الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

وزير الأوقاف يكتب: الكلمة أمانة ومسئولية

الدكتور محمد مختار
الدكتور محمد مختار وزير الأوقاف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قد تكون رحمة ونورا وقد تكون مهلكة ومدمرة، هي أحد من السيف وأمضى من السهم،  الكلمة أمانة عظيمة ومسئولية كبيرة، يقول الحق سبحانه وتعالى "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ" .
 الكلمة أحد من السيف، وأمضى من السهم، وأنفذ من الرصاص، وأفتك من السم، يقول الحق سبحانه وتعالى: " إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ"، ولهذا كان تحذير نبينا (صلى الله عليه وسلم) من خطورة الكلمة  فيقول: "إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالى مَا يُلقِي لهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّه بهَا دَرَجاتٍ، وَإنَّ الْعبْدَ لَيَتَكلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقي لهَا بَالًا يهِوي بهَا في جَهَنَّم".
والمقصود بقوله (صلى الله عليه وسلم): "مَا يُلقِي لهَا بَالًا" أي: لا يفكر في معناها ولا تبعاتها ولا ما قد تجر عليه أو على بلده، ولهذا كان الصمت خير من الكلام فيما لا يفيد، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ"، وعن سيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: كنت رديف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال لي: " أَلَا أَدُلُّكَ على رَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ " قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ "، ثُمَّ قَالَ: " أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ " قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: " اُكْفُف عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟".

على أن خطورة الكلمة عن غفلة لا تقل عن خطورة الكلمة عن قصد طالما نزع السهم من القوس، فالعاقل هو من يفكر قبل أن يتكلم، والأحمق من يتكلم دون أن يفكر، ذلك أن الكلمة قد تودي بإنسان، بل ربما بمصير أمة، فعلى العاقل أن يقول خيرًا أو يصمت، وألا يتدخل أو يتحدث فيما لا يعنيه، وأن يفكر قبل أن يتكلم، وإن تكلم فقولا سديدًا، متحريًّا الصدق، والعدل، والحكمة، والقصد، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا".

 ومن أمانة الكلمة ألا يتحدث الإنسان أو يفتي فيما ليس له به علم، ففي الحديث: "أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا، أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ"، ويقول نبينا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا".
ومن أفتى من أهل العلم فاجتهد فأخطأ فله أجر اجتهاده، وإن اجتهد فأصاب فله أجران: أجرٌ لاجتهاده وأجرٌ لإصابته، أما غير العالم، وغير المتخصص فإنه إن أفتى فأصاب فعليه وزر، وهو  وزر التجرؤ على الفتوى، وإن اجتهد فأخطأ فعليه وزران، وزر الخطأ ووزر التجرؤ على الفتوى، ولا يشفع له التعقيب بعبارة "والله أعلم"، فهذا ما يعقّب به العالم بعد اجتهاده لا الجاهل تغطية لحمقه وجهله.

وأمانة الكلمة ليس قصرًا على المجال الديني، بل هي أعم، فهي أمانة في المجال السياسي، والمجال الاقتصادي، والمجال القانوني، والمجال العلمي، والمجال الطبي، والحرف والصناعات، وسائر المجالات والتخصصات، يقول الحق سبحانه: " فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا"، ويقول سبحانه: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" ، وأهل الذكر ليسوا أهل العلم الديني فحسب، بل هم أهل الخبرة في سائر المجالات والميادين.

 وعلينا أن ندرك أننا محاسبون أمام الله عز وجل بكل ما يصدر عنا من قول أو فعل، حيث يقول الحق سبحانه: " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"، ويقول سبحانه: " وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هذا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"، ويقول سبحانه وتعالى: "مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ".