ربما فكرت الولايات المتحدة الأمريكية فى توريط الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» عسكريًا داخل المستنقع الأوكراني المكتظ بالأسلحة والنازيين الجدد، وبعض العصابات والمرتزقة، ثم إطلاق أسراب الطيور والحشرات الحاملة لفيروسات الحرب البيولوجية لتضرب بلاده، ولتدخل روسيا حربا طويلة، تستنزف قدراتها العسكرية والاقتصادية، وتسقط آلاف، وربما ملايين الضحايا الروس...
لا تستطيع استبعاد أكثر السيناريوهات بشاعة طالما الحديث يتعلق بخطط زعيمة حلف الناتو للاحتفاظ بمكانتها كقطب أوحد في هذا العالم.
قراءة تسلسل الأحداث منذ بدء التصعيد فى الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين وحتى ال٢٤ فبراير الماضى تاريخ بدء العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا؛ تقودنا إلى هذا التصور.
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أعلن بصراحة أن الصين عدو بلاده الأول وخاض ما يمكن وصفها بمعارك اقتصادية وتجارية طاحنة ضد العملاق الاقتصادي الجديد؛ وقبل أشهر وقَّعت الولايات المتحدة وبريطانيا اتفاقا مع أستراليا لتزويد الأخيرة بسفن حربية نووية تجعل منها رأس حربة فى الصراع مع الصين؛ وهو الاتفاق المعروف "بأيكوس".
احتمالات المواجهة العسكرية المباشرة بين "الكاوبوى الأمريكي" والتنِّين الصيني" باتت قائمة؛ غير أنها مستحيلة قبل القضاء على الدب الروسي العدو التقليدي لأمريكا.
أوكرانيا كانت المسرح الذي يتم إعداده منذ سنوات، وقد حانت اللحظة للقضاء على الدب الروسي بالقتل البطيء قبل أن تصبح الصين عملاقا عسكريا يصعب مواجهته؛ وفى سبيل ذلك قامت واشنطن بتسليح حكومة كييف الموالية لها بترسانة ضخمة من الأسلحة، كما عملت حكومة فلودومير زلنسكى على تجنيد المرتزقة والطلاب الأجانب حتى إن الخارجية السنغالية استدعت السفير الأوكرانى لتحتج على هذا السلوك الذي لم ينفه الدبلوماسى الأوكرانى.
كل ذلك بهدف صناعة حرب طويلة تستنزف قدرات الدب الروسي، الذى كان على ما يبدو سيصبح هدفا مباشرا لهجمات أسراب الطيور البرية والخفافيش والبراغيث وبعض القوارض الحاملة لفيروسات وأوبئة سلاح الحرب البيولوجية.
معامل أبحاث تطوير الحرب البيولوجيه والكيماوية التى كشفت بعض الوثائق تبعيتها لوزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بحسب بيانات وزارة الدفاع الروسية، وإفادة الدبلوماسية الأمريكية رفيعة المستوى " فيكتوريا نولاند" أمام أعضاء الكونجرس تشير إلى وجود تلك الاحتمالية بهدف إنهاك روسيا وإغراقها فى دوَّامة من الأوبئة القاتلة.
بعيدًا عن أساليب الدعاية السوداء والأكاذيب التى يبثها الإعلام الغربى، أدركت واشنطن وحلفاؤها فى العواصم الأوروبية بعد أيام من بدء العملية الروسية الخاصة فشل إستراتيجيتها لإدارة هذا الصراع الممتد إلى مياه بحر الصين الجنوبى؛ وفى المقابل نجاح إستراتيجية "فلاديمير بوتين" فى إدارة هذه الحرب وتحقيق أهدافها العسكرية والسياسية.
لذلك لجأت الولايات المتحدة وأتباعها فى لندن وباريس إلى فرض عقوبات اقتصادية على روسيا بشكل مسعور بحسب وصف وزير الخارجية الروسى "سيرجى لافروف"؛ كما لجأت إلى أسلوب إطلاق التصريحات العنترية من قبيل (عقوباتنا ستدمر روسيا) مثلما ورد غير مرة على لسان جوبايدن وبوريس جونسون.
واذا كان حظر استيراد النفط والغاز الروسي من الجانب الأمريكى يعد أشد أنواع العقوبات إلا أن قرار البيت الأبيض كان بمثابة عقوبة اقتصادية على حلفائه الأوروبيين بسبب قفزات أسعار الغاز والنفط.
وحتى إذا تمكنت أوروبا من تعويض الغاز الروسى والذى يفي ب٤٠% من احتياجاتها عبر مصادر أخرى إلا أنها ستظل تعانى ارتفاعا في أسعار الطاقة وعدم استقرار بسبب البعد الجغرافى لأغلب تلك المصادر، بالمقارنه مع روسيا، بخلاف ما سيفرضه ذاك الوضع من إعادة رسم وصياغة خارطة المصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية مع أطراف متعددة ستخلق التناقضات فيما بينها أوراق ضغط جديدة على السياسة الخارجية الأوروبية؛ فيما روسيا على الجانب الآخر ستستمر فى تصدير منتجاتها النفطية والغازية إلى حليفتها الصين حيث مصنع العالم وغيرها من الأسواق المتعطشة للطاقة.
سعار العقوبات الاقتصادية كان أسلوبا لحفظ ماء الوجه أكثر منه أداة لإجبار موسكو على وقف عمليتها العسكرية، وتأتي قصة الطائرات " الميج ٢٩" البولندية فى ذات السياق.
قصة نسج البيت الأبيض أحداثها، لتبدأ باقتراح بولندى لدعم حكومة زيلينسكى العميلة لواشنطن بطائرات " الميج٢٩" وعلى الفور أعلن البيت الأبيض ترحيبه ومباركته، ثم تعود بولندا وتطلب نقل هذه الطائرات إلى قاعدة عسكرية أمريكية فى ألمانيا لتقلع من هناك نحو القواعد العسكرية الأوكرانية لتشارك فى القتال ضد الطائرات الحربية الروسية.
هنا يأتى دور واشنطن مرة أخرى ليعلن البنتاجون رفضه هذا الاقتراح؛ لأن الروس سيفسرونه بكونه إعلان حرب.
وكأن الروس لم يتبنوا نفس التفسير حال انطلاق هذه الطائرات عبر الأجواء البولندية.
هذه القصة الساذجة مقدمة لعشرات القصص والسيناريوهات التى سيبدأ الإعلام الغربى فى ترويجها حفاظًا على ماء وجه واشنطن زعيمة حلف الناتو خاصة بعد الظهور الصينى القوى على مسرح الأحداث والذى سيقوم على ما يبدو بأدوار مهمة ومؤثرة فى هذا الصراع خلال الأيام والأسابيع المقبلة.