الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

كليلة ودمنة| لا تنصح الناس وتنس نفسك (2-30)

كليلة ودمنة
كليلة ودمنة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يُعّد كتاب "كليلة ودمنة" أحد دُرر التراث العالميِّ، وواحد من أفضل كتب الأدب التي تخطَّت أطُر المكان وحدود الزمان، يتناوله الصغار فيستمتعون بحكاياته، والكبار فيستنبطون منه المعاني العديدة والعميقة، وفق ما جاء تقديم النسخة التي حققها عبدالوهاب عزام وطه حسين.

 واصطبغ الكتاب بصبغات أكثر الحضارات الشرقية ثراءً؛ فهو نتيجة تلاقي ثلاث حضارات هي الهندية والفارسية والعربية، والشائع أن مؤلِّفه هو الحكيم الهندي "بيدبا"، وقد كتبه لينصح به الملك "دبشليم"، ثم انتقل الكتاب إلى الأدب الفارسيِّ عندما قام برزويه بترجمته إلى اللغة الفهلوية وأضاف إليه. وأخيرًا، وصل الكتاب إلى الأدب العربيِّ حينما قام عبد الله بن المقفع بترجمته مضيفًا إليه بدوره. 

على مدار الشهر الكريم، تسترجع "البوابة نيوز" ثلاثين حكاية من حكايات "كليلة ودمنة".

قال الفيلسوف: زعموا أن حمامة كانت تفرخ في رأس نخلة طويلة ذاهبة في السماء، فكانت الحمامة تشرع في نقل العش إلى رأس تلك النخلة، فلا يمكن أن تنقل ما تنقل من العش وتجعله تحت البيض إلا بعد شدة وتعب ومشقة: لطول النخلة وسحقها، فإذا فرغت من النقل باضت ثم حضنت بيضها، فإذا فقست وأدرك فراخها جاءها ثعلب قد تعاهد ذلك منها لوقت قد علمه بقدر ما ينهض فراخها، فيقف بأصل النخلة فيصيح بها ويتوعدها أن يرقي إليها فتلقي إليه فراخها.

فبينما هي ذات يوم قد أدرك لها فرخان إذ أقبل مالك الحزين فوقع على النخلة. فلما رأى الحمامة كئيبة حزينة شديدة الهم قال لها مالك الحزين: يا حمامة، ما لي أراك كاسفة اللون سيئة الحال؟

فقالت له: يا مالك الحزين، إن ثعلباً دهيت به كلما كان لي فرخان جاء يهددني ويصيح في أصل النخلة، فأفرق منه فأطرح إليه فرخي. قال لها مالك الحزين: إذا أتاكِ ليفعل ما تقولين فقولي له: لا ألقي إليك فرخي، فارقَ إلي وغرر بنفسك. فإذا فعلت ذلك وأكلت فرخي، طرت عنك ونجوت بنفسي.

 فلما علمها مالك الحزين هذه الحيلة طار فوقع على شاطئ نهر.  فأقبل الثعلب في الوقت الذي عرف، فوقف تحتها، ثم صاح كما كان يفعل. فأجابته الحمامة بما علمها مالك الحزين. قال لها الثعلب: أخبريني من علمك هذا؟، قالت: علمني مالك الحزين. 

فتوجّه الثعلب إلى مالك الحزين على شاطئ النهر، فوجده واقفاً. فقال له الثعلب: يا مالك الحزين: إذا أتتك الريح عن يمينك فأين تجعل رأسك؟ قال: عن شمالي. قال: فإذا أتتك عن شمالك فأين تجعل رأسك. قال: أجعله عن يميني أو خلفي. 

قال: فإذا أتتك الريح من كل مكان وكل ناحية فأين تجعله؟ قال: أجعله تحت جناحي. قال: وكيف تستطيع أن تجعله تحت جناحك؟ ما أراه يتهيأ لك. 

قال: بلى: قال: فأرني كيف تصنع؟ فلعمري يا معشر الطير لقد فضلكم الله علينا. إنكن تدرين في ساعة واحدة مثلما ندري في سنة، وتبلغن ما لا نبلغ، وتدخلن رؤسكن تحت اجنحتكن من البرد والريح. فهنيئاً لكن فأرني كيف تصنع. فأدخل الطائر رأسه تحت جناحه فوثب عليه الثعلب مكانه فأخذه فهمزه همزة دقت عنقه. ثم قال: يا عدوي نفسه، ترى الرأي للحمامة، وتعلمها الحيلة لنفسها، وتعجز عن ذلك لنفسك، حتى يستمكن منك عدوك، ثم أجهز عليه وأكله.