في بداية الألفية الجديدة، كنت شابا نحيفا حديث التخرج، ووفقني الله في العمل مديرًا تنفيذيًا للمكتب الصحفي لمدينة الإنتاج الإعلامي بعد افتتاحها الرسمي مباشرة، وكان مكتبي الصغير يقع في زاوية مختفية في نهاية الممر المؤدي إلى مكتب رئيس مجلس إدارة المدينة وقتها المهندس عبد الرحمن حافظ.
كان يومي يبدأ في العاشرة صباحا بالمرور على الاستديوهات التي بدأت العمل قبل أشهر قليلة، ومناطق التصوير المفتوحة، لمعرفة من يقوم بتصوير الأعمال الفنية الجديدة أو البرامج ثم العودة إلى المكتب لصياغة الأخبار اليومية وإرسالها بالفاكس أو الإنترنت إلى الجرائد ووسائل الإعلام المختلفة لنشرها فى اليوم التالي.
بعد ذلك كنت أقضي اليوم أكتب الشعر وأقرأ وأحلم باليوم الذي أعمل فيه صحفيا مشهورا في إحدى الجرائد الكبرى، في نفس الوقت كان مكتب رئيس المدينة ومكتب السكرتارية الملحق به يزدحم بالزائرين، بعد أن أصبحت المدينة هي الصَرح الإعلامي والفني القادم بقوة، ولا يجد الفنانون وأصحاب القنوات الفضائية القادمين للقاء رئيس المدينة المشغول دائما حلا سوى الانتظار في الردهة المؤدية للمكتب أو الخروج للانتظار في السيارات.
وفي أحد الأيام اهتدى إلى مكتبي الفنان الكبير سمير صبري واستاذن أن يجلس قليلا، ورحبت به جدا، وكنت أراه للمرة الأولى في حياتي، وطلبت له شيئا يشربه، فطلب شاي بدون سكر ثم أخرج من حقيبة صغيرة معه بسكويت وأعطاني منه قائلا: «ده بسكويت للريجيم»، ثم نظر إلىّ وابتسم بعد أن لاحظ أني طويل ونحيف للغاية قائلا: «لكن أنت لست محتاجا لريجيم.. أنت غاندي خالص»!!
من يومها أصبح الفنان سمير صبري يأتي إلى مكتبي للانتظار فيه ربما يوميا، وهو يأتي مصطحبا معه عددا من الفنانين الكبار أو بعض المنتجين الراغبين في العمل مع المدينة بنظام المنتج المشارك أو المنفذ، وكان يقول للسكرتارية إنه سينتظر في مكتب غاندى وبسرعة البرق أصبح اسمي الحركي في المدينة كلها أستاذ غاندى!!
مع الوقت، أصبح مكتبي الصغير يكتظ بالفنانين، مثل الفنانة الكبيرة مديحة حمدى، والفنان الراحل يوسف شعبان، والمخرج الراحل رائد لبيب، والسيناريست الكبير محسن زايد، والمنتج الراحل اسماعيل كتكت، وفي يوم مشهود دخل إلى مكتبي أستاذي الفنان الكبير الراحل محمود ياسين، صاحب الفضل في حصولي على الوظيفة أصلا، وهو يضحك قائلا: «إزيك يا غاندي»!!
«مهماتا غاندي» هو الزعيم الزعيم الروحي للهند الذي قاد ثورة المَلح وساهم بكفاحه العظيم في تخليص الهند من الاحتلال البريطاني أوائل القرن الماضي، وقدمت السينما العالمية شخصيته المُلهمة في أفلام كثيرة أشهرها الفيلم الذي لعب بطولته الفنان الإنجليزى بن كيسنجلي وفاز عنه بجائزة الأوسكار أفضل ممثل، كما فاز الفيلم بسبعة جوائز أوسكار أخرى سنة ١٩٨٢، كما أعرف الآن أن الفنان الكبير سمير صبري مريض وتحت الرعاية الصحية وأرجو الله أن ينعم عليه بالشفاء العاجل.