لدينا مشكلة في التواصل مع الأجيال الشابة لا بُدَّ من العمل على حلها. لا أظن أن الحلول تأتي من الأفراد فقط بل لدينا أساتذة في علوم الاجتماع والنفس والتربية يجب استشارتهم لإصلاح عيوب التواصل مع صغار السن. أثقل الأمور على الشباب الإنصات للنصائح؛ مجرد الجلوس في مقعد المتلقي وتقمص دور المستمع قد يكبرهم بعدة سنوات لاسيما لو كان مقدم النصيحة أحد الوالدين أمر قد لا يروق لهم ويرونه بلا طائل أو مجرد كلاشيهات تسبب صداعا بالرأس، يقولون لأنفسهم: "نصائح قديمة قوي من عواجيز". لا بأس، استمعوا لهذه النصيحة للمرة الأخيرة، مع وعد مني بألا أكررها.
ابني، ابنتي، صديقي الشاب/ة: "اعمل بجد والعب بجد، ولكن قد يأخذك اللعب ويستغرقك تماما فتنسى العمل؛ وهنا ذكِّر نفسك بأن الوقت الذي قضيته بدون عمل لا يمكن تعويضه لأنه مرتبط بعناصر أخرى مثل سن التعلم والفرصة وسوق العمل وهذه عناصر ليست بيدك وحدك توفيرها في أي وقت، أما اللعب فيمكنك أن تلعب في أي وقت".
هناك شعور قد يراودك بأنك بدأت العمل مبكرًا وأنك تعبت كثيرا في هذا اليوم وتستحق اللهو والاستمتاع "ومحدش واخذ منها حاجة". لا تنصت لذلك الصوت الذي يصور لك أن الشباب هو سن الانطلاق واللعب والعمل آت لامحالة مع تقدم العمر. بل إن البدء في العمل مبكرا وأنت في بداية شبابك يتيح لك اكتساب مهارات أكثر وتحقيق طموحك. وهذا أيضا يستدعي أن تبدأ عملك صباحا قبل أن تبدأ الهواتف بالرنين وظهور زملاء العمل. ساعتان من العمل المركز والمثمر صباحا قد تصنع تميزك قبل ظهور الجميع وبدء الانقطاعات والفوضى.
تذكر أن أوائل العشرينات من عمرك هي تلك الساعات المثمرة لاكتساب المهارات والخبرة. وفي هذا الوقت من العمر الفرص ترحب بك لأن شروطك أقل والتزاماتك محدودة. إن قضاء كل وقتك مع الشلة التي أطلق عليها مجازا "العصابة" وعيش الحياة "المجنونة" يعد انفجارًا للطاقات دون هدف وليس ترويحا عن النفس، وله تكلفة باهظة كلما زاد وقتك معهم ولن تتفهمها في وقتها. قريبا ستبدأ المشتتات. سوف يبطئونك أكثر مما تعلم: رؤساء وزملاء العمل، الأزواج (الزوج/الزوجة)، الأطفال، الأصهار، والتزامات نهاية الأسبوع. كل ذلك سيضيف أعباء قد تعطلك عن اكتساب المهارات والتجويد فيها. ضع في اعتبارك أنك ستدخل دائرة الإلهاء عندما تضيف الالتزامات تجاههم أعباء إلى حياتك؛ لكن كلما عملت اليوم أكثر كلما كنت أفضل حالًا غدا.
في البداية، حدد من أنت وكيف يمكن أن تكون ذلك الشخص الذي تطمح إليه ثم فكر مليا فيما تريده من هذه الحياة وابدأ في السير على النحو الذي يناسبك.. تريد أن تكون مستقلا ولا تدع الآخرين يملون عليك ما يجب عليك فعله.. لك ذلك، ولا يجب أن تفهم الدعوة للإنصات للآخرين على أنها محاولة للتدخل في شؤونك فهذه رحلتك في المقام الأول وتحتاج أن تتولى قيادتها بنفسك واختيار ما يناسبك. لكن مع ذلك فإنه لا مانع أن تستمع إلى أولئك الذين يحاولون المساعدة في إرشادك من خلال تجاربهم ودروس حياتهم. وتيقن أنهم أخطئوا عديد المرات قبل أن يصلوا لنتائجهم. لذلك لا تنزعج وتكتئب إذا أخطات بدورك فالأخطاء هي ما تصنع طعم التجارب، وهي ما تعرِّفُك أكثر على أوجه الحياة: النجاح والفشل، المال والديون، الأزمات وكيفية إدارتها؛ كلما عرفت أكثر كلما حصلت على المزيد مما ترغب.
اعمل أيضا على اكتساب العلاقات في مجال عملك وتخصصك وحافظ على الأصدقاء من المدرسة إلى الكلية ووثق اتصالك بهم، فهم الأبقى. واجتهد في تطوير نفسك أو حتى تغييرها فقد لا نستطيع اكتساب مهارات جديدة إلا بعد تغيير بعض العادات السيئة. أحيانا تواجهنا مشكلات تبدو بسيطة ولكنها تتغلب علينا لأننا لا نحسن إدارتها. يمكن استخدام قاعدة "ذهبية" تبدو بسيطة ولكن نتائجها فعالة وعن تجربة شخصية، وهي قاعدة الخمس ثواني، حيث يمكنك عند الكسل أو عندما تجد صعوبة للقيام بعمل معين العدّ من واحد إلى خمسة. وتنطلق بعدها دون أن تسمح لعقلك بالتفكير في مراجعتك عما تنوي القيام به وأن تداعب كسلك فتقول لنفسك "مايجراش حاجة لو نمت شوية كمان". كثيرا ما نستدعي مشاعر التعاطف مع الذات فنردد أننا مرهقين ونستحق مزيدا من الراحة وهكذا نتخلص من الشعور بالمسئولية الذي يشكنا كالدبوس ويخمد نار الضمير التي تلسعنا. هو شعور طبيعي يزورنا من حين لآخر. لكن لا يجب الاستسلام له. وطريقة العد قد تنجح في إخراجنا من هذا التردد والكسل. شخصيا، أصبحت أقيس بها مدى حيويتي وقدرتي على أن أهزم الكسل وأعتمدها عندما يرن هاتفي للنهوض للعمل، أوعند الاستيقاظ لصلاة الفجر، وحتى في الأعمال التي أتكاسل عن القيام بها. أصبحت عادة عندي: أعدُّ 5.4.3.2.1 "هيا انطلقي يا شطورة!". أشعر بجرعة من النشاط تسري بعروقي وكأنني في سباق مع أحد ما.
هذا مجرد رأي وعلى وعدي الذي قطعته سابقا على نفسي بألا أذكركم به مرة أخرى. قد يستحق القليل من الإنصات أوبالقدر الذي تعتقدون أنه سيفيدكم. معظم النصائح لم تكن في قائمة الأشياء التي فعلتها بشكل صحيح، لكن هي أشياء كنت أتمنى لو تعلمتها سابقًا!
olfa@aucegypt.edu
آراء حرة
نصائح "العواجيز"!
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق