كلنا في محطة ما في حياتنا نحتاج راوي عنا أو نحتاج من يتتبع خطواتنا فيجمع ما ننثره في لحظة نشوة أو لحظة انكسار ويأس، لا يٌهم من هو ذا! المٌهم أن تكون روحه أقوى من نفسه. وإذا ما كان مٌهم أن تكتب فالأكثر أهمية أن تجد من تُودع عنده ما كتبته.
تملكني الفضول
لأن أعرف من هو أكرمن ذلك، حينما وقعت عينايا في أحد الكٌتب على فعله، ربما لأنني وغيري نبحث في حياتنا عن ذاك الـ«إكرمن» وربما لأنني أرى أن حكايات الآخرين تلاشت رويدا رويدا رغم زخم أحداثها وتميزهم ومواهبهم الفذة فقط لأنه لم يكن في حياتهم واحد مثله، يُدون في آخر الليل ما يقولون.. «جيته» كان محظوظا ليس فقط بحكاياته ولكن بصديقه إكرمن.
أقول
نحن نحتاج أن نربي غلام موسى حتى وإن نسي "الحوت" فتلك ذلة مغفورة شريطة ألا ينسى ما يقوله "موسى"، أو أن نجد نحن موسى حتى وإن عارض الخضر في غريب التصرف، لكنه حتما سيحفظ القول في عقله، وسيحكي ما كان منه وما كان منا وسيروي عنا لنعيش أكثر.
أخاف
أحيانا وأقول لا يجب أن نُبقي منا شيئًا، علينا أن نحرق أثرنا، فإني أخاف أن تٌحرف أليزابيث ما كتبه «نيتشه»، وحينها لن أستطيع منعها فسأكون مشغولا في تشييع جسدي وفي جدالي مع الآخرين هناك.
لذا أستعير
وصية فرانز كافكا وأتمنى أن يخالفها "ماكس" مرة أخرى.
"عزيزي ماكس، طلبي الأخير: كل شيء سأتركه ورائي؛ اليوميات والمخطوطات والخطابات والرسوم وما إلى ذلك، يُحرق كله دون قراءته".
ماكس برود خالف وصية "كافكا" وأخشى أن لا يخالف وصيتي هذه المرة، فأنا لم أجد "ميلينا" حتى أٌحبها لذا ربما لا يجد "ماكس" الشغف في أن يحتفظ برسائلي.
لا مفر ّإذًا
سوى أن أترك كل شيء للصدفة، ألا أمزق ولا أحرق أوراقي، فقط أٌدسها بعيدا عن أيدي اللامبالاة والأطفال والنساء التي لا تحب "الكراكيب" وبائعي "السندوتشات"، ربما اكتشف أحد قصائدي كتلك الشقيقة العابرة لـغرفة إميلي ديكنسون، هل كان أحد يتخيل أن هناك في تلك الغرفة 1700 قصيدة لم تٌنشر.
دعك من الضجيج
فأنا لست ممن يٌعرفون حتى من حوله بنفسه، أنا من هؤلاء الذين يكتبون في الليل ويٌخفون ما كتبوا تحت الأسٍرة، يخافون من صدمة ألا يٌفهم ما كتبوا، يستاؤون من مزاح الأغبياء وفلسفة الجهلاء أنا كذلك الحارس الليلي هنري جوزف دارجر، الذي مات في عمر الثمانين، فأكتشف العالم وجوده بالصدفة، حينما دخل صاحب الغرفة التي استأجرها هنري دارجر لـ30 عامًا ليعثر على كنز أدبي.
في النهاية
تذكر جيدا أن سقراط لم يكتب مذكراته ولم يؤلف إلا كتابا واحدا أسماه "أفلاطون".