سماع أغنية "ست الحبايب يا حبيبة" التي شدت بها الفنانة فايزة احمد بأحاسيس تزلزل النفس البشرية على أنغام ساحرة تخطف العقل قبل المشاعر.
ووسط هذه الاحتفالات المبهجة يقف على الطرف الآخر طائفة من البشر يسمونهم "الأيتام" يتجرعون مرارة فراق الأم.. وتفيض أعينهم بالدمع كلما سمعوا "يارب يخليكي يا أمي" حزنًا على فراق "ست الحبايب".. ولا تكف محاولات المحيطين بهم لمواساتهم وتعزيتهم ومسح الدمعة من عيونهم.
وشاءت الأقدار أن أنضم لطابور الباكين على فراق نور عيوني ست الحبايب منذ 11 سنة، وانكسر ظهري برحيل أبي منذ 4 سنوات.. وحينها فقط أدركت معنى المثل القائل "اللي من غير أي وأم حاله يبكي ويغم".. وكنت أتمنى لو أن فيروس يصيب جميع أجهزة الراديو والتلفاز حتى تكف عن تشغيل أغنية "صباح الخير يا مولاتي" التي غنتها الراحلة سعاد حسني على طريقتها الطفولية التي كانت تملأ حياة المستمتعين بوجود الأم فرحًا ومرحًا.. في حين تصب كئوس الحزن والألم على كل من فقد أمه.
لكن هذا العام راودتني مشاعر مختلفة، حيث قررت ألا أحزن وأن أستمتع بسماع كافة أغاني عيد الأم، صحيح أسمعها وأنا أبكي، لكنه ليس بكاء الحزن واللوعة والحسد وإنما ترحمًا واستحضارًا لأسعد لحظات الحياة التي كنت أقضيها وأنا أرتمي في حضن أمي وأنا أقتنص لحظات بالقرب منها وأنا أختطف قبلات الحب والعطف والحنان.
قلت لنفسي لماذا أحزن على فراقها وهي في ملأ أغلى وأطهر من ملأنا.. لماذا أحزن وقد رأيت مقامها في الجنة بعيني فاطمأن قلبي.. لماذا أحزن وهي من تركت في نفس كل من عرفها ذكرى طيبة تدوم العمر كله.
بالمناسبة هذه الكلمات لا تخص أمي وحدها وإنما أراها في جميع الأمهات اللاتي رحلن وتركن لأبنائهم وبناتهن ذكرى تدوم العمر كله.. أراها في خالاتي.. في حماتي.. في جيراني.. في ذكريات زملائي وزميلاتي حين يستمتعن بالحكي عن الملاحم الإنسانية في حياة كل أم مصرية تعبت وربت وأنتجت للمجتمع أبناءً صالحين غير مفسدين.
ولأولئك الحزانى على مفارقة أغلى نساء الدنيا أهدي لهم هذا الدعاء إلى الله جل وعلى بدلا من البكاء على من نحب عسى أن ينفعهم بإذن الله وأن يتقبله الخالق فيما يتقبل:
اللهم أفض عليهم من نور رحمتك وعظيم ملكك وسلطانك.
اللهم تجاوز عن أخطاءهم وأبدل سيئاتهم حسنات.
اللهم بلغهم سلامنا ودعاءنا ورحماتنا وألهمنا الصبر على فراقهم.
اللهم باعد بينهم وبين النار كما باعدت بين المشرق والمغرب.
اللهم ولا تجعل لهم ذنبا إلا غفرته ولا كربا إلا فرجته ولا آثما إلا رحمته، واجعل خير أيامهم يوم العرض عليك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ألحقهم بالأبرار والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقًا.
اللهم آنس وحدتهم وألهمنا الصبر على وحشتهم واجعل مستقرهم روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران.
اللهم واجعل ذكراهم بردا وسلاما على نفوسنا، ودافعا لنا على فعل الخير تصدقا على أرواحهم، وتقبلهم في عتقائك من النار.
اللهم إنا لا ملجأ لنا ولهم إلا إياك، ولا مأمن لنا ولهم إلا في حماك، ولا منقذ لنا ولهم إلا رحماك، فلا ترد دعاءنا واجعلنا وإياهم من عبادك المصطفين يا أكرم الأكرمين.
• وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وكل عيد أم وأنتم طيبين.
