في الوقت الذي تلتفت إليه أنظار العالم أجمع إلى قضية التغيرات المناخية وآثارها السلبية التي تلقي بظلالها على حالة كوكبنا الجيولوجية والبيولوجية والنظم البيئية، نجد موقع الحيتان بالفيوم ليبوح لنا بأسراره التي تعود إلى 40 مليون سنة والتي تعد خير شاهد على حقيقة التغيرات المناخية عبر ملايين السنين، وذلك بمثابة إنذار صارخ بضرورة التحرّك من أجل المناخ حتى نبتعد عن خطر الانقراض ولا يصبح مصيرنا مثل مصير الديناصورات والحيتان.
ورصدت وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ) أهم تلك الأسرار التي يمتلئ بها وادي الحيتان الذي يعد واحدًا من أهم مواقع التراث العالمي الجيولوجي في العالم والأول في مصر، والذي يوضح عملية تطورية أيقونية في سجل الحياة على الأرض "انتقال الحيتان من الثدييات البرية إلى الثدييات البحرية العابرة للمحيطات" وطبقا للاتحاد الدولي لصون الطبيعة فان منطقة وادي الحيتان تعد أهم موقع في العالم يوضح كيفية تطور الحيتان، وقد بنى هذا التقييم على إتاحية تامة في الوصول إلى حفريات في حالة حفظ جيدة بجودة عالية وكذلك على توفر البرهان الذي يتيح بناء قاعدة قوية في علوم الجغرافيا القديمة والبيئات الساحلية والبحرية القديمة للعصر الايوسينى، والذي تتواجد فيه تلك الحفريات.
جيولوجية الموقع
تعد منطقة وادي الحيتان خير ممثل لعصر الايوسين الأوسط والمتأخر بما يحتويه من حفريات متنوعة لكائنات بحرية عديدة موجودة داخل 3 مكونات جيولوجية أقدمها هو مكون جهنم "من 40 إلى 42 مليون سنة" والذي يتكون من الحجر الجيري الأبيض الغنى بالكالسيوم والطين الجبسي وهي طبقة تحتوى العديد من هياكل الحيتان وعرائس البحر وأسنان أسماك القرش والسلاحف البحرية والتماسيح، يليه مكون بركة قارون وهو عبارة عن مزيج من الحجر الجيري والطمي ويحوي العديد من هياكل الحيتان، أما المكون الثالث والأخير فهو قصر الصاغة والذي يرجع من 36 إلى 39 مليون سنة مضت ونجده غنيا بالحيوانات البحرية اللافقارية مما يشير إلى تواجد سابق لبيئة بحرية ضحلة.
موقع وادي الحيتان
في عام 2005 تم إدراج الموقع على لائحة التراث الطبيعي العالمي، وفي عام 2018 تم إدراجه على القائمة الخضراء للمناطق المحمية، وهو معيار عالمي لأفضل الممارسات التي توفر شهادة للمناطق التي تدار بفعالية وتحكمها بشكل عادل.
كما تعتبر منطقة الحفريات "وادي الحيتان" من أهم المناطق ذات الأهمية العلمية والجمالية حيث تتداخل التكوينات الرسوبية وعوامل النحت والتعرية المؤثرة على هذه التكوينات فينتج أجمل وأبدع المناظر المؤثرة التي يمكن أن نشتم منها رائحة وعبق الماضى القديم مع وجود حفريات الحيتان القديمة الواضحة التي تصل أطوال بعضها إلى 18 مترا، وترجع أهمية وادي الحيتان الاستثنائية لوجود حفريات الحلقة الوسيطة" خاصة الأطراف الخلفية للحيتان"، وتاريخ تطور الحيتان من كائنات برية إلى أخرى بحرية وجدت فقط في طبقات وادي الحيتان بكثافة وجودة عالية جدًا وأعداد مميزة ليس لها مثيل بالعالم.
وتعد التكوينات الجيولوجية ومواقع الحفريات في منطقة وادي الحيتان هي المقومات الرئيسية في هذا الموقع، بما تمثله من مناظر طبيعية خلابة وحفريات ذات قيمة علمية عالمية وإرث حضاري مهم، حيث يرجع عمرها الجيولوجي إلى حوالي 40 مليون سنة مضت وبها 3 مكونات جيولوجية أساسية "جهنم، بركة قارون، قصر الصاغة".
جغرافية وأهمية الموقع
يقع وادي الحيتان في محافظة الفيوم ويشكل جزءًا من محمية وادي الريان بصحراء مصر الغربية على بعد 150 كم جنوب غرب مدينة القاهرة و90 كم غرب مدينة الفيوم.
كما تقع منطقة وادي الحيتان الجافة على بعد 40 كم غرب بحيرات وادي الريان وتطل على مناظر صحراوية خلابة من التكوينات التي أثرت فيها عوامل التعرية محاطة بالعديد من الكثبان الرملية والتلال، ويمثل وادي الحيتان متحفًا فريدًا حيث أثبتت الدراسات وجود أكثر من 1000 هيكل عظمي للحيتان الأولية وعرائس البحر.
ويحوي على حوالي 23% من أصل حيوانات الحيتان البدائية التي تم اكتشافها في العالم حيث بلغ عدد الأجناس من الحيتان البدائية التي تم اكتشافها في العالم 49 جنسًا منها 11 جنسًا من مصر، ومن أشهر حفريات تلك المنطقة حوت الباسيلوسورس ذو الأحجام الضخمة والذي يصل طوله إلى حوالي 18 مترًا بينما له أطراف خلفية ضئيلة الحجم وهو حيوان مفترس يتغذى على الأسماك وصغار الحيوانات الأخرى مثل حوت الدورودون وهو ثاني أشهر حوت في الموقع، كما أن وادي الحيتان مصنف كأكثر منطقة في العالم تحتوى على حفريات لحيتان العصر الايوسينى حسب موسوعة جينيس للأرقام القياسية 2010.
الرصد
يقول الدكتور الدكتور محمد سامح مدير إدارة الجيولوجيا والحفريات بقطاع حماية الطبيعة ومدير محميات المنطقة المركزية بوزارة البيئة أن محمية وادي الحيتان تضم متحف الحفريات وتغير المناخ ويحوى حفريات عمرها 40 مليون سنة ولها علاقة وطيدة بتغير المناخ على مر الزمن وتقدم الدليل على تغير المناخ عبر ملايين السنين.
وأكد أن منطقة وادي الحيتان بأكملها كانت بحرًا منذ 40 مليون سنة وكان بحرًا هادئًا بلا تيارات عنيفة وبه شعاب مرجانية وكان المكان يصلح للتكاثر بالنسبة للحيتان وذلك من خلال الأدلة الموجودة من الشعب المرجانية والأصداف التي تؤكد أن المياه كانت هادئة.
ولفت إلى أن بانوراما العرض في متحف الحفريات يظهر المناخ في مصر منذ 40 مليون سنة وكيف أثرت البراكين والزلازل والعوامل الطبيعية المختلفة على الصخور حيث يحوى المتحف صخورًا نارية وأنواعًا كثيرة من الصخور وخريطة تواجدها بمصر، وكل صخر بالمتحف له قصة تروى طبيعة التغير المناخي الذي وقع وأثر على الصخر أثناء تكونه.
وأضاف الدكتور محمد سامح أنه يوجد نظام لرصد الحفريات من خلال توثيق مواقع الحفريات التي تم العثور عليها في قوائم بيانات مكانية، كما أن هناك مرورًا دوريًا لرصد الحفريات بانتظام، حيث يتم التحقق من حالتها على أساس التوثيق الفوتوغرافي لبيان أثر عوامل التعرية عليها خاصة الرياح والأمطار حال سقوطها، وفي عام 2013 تم التوقيع على مذكرة تفاهم رسمية بين جهاز شؤون البيئة وجامعة المنصورة لإجراء عمليات تقييم منتظم ومتابعة وصيانة للحفريات وإجراء الأبحاث العلمية المتخصصة وتعليم كوادر شابة على المدى الطويل.
تطور البحث والكوادر البحثية المصرية
كما أكد مدير إدارة الجيولوجيا والحفريات بقطاع حماية الطبيعة، لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أن موقع وادي الحيتان يعد من أهم مواقع البحث العلمي لتطور الحيتان على مستوى العالم لذا فقد تم وضعه على قمة أولويات الإدارة بالمحمية ولايزال هناك حاجة إلى برنامج بحثي طويل المدى لحفريات وادي الحيتان على وجه التحديد والفيوم بشكل عام، كما أن هناك فرصة لإنشاء روابط وطنية ودولية مع المؤسسات الأكاديمية ذات الصلة وتطوير قاعدة بيانات يمكن الوصول إليها عالميا لتشجيع البحث والتحليل.
ومن أهم الحيتان المنقرضة والتي تم اكتشافها حوت الصاغة 1894، حوت الباسيولوسورس 1903، حوت الدوردون 1903، الحوت الاولى 1904، الايوسيتس 1904، حوت الانكلسبتس 1996، الحوت المصري القديم 2007، حوت سترومر 2007، حوت وادي طرفة 2011، حوت الريان 2015، حوت جهنم 2019، حوت الفيوم 2021.