أكد الكاتب الصحفى، حلمى النمنم، وزير الثقافة الأسبق، أن الإرهاب لا يستهدف نظاما بعينة بل يستهدف مدنية الدولة، لذا يجب الوقوف ضفًا قويًا ودفاعًا عن وطنية الدولة ومدنية الدولة، مشيرا إلى كل ما هو وطنى لا يمكن الخلاف عليه، ولكن قد نختلف سياسيا، مؤكدا أن الثقافة المصرية كانت حاضرة فى مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف، وقال إن التاريخ سيحسب للثقافة المصرية تحملها أعباء الإرهاب وتصديها للأفكار الظلامية، جاء ذلك خلال لقائه ضيافة صالون «البوابة».
«البوابة نيوز » من المنابر الصحفية التى لعبت دورًا مهمًّا فى تاريخ هذا البلد لاسيما بعد ثورة الـ 30 من يونيو.
فى بداية اللقاء رحيب الكاتب الصحفى محمود الحضري، مدير عام تحرير جريدة البوابة، بالكاتب الصحفى والباحث حلمى النمنم، وقال :«إن الكاتب الصحفى حلمى النمنم قبل أن يتقلد منصب وزير الثقافة المصرية، فهو واحد من مثقفى مصر الذين خاضوا العديد من المعارك من أجل هذا البلد والحفاظ على هويته الثقافية والفكرية، وهو أحد أهم المثقفين الذين أضافوا إلى الساحة الثقافية المصرية والعربية، وهو واحد من الذين تصدوا للفكر الإرهابى والتطرف الفكري، وأسلمت الدولة وفق منهج الإخوان ، ومن الذين أطلقوا صفارة الإنذار بخطورة هذه الجماعة، وهو أول من أطلق عليها بـ «الجماعة المحظورة» فى وقت مبكر جدًا، والتى ثبت صحتها وأصبحت فيما بعد واقعًا ملموسًا».
وفى بداية حديثه، وجه الكاتب الصحفى حلمى النمنم الشكر لجريدة البوابة، والكاتب الصحفى الدكتور عبدالرحيم علي، متمنيًا لو كان حاضرًا فى هذا اللقاء الفكري، حيث قال : «أنا سعيد بتواجدى فى جريدة البوابة ،والتى تُعد من المنابر الصحفية التى لعبت دورًا مهمًا فى تاريخ هذا البلد فى لحظة بالغة الصعوبة بعد ثورة الـ ٣٠ من يونيو المجيدة».
القوة الذكية
وعن الحرب بين روسيا وأوكرانيا التى يشهدها العالم اليوم، ورد الفعل الأمريكى والإدارة الأمريكية ممثلة فى الرئيس بايدن، قال حلمى النمنم إن أمريكا دخلت فى المرحلة الأولى من الحرب، بقواها الناعمة وليس بقواها العسكرية، فقد دخلت الولايات المتحدة الحرب من خلال التعاقدات الاقتصادية أو الثقافية، فقد شهدنا فى إحدى الجامعات الإيطالية التى كانت ستناقش أعمال الروائى الروسي دوستويفسكي، والتى ألغت هذه المحاضرة، فإذا كانت الحرب تدار عسكريًّا بداخل أوكرانيا، فهى تدار فى العالم الغربى وفى أوروبا بالقوة الناعمة».
وتابع النمنم :«إن مصطلح القوة الناعمة قد مرَّ بتغيرات كثيرة ومنها ظهور مصطلح تعبير «القوة الذكية»، وهو الخليط بين القوة الناعمة والقوة الخشنة خلال فترة حرب العراق، وهو المصطلح الذى استخدم كثيرًا فيما بعد، وهو الأمر الذى يلقى الضوء على دور القوة الناعمة أو الذكية ومهمة ضخمة».
الحرب على الإرهاب
وعن موضوع الحرب على الإرهاب والأفكار الظلامية، تطرق الكاتب الصحفى حلمى النمنم قائلاً :«إن الحرب على الإرهاب فى معناها المباشر هى التى تقودها القوة الخشنة والممثلة فى قوات الأمن، لكن القوة الناعمة دورها فى المقام الأول هو محاربة وكشف الأفكار التى تقوم عليها العمليات الإرهابية، وأظن أن التاريخ سيحسب للثقافة المصرية والمثقفين المصريين والكتاب على مدار القرن العشرين وحتى هذه اللحظة ، أنهم تحملوا هذا العبء بكل جسارة وقدموا الكثير من التضحيات والكثير من الشهداء فى تلك الفترة، والتى على رأسها المفكر فرج فودة ونصر حامد أبو زيد وغيرهم، تلك التضحيات التى امتدت إلى الصحافة المصرية والتى قدمت دورا مهما وواجبا فى هذا الصدد ومنهم الصحفى الشهيد الحسينى أبوضيف وعدد كبير من الزملاء الصحفيين الذين كانوا فى الصفوف الأولى لمحاربة الجماعة الإرهابية والتصدى لها».
ولفت إلى إن دور القوة الناعمة هو كشف الأفكار التى يستند عليها المشروع الإرهابي، وقال فى الحقيقة أن التنظيمات الإرهابية سواء فى مصر أو فى المنطقة العربية تستند على عدة أفكار بسيطة والتى نجدها فى رسائل حسن البنا وأعمال سيد قطب وأعمال أبوالأعلى المودودى والتى انتحلها سيد قطب وقام بتمصيرها، وإذا رجعنا إلى تلك الأفكار سنجدها فى بعض التنظيمات الإسلامية القديمة والتى تواجدت عند الخوارج وجماعة حسن الصباح وغيرها من الجماعات».
- رغم توغل الجماعة الإرهابية إلا أنها لم تستطع السيطرة على دولة فى حجم مصر
وتابع:« فإذا تذكرنا الإمام على بن أبى طالب فسنجد أنه قُتل على يد عبدالرحمن بن ملجم بزعم أنه كافر، وأنه لم يحتكم إلى كتاب الله، كما نجد أن ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان قد قُتل أيضًا، ومُنع أن يدفن فى مقابر المسلمين بزعم أنه كافر، فهذه الأفكار التكفيرية كانت متواجدة على مدار التاريخ، وأنها تطفوا على السطح فى لحظات الاضراب السياسى والاجتماعي، وكما نلاحظ على مدار التاريخ أن هذه الأفكار لم تنجح فى أن تقيم دولة، فالخوارج رغم بشاعة ما قاموا به، وما لديهم من قوات مسلحة لكنها لم ينجحوا فى إقامة دولة أو إمارة، سواء فى عصر عثمان ابن عفان أو فى عصر الخليفة على بن أبى طالب، ثم فى العصر الأموى أو العباسي، حتى جماعة حسن الصباح أو جماعة الحشاشين أقصى ما تمكنوا منه أنهم قاموا بالاستيلاء على قلعة ألموت وأقاموا بها فترة، لكن براعتهم كانت تتمثل فى تكفير الآخرين وقتلهم أو التحريض على قتلهم».
وقال« النمنم» إنه عند النظر إلى التجربة المصرية لاسيما خلال فترة الأربعينيات من القرن الـ ٢٠ ، ففى نهاية الأربعينيات كان النظام الملكى المصرى فى أضعف حالاته، خاصة بعد حرب ١٩٤٨ ، ووصول العلاقات بين مصر وبريطانيا إلى طريق مسدود، وبدأ الاحتلال البريطانى فى الجلاء عن مصر ووضعوا شروط قاسية كان يصعب على القوة المصرية قبولها، ومع ذلك هذا النظام الذى كان مثقلاً بالمشكلة الوطنية ولم ينجح فى أن يصل إلى حل نهائى فيها، والتى كان على رأسها مواجهة بعض الأوبئة ومنها وباء الكوليرا، ومع ذلك هذا النظام بكل هذه الظروف استطاع أن يواجه إرهاب جماعة حسن البنا، واستطاع أن يقف على قدميه، بل وعندما تهاوى هذا النظام «النظام الملكي» لم يتهاو أمام أفكار الجماعة».
- التاريخ سيحسب للثقافة المصرية تحملها أعباء الإرهاب وتصديها للأفكار الظلامية
واستكمل:«حتى عندما تهاوى النظام الملكى لم يتهاو على أيدى الجماعة الإرهابية، وإنما سقط على أيدى الضباط الأحرار أى من داخل النظام نفسه، وحتى عندما استطاعت الجماعة فى الوصول إلى العرض العسكرى واغتيال رئيس الجمهورية الرئيس أنور السادات وبعدها تمكنوا من احتلال مديرية أمن أسيوط إلا أنهم لم يستطيعوا السيطرة على الدولة المصرية، لأن هذه الدولة كان وما زال فيها مؤسسات قوية ومتماسكة، كما أنه ليس لديهم الفكرة التى تمكنهم أو تهيء لهم الاستيلاء على دولة فى حجم مصر، وحتى عندما تولت إدارة الحكم فى مصر لم تتمكن من إدارتها لأكثر من عام وانتهت إلى ما انتهت إليه وكلنا عاصرناه».
- واجهنا صعوبات بالغة حتى لا يتم إقامة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى
- الإدارة الأمريكية تواجدت بالحرب بين روسيا وأوكرانيا بقواها الناعمة
- الحرب على الإرهاب فى معناها المباشر هى استخدام للقوة الأمنية
وأضاف « النمنم» :« وفى كل هذا كانت الثقافة المصرية والفكر المصرى حاضرًا وبقوة ويسبق كل الأحداث، فإرهاب جماعة حسن البنا قد تفشى فى منتصف الأربعينيات، ولكن عندما نعود إلى كتابات طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم، وعبدالعزيز وغيرهم فى الصحف والمجلات كان سيجد أن هناك تنبيها لخطورة هذه الجماعات وهذه التيارات التى كانت تستهدف الدولة المصرية».
مسئولية الجميع
مضيفًا :«فالثقافة المصرية كانت حاضرة وقوية وستظل حاضرة وقوية ، وأنا سعيد بما يحدث فى الثقافة المصرية ونشرها، وتحقيق العدالة الثقافية فى ربوع المجتمع، فلم يعد كافيًّا أن نظل فى القاهرة، فواجبنا أن تصل الثقافة إلى المواطن المصرى أينما كان، سواء داخل الوطن أو خارجه من النوبة إلى أسوان وحلايب وشلاتين وشمال سيناء وجنوبها، فالبعض قد ستصور أن القوة الناعمة هى مسئولية وزارة الثقافة والمثقفين فقط، لا، فهى مسئولية على جميع أذرع المجتمع من جامعات ومدارس ووزارة الأوقاف والأزهر الشريف فالقوى الناعمة تتمثل فى أشياء كثيرة».
- الثقافة المصرية كانت حاضرة وقوية فى مواجهة التيارات الظلامية
حقيبة وزارة الثقافة
وأكد الكاتب الصحفى حلمى النمنم على أنه كان حريصًا بشدة عندما تولى قيادة وزارة الثقافة فى المرحلة الانتقالية على تحقيق قاعدة العدالة الثقافية، وأنه ينبغى أن نخرج من القاهرة إلى كافة الأقاليم، وهى أولى القضايا التى كنت أضعها فى الحسبان أما القضية الأخرى وهى ضرورة الاهتمام بالثقافة السمعية والبصرية، لأنه طبقًا للأرقام والاحصائيات لدينا من ٢٢٪ وحتى ٢٧٪ من سكان مصر أميين، وأنه فى إطار تلك التقديرات لا يمكن التركيز على الثقافة المقروءة فقط لأننا بذلك نقوم بحرمان ربع سكان مصر من الخدمة الثقافية»
- رغم توغل الجماعة الإرهابية إلا أنها لم تستطع السيطرة على دولة فى حجم مصر
كما واجهنا تحديا كبيرا أيضًا فقد كانت هناك جهود جبارة للحيلولة دون عقد مهرجان القاهرة السينمائى الدولي، بل وصل الأمر إلى أن ضيوف المهرجان الأجانب كانت تأتى إليهم اتصالات تبلغهم بأن القاهرة مكان خطر ولا يمكن الذهاب إليه، وهى التهديات التى أدت إلى اعتذار عدد من الضيوف، وكنت وقتها أمام تحدى كبير أمام الصراعات الداخلية والتى تتعلق باختيار رئيس المهرجان أو غيرها من التحديات، وكان لدى تحدى حقيقى فى أن يقام المهرجان بأى شكل من الأشكال"
النمنم يفجر مفاجأة
العثور على ثلاثة قنابل
وتابع «النمنم» فكانت الجماعة تأبى بكل الطرق فى إقامة المهرجان لدرجة أن أجهزة الأمن المصرية قد عثرت على ثلاثة عبوات متفجرة حول أسوار دار الأوبرا يوم افتتاح المهرجان، وهو الأمر الذى لم يتم الإعلان عنه وقتها، فقد كانت الأمور واصله لهذه الدرجة، حيث يتم الإعلان بشكل قوى على أن الدولة المصرية عاجزة على إقامة المهرجان، حيث أن فترة حكم الإخوان لم يقام المهرجان، وهو الأمر الذى اعتبرته تحديا حقيقيا أمام تلك الأفكار، فكل ما كان يعنينى فى هذا التوقيت هو إقامة المهرجان بأى شكل من الأشكال وأن يرى العالم كله حفل الافتتاح، وأن أى شيء آخر ليس مهمًّا».
- أجهزة الأمن عثرت على ثلاث عبوات متفجرة لإفشال مهرجان السينما
دور المثقف
وحول دور المثقف والصحفى فى الحياة الثقافية ودعم الدولة، أوضح «النمنم» قائلاً :أن دور الصحفى هو تقديم المعلومة للمواطن، فنحن مهنة معلومات أى تعلم المواطن بما يحدث، ويأتى بعد ذلك تحليل المعلومات، والمسئول دوره أن ينفذ هذا التحليل، وبالتالى أنا لا أرى أن يكون هناك تضاد بين الأمرين، وأننى بمجرد أن قمت بأداء اليمين الدستورية كوزير قد انتهت علاقتى بالصحافة، فالولاء والالتزام فى هذا الوقت يكون الولاء لهذا القسم».
وعن دور المثقف ومساندته للدولة، قال:"أولاً دعونا نفرق بين أمرين ما هو سياسى وما هو وطني، فما هو سياسى يمكن أن نختلف أو نتفق فيه، لكن ما هو وطنى لا يجوز أن نختلف عليه وهذه هى القاعدة الأساسية وبالتالى حين تواجه الدولة الإرهاب، فالإرهاب ليس مقصودًا به حكومة بعينها ولا مسئول يعينه، فالإرهاب موجود سواء كان النظام ملكيا أو جمهوريا وسواء كانت الحكومة يمنية أو يسارية، سواء من حيث طبيعة النظام أو غيرها، فالإرهاب لا يستهدف نظاما بعينه ولكن يستهدف وطنية هذه الدولة ومدنيتها ولا بد وأن نقف ضفًا قويًا ودفاعًا عن وطنية الدولة ومدنية الدولة.
نصائح الصحفيين
وفى ختام الصالون، وجه الكاتب الصحفى حلمى النمنم عدة رسائل لشباب الصحفيين، أولها أنه لا بد وأن يتمسك بتقاليد المهنة، وأن مهتنا هى أن نقدم المعلومة للمواطنين، وأن يكون الانحياز دائمًا لهذا الوطن ولمدنية الدولة ولهذا المجتمع وقضاياه، فالمجتمع المصرى يستحق الاحترام والتقدير كما ينبغى أن نتعامل بهذه المسئولية.
وقال إن الدولة المصرية لها دور فى التاريخ والمنطقة العربية مهما جدًا وينبغى أن نتمسك بها ونعمل على تقويتها، فلدينا ملفات كثيرة ولا بد وأن نعمل عليها، خاصة ملف دولة المواطنة".
وفى ختام الصالون وجه الكاتب الصحفى حلمى النمنم الشكر للدكتور عبدالرحيم على على هذا الصالون الثرى ولجريدة البوابة على هذا الحوار واللقاء مع شباب الصحفيين.