بحلول نهاية فبراير الماضى دقت طبول الحرب الروسية - الأوكرانية لتطفو أزمة تأمين «الذهب الأصفر إلى قمة صدارة المشكلات التى تؤرق العالم، فارتفعت أسعاره بالتوازى مع أسعار النفط، خاصة أن طرفى الصراع يوفران 25% من احتياجات العالم من القمح، فتستورد منهما مصر حوالى 80% احتياجاتها من الأقماح التى تصل لـ12 مليون طنًا مستورد سنويًا، ووفرت الدولتان 86% من واردات مصر من القمح فى عام 2020. وتعد مصر أكبر مستورد للقمح على مستوى العالم.
ويرى الخبراء أن الدولة تتخذ كافة التدابير لتأمين الأمن الغذائى المصرى عن طريق توجيهات القيادة السياسية أثناء اجتماعه برئيس مجلس الوزراء مؤخرًا برفع حافز التوريد للفلاحين من ناحية واستيراد شحنات من دول بديلة من ناحية أخرى، وأضافوا: أن زيادة المساحة المنزرعة من 3.3 مليون فدان إلى 4 ملايين فدان بالتوازى التوسع فى زيادة المساحات الجديدة التى سجلت قرابة 250 ألف فدان من القمح بالأراضى الجديدة، مع التوسع فى الصوامع التخزينية لرفع الاحتياطى الاستراتيجى لنحو عام كامل مع سرعة اتخاذ إجراءات التحوط لتثبيت أسعار الاستيراد من الخارج بكلفة 5.5 مليار دولار.
ووجه الرئيس عبدالفتاح السيسى بمنح حافز توريد إضافى لسعر إردب القمح المحلى للموسم الزراعى الحالي؛ لتشجيع المزارعين على توريد أكبر كمية ممكنة، وفق المحددات التى ستضعها الجهات المختصة، وجاء ذلك خلال اجتماع الرئيس الأخير مع الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، وصرح المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية السفير بسام راضى بأن الاجتماع تناول «استعراض الموقف التنفيذى لعدد من المشروعات القومية فى قطاع الأمن الغذائى والزراعة على مستوى الجمهورية».
وتم عرض الموقف التنفيذى الخاص ببعض المحاصيل الاستراتيجية، خاصةً القمح مع قرب موسم الحصاد المحلى، وجهود زيادة إنتاجيته فى إطار سياسة الدولة بالتوسع الأفقى فى الأراضى الزراعية، والتوسع الرأسى فى جودة القمح وكميته باستخدام أفضل أنواع البذور ووسائل الرى الحديث والميكنة الزراعية.
بشاير الخير
من جانبه، يقول أستاذ النظم الزراعية، الدكتور زكريا الحداد: «رب محنة» تولد منها «منحة» وهنا أعنى أننا قد نبحث عن حلول غير تقليدية تحقق لنا الاكتفاء الذاتى من القمح، عن طريق اقتطاع مليون فدان من أصل ٢ مليون فدان من البرسيم وهو يزرع فى الموسم الشتوى واستخدام تقنيات حديثة فى «البرسيم» ونأخذ إنتاجية لنفس المساحة ونضيف المليون المقتطع لصالح القمح ليزيد زراعته من ٣.٣ مليون فدان إلى ٤.٣ مليون فدان وذلك بأراضى الدلتا الجديدة.
ويضيف الحداد: والعامل الثانى هو الزيادة الرأسية فى المحصول، خاصة أننا مازلنا نزرع القمح بتقنيات القرن التاسع عشر عن طريق «البدر» لتعطى إنتاجية ضعيفة لا تتعدى ٣٥٠ سُنبلة فى المتر المربع، مع العلم أن الفلاح يتخذ كافة الخطوات من «حرث وبذور ورى وتسميد» ولكن بدون تقنيات حديثة وهى معمول بها فى كافة دول العالم منذ عشرات السنين، وهى «آلية تسطير القمح» ليرتفع عدد السنابل إلى أكثر من ٦٠٠ سنبلة «الضعف تقريبًا»، لترتفع إنتاجية الفدان ١٦ إلى ١٨ أردبا «وزن ١٥٠ كجم» ليتخطى ٢٦ إلى ٢٨ أردبا.
ويواصل «الحداد» بحساب إنتاجية الـ٤ ملايين فدان فى ٢٦ أردبا بوزن ١٥٠ كجم ليكون الإنتاج الكلى للفدان قرابة ٣ آلاف و٩٠٠ كجم ما يقارب ٤ أطنان للقمح ليكون الإنتاج الكلى لـ١٦ مليون طن، بخلاف الأراضى الجديدة التى تم استصلاحها سواء ٥٠٠ ألف فدان جديدة بالضبعة وباستخدام تقنيات حديثة وهنا قد نستغنى تمامًا عن استيراد القمح.
ووصف «الحداد» مسألة تحفيز الفلاح خطوة جيدة لزيادة المستهدف من القمح المحلى وهى دفعة اقتصادية للفلاحين من ناحية وتوفير قمح محلى بجودة عالية، فضلًا عن التفكير بدائل فى تركيبة رغيف العيش مثل خلط الشعير والتوسع فى زراعته بمنطقة الساحل الشمالى.
شراء ٥.٥ مليون طن
يذكر أن الحكومة تستهدف الحكومة شراء ٥.٥ مليون طن من القمح من المزارعين المحليين خلال الموسم المقبل، حسبما قال وزير التموين على مصليحى، حيث رفعت الحكومة بذلك مستهدفها لمشتريات القمح بأكثر من الثلث، حيث ذكر إن واردات القمح المحلى ستساعد فى تغطية احتياجات البلاد حتى نهاية العام، جنبا إلى جنب مع الاحتياطى الاستراتيجى الحالى الذى يكفى لمدة أربعة أشهر ليكون لدينا مخزون من القمح يكفى لمدة ١٢ شهرا حتى نهاية ديسمبر ٢٠٢٢.
كما تعمل الحكومة على تدبير احتياطى يكفى ما بين ٣ إلى ٦ أشهر على الأقل لكافة السلع الأساسية، حسبما قاله رئيس الوزراء، والذى أضاف أن لدى مصر حاليا احتياطى استراتيجى من القمح يكفى للأشهر الأربعة المقبلة، وأن الحكومة تستهدف شراء نحو ٥.٥ مليون طن من القمح من المزارعين المحليين خلال الموسم المقبل الذى يبدأ فى أبريل، لتصبح مصر لديها ما يكفى من القمح حتى نهاية عام ٢٠٢٢.
القمح المحلى «كنز»
يقول الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى: يبلغ حجم استهلاكنا من القمح ٢١ مليون طنًا سنويًا ونستورد منها ١٢ طنًا منها ٨- ٩ ملايين طن من «روسيا وأوكرانيا»، كما يوجد ١٤ دولة أخرى بديلة لاستيراد القمح مثل أمريكا وكندا والأرجنتين. إلخ ولكنهم بسبب زيادة المسافات البعيدة ذات «ناولون» غالى التكلفة، فضلًا عن إنتاج فرنسا شحيح، علاوة عن ذلك فقد أعلن المسئولون مع بداية جائحة كورونا عن مليار ونصف مليار جنيه لإنشاء صوامع جديدة، وهنا يجب البحث لرفع الطاقة التخزينية لتأمين الأمن الغذائى فى ظل أى حروب أو تغيرات مناخية.
وأضاف » صيام» التوجه لرفع سعر توريد القمح الذى كانت تسعيرته ٨٢٠ جنيها إلى ١٠٠٠ جنيه لأردب خطوة فى غاية الأهمية لتحفيز الفلاحى، علاوة على زيادة الأسعار العالمية للقمح حيث سجل ٣٢٠ إلى ٣٥٠ دولارا وقد يصل الناولون لـ٥٠ دولارا للطن الواحد ما يسجل لأقصى رقم ٥٠٠ دولار ليسجل أعلى ارتفاع كما حدث خلال الأزمة الاقتصادية العالمية ٢٠٠٨، وهنا يجب أن نخزن ٤.٥ مليون طن بدلًا من ٣.٥ مليون طن نسبة التوريد السنوى قمح محلى من أصل ٩ ملايين حجم الإنتاج والعمل تحفيز الفلاح بحيث لا يدخل التجار.
ويواصل، فلابد من زيادة المساحة المنزرعة من القمح من ٣.٣ مليون فدان إلى ٤.٣ مليون طن عن طريق زيادة مليون فدان وزيادة التوسع الأفقى على حساب البرسيم مع إيجاد مصادر علفية أخرى مع استنباط أصناف زراعية جديدة لرفع الإنتاجية لفدان القمح ١٨ إردبا للفدان وهى ثابتة لعقود طويلة ونحتاج أصناف بذور جديدة تصل لـ٢٤ -٢٥ إردبا للفدان الواحد.
يذكر أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولى أصدر تعليمات بزيادة عدد نقاط تجميع القمح وتيسير الإجراءات لتسهيل زراعة القمح من قبل صغار المزارعين. وأعادت الحكومة إحياء مشروع توشكى الزراعى فى ديسمبر، والذى قال على المصيلحى «وزير التموين»: إنه من المتوقع أن يوفر نحو مليار دولار من فاتورة القمح فى الموازنة بحلول عام ٢٠٢٥.
رصيد مطمئن
خلال الأيام المقبلة ستتسلم مصر شحنات قمح «البحر الأسود» من روسيا وأوكرانيا ورومانيا. وكانت تلك الشحنات البالغة نحو ١٨٩ ألف طن عالقة خلال الفترة السابقة. يأتى ذلك رغم استمرار الحرب فى أوكرانيا والتى عطلت حركة الشحن التجارى فى البحر الأسود، حسبما قالت وزارة التموين.
وأضاف الخبراء أن مصر ستتلقى ٦٣ ألف طن من القمح من كل دولة فى الأيام المقبلة، مما سيساعد على تعزيز احتياطيات البلاد وسط صدمة الإمدادات الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية. كمت تلقت مصر بالفعل ١٢٦ ألف طن من القمح الرومانى والفرنسى الأسبوع الماضى.
ويعلق الخبير الاقتصادى، الدكتور على الإدريسى، قائلا: لتعزيز الاحتياطى من القمح تعمل الدولة على عدة محاور منها زيادة حافز توريد الفلاحين رفع أسعار توريد القمح المحلى بنسبة ٢٢٪ ليزيد من ٨٢٠ إلى ١٠٠٠ جنيه، وبذلك يرفع حجم المستهدف من الإنتاج المحلى إلى جانب حظر التصدير لسلع أساسية لمدة ٣ أشهر مع محاولة تنويع مصادر إمدادات القمح بعيدا عن منطقة البحر الأسود التى تشتعل بها الحرب ليضاف للاحتياطى الذى يطفى لقرابة ٤ أشهر إضافية لنكون فى درجة أمان حتى شهر ديسمبر القادم.
ويضيف «الإدريسى» البحث عن البدائل الأخرى قد تكون مكلفة خاصة أن القمح الأمريكى والأرجنتينى وكندا سيكون مكلفا خاصة مع زيادة أسعار النفط وهنا لابد من البحث عن البدائل الأقل كلفة مثل القمح الهندى مع ضرورة التحوط عن طريق عمل عقود آجلة يثبت خلالها الأسعار للعبور من أية أزمات سياسية أو زمن الجائحة وقد تكلف الميزانية ٥.٥ مليون دولار سنويًا.
وقف التصدير
سارعت وزارة التجارة والصناعة لحظر تصدير ٦ سلع أساسية هى القمح والدقيق والعدس والمكرونة والفول الحصى والمدشوش، لمدة ثلاثة أشهر، خاصة بعدما سجل التضخم مستوى مرتفع ٨.٨٪ عن شهر فبراير الماضى، فكان قرار الحظر لتعظيم الاحتياطات لمحاصرة الموجة التضخمية التى تضرب السوق العالمى.
من جانبه، يعلق الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادى ورئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، قائلا: القرار جاء فى توقيته لتأمين الاحتياطات الغذائية وتوفير مخزون القمح الذى يكفى لـ٥ إلى ٦ أشهر بخلاف موسم التوريد المحلى من الفلاحين ما يزيد السلعة الاستراتيجية الأهم، ناهيك عن تعزيز الدور الرقابى لمحاربة الجانب الاستغلالى من التجار وتواجد الأسواق وفرض هيمنة الدولة.
ويضيف هناك حلول يجب العمل عليها خلال الفترات المقبلة، قصيرة الأجل وذلك ظهر من خلل الإجراءات التى تم اتخاذها مثل حظر توريد السلع وزيادة تحفيز الفلاحين، وطويلة الأجل التى تستهدف توفير الاكتفاء الذاتى من السلع الأساسية وعدم وجود شُح فى أى سلع وتغير استراتيجيات فى الزراعة لتأمين الأمن الغذائى وزيادة المساحات المنزرعة وتعظيم الإنتاج، المرتبطة بالأمن الغذائى المصرى كما يجب البحث عن بدائل فى تركيبة الرغيف المصرى مثل خلط «الذرة أو فول الصويا».
ويقول «عبده» إن القاعدة الرأسمالية تقول إن أى سلعة تحدد سعرها وفقَا للعرض والطلب، وبالتالى فى حالة الاستيراد بأسعار عالية يتبعها ارتفاع فى الأسعار وزيادة فى تكاليف الشحن بسبب ارتفاع أسعار البترول وتكاليف التأمين ما يتبعه مزيد من التضخم، فهنا كان الإجراء الحكومة فى غاية الأهمية بهدف تأمين الاحتياطات وتعظيمها وإيجاد بدائل فى السوق لمحاصرة التضخم وارتفاع الأسعار، ولابد من زيادة الحملات الرقابية ومحاربة جشع التجار.
فى أبريل ينطلق موسم توريد القمح المحلى، وتستهدف الحكومة شراء ٤ ملايين طن من القمح من المزارعين المحليين هذا العام، وهو ما سيساعد على تغطية احتياجات البلاد حتى نهاية العام الجارى. فيما أعلنت مصر تستهدف تحقيق ٦٠-٦٢٪ من الاكتفاء الذاتى من القمح هذا الموسم، بزراعة ٣.٦ مليون فدان بالقمح، والذى من المقرر أن ينتج ٩.٥ إلى ١٠ ملايين طن.
وهنا يقول الخبير الزراعى، المهندس حسام رضا: لدينا علاقات تكاملية مع السودان لتقلل الضغط على أزمة اللحوم واستيراد الماشية بأسعار تتناسب مع المواطن المصرى، وتخفف الضغط على مساحات البرسيم لتضاف على جملة المساحات المنزرعة من القمح وزيادة الإنتاجية ولابد من البحث عن أصناف حديثة ذات إنتاجية عالية مع عودة الإرشاد الزراعى لتقديم المشورة الفنية للمزارعين والقدرة على المشكلات التى تظهر من خلال التغيرات المناخية.
ويضيف مطلوب زيادة التمويلات للمراكز البحثية حتى يكون لديها القدرة من تطوير الأصناف الزراعية التى تقاوم التغيرات المناخية من ناحية وتزيد من إنتاجية الفدان من ناحية أخرى ومتابعة الخريطة المناخية وتتبع الأمطار وزراعة مساحات عليها.
وفى تصريحات لرئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية، إبراهيم عشماوى، قال إن مصر تتطلع إلى شراء القمح من الولايات المتحدة أو فرنسا أو رومانيا أو كازاخستان أو ألمانيا، لكن قدرتنا على تأمين الإمدادات البديلة تعثرت بسبب ارتفاع الأسعار، وكذلك التكاليف الإضافية والشحن، ومع ذلك، تتوقع وزارة التموين هدوء الأوضاع. يكفى الاحتياطى الاستراتيجى للبلاد من القمح حتى أربعة أشهر، بحسب وزير التموين على المصيلحى.
وتتوقع وزارة المالية أن يكلف ارتفاع أسعار القمح مصر ١٥ مليار جنيه إضافية خلال العام المالى الحالى، كما أن الحكومة ستراجع مستهدفاتها المالية نتيجة لذلك. وارتفعت أسعار القمح العالمية بنسبة ٤٨٪ خلال الأسبوعين الماضيين، لتضيف أكثر من ١٠٠ دولار لسعر الطن، مما أدى إلى ارتفاع سعر الخبز المحلى غير المدعم.