لطالما أثرت قصص المرأة صناعة السينما بموضوعات وقضايا عديدة عبرت عن همهن الجمعى فى مجتمع يقدس صورة الرجل المهيمن. هذه القضايا ربما تكون قديمة الأزل كموضوع للطرح في السينما المصرية والعربية بصفة عامة، ولكن بعد مرور عقود طويلة على إنتاج أعمال تحاول أن تكون صوتًا لمن لا صوت لهن، هل ما زالت تقدم السينما صورة واقعية صادقة تلامس قضاياهن وتطرح همومهن.. أم ما زالت ترسخ لنسق نمطي عتيق؟.
«حبال المودة».. صراع الواجب والعاطفة
أم مريضة أو حبيب ينتظر؟.. هذان الاختياران هما ما يشغلان بال بطلة الفيلم المغربى «حبال المودة» للمخرجة وجدان خاليد، والتي نتقرب من خلالها إلى الحالة الإنسانية التي تمزق «راضية» ما بين تطلعاتها العاطفية الجامحة وواجب العناية بأمها المشلولة، للإفصاح عن المشاعر والأحاسيس الداخلية التي تجعل كلا الخيارين مرًا.
اعتمدت «خاليد» على الاقتصاد في الحوار مفسحة المجال أمام جماليات الصورة وعلى قوة تعبير الشخصيات داخل الإطار البصري، عززها الأداء السلس لبطلة الفيلم التي نقلت إلينا كافة الأحاسيس والمشاعر بشكل مكثف دون أي انفعال زائد، كذلك توظيفها المرئي والصوتي المتمثل في قطرات صنبور المياه وضوء القنديل ورياح الفضاء الخارجي والطرق الترابية التي تسير فيها راضية ذهابا وإيابا، للتعبير عن عادية وفتور الحياة التي تعيشها بطلة الفيلم واستحالة الاختيار.
«راضية» فى الأخير هي شخصية إنسانية تسيطر عليها غرائزها الطبيعية كحالنا جميعًا؛ فعندما تصل إلى نقطة تعجز فيها عن كبت مشاعرها تجاه الجنس الآخر لا نستطيع أن نكرهها بل نجد أنفسنا في حالة تعاطف شديد مع محنتها ورغبتها في الحياة وحرصها أيضًا على الاعتناء بأمها، وفي النهاية يجد المشاهد نفسه مقحما ليصوغ نهاية تتلاءم وخلفيته الفكرية والعاطفية.
«بتول».. آفة التحرش الجنسى
في فيلم «بتول» للمخرج محمد زهران، نرى صورة أخرى من صور قهر المرأة وسط مجتمع يقدس التسلط الذكوري ويمارسه بكافة أشكاله سواء أكان لفظيا أو جسديا أو نفسيا.
فالجراح الأليمة التي اختبرتها بطلة الفيلم مع التحرش الجنسي حين كانت في سن صغيرة لم تندمل مع الوقت بل جعلتها تعيش حالة ارتياب تام وتشكك في الآخر وعدم ثقة في النفس حتى مع الأهل، الذين عجزوا عن حمايتها من أثار التحرش النفسية، لتدخل في مواجهة مباشرة مع المجتمع ترك المخرج نهايتها مفتوحة المجال أمامنا لمعرفة مصير البطلة، ورغم أن «حبال المودة» أفسح المجال للصورة على حساب الحوار، إلا أن «زهران» زخم شريطه القصير بجمل حوارية وداخلية كثيرة أفقدت الصورة بعض من خصوصيتها وجمالها، خاصة أن هذه التيمة باتت شائعة في العديد من الأعمال السينمائية ولا تحتاج إلى شرح تفصيلي حواري لكل ما تعانيه البطلة.
«أوضتين وصالة».. متتالية منزلية رتيبة
أحداث الفيلم المقتبسة عن قصة إبراهيم أصلان «حجرتان وصالة»، عبرت عن مخاوف الزوجة في حالة خسارة العائل «الزوج» بصورة مالت إلى الرتابة البصرية والحوارية في علاقتهما داخل منزل واحد. بنى مخرج الفيلم مينا ماهر حبكته على افتراض خاطئ من بطلة الفيلم التي اعتقدت أن الزوج توفى، لتبدأ في استعادة لحظاتهما الإنسانية التي جمعتهما معًا، إن البناء السردي الركيك هو ما يحكم هذا الشريط القصير، فحين تفيق الزوجة من تلك الحالة العاطفية تتذكر أن عليها طلب الطبيب لإنقاذ الزوج، لتفاجئ بأن الأخير لايزال على قيد الحياة.
«أن تصل متأخرًا».. درس فى فنون المباشرة
تحاول أن ترصد لنا ضحى حمدي في شريطها القصير على مدار 22 دقيقة، الضغوط النفسية التي تقع على كاهل فتاة عاملة صغيرة سواء من الأم التي تراقب كل تحركاتها وتصرفاتها دون إتاحة أي مجال للخصوصية، أو من نظرات الرجال التي تخترقها خلال رحلة وصولها لمنزل صديقها الذي تجد بعضًا من الراحة والاستقلالية في حضوره.
سبق وأن أشرنا إلى طول الجمل الحوارية المستخدمة من قبل صناع الأفلام للتعبير عن أزمة الشخصية أو مخاوفها وتطلعاتها وهو ما سارت أيضًا المخرجة على نهجه. ربما أرادت أن تبعث برسالة أن ليس كل ما يجمع شاب وفتاة تحت سقف منزل واحد يكون بالضرورة إثمًا.
لكنه اختارت أن تسرد القصة دون الاعتماد على أي خيال أو أي عمق يذكر على مستوى رسم الشخصيات وأبعاد أزمتها، ما خلق فيلما منقوص الخطوط على مستويات عدة، تعجز عن الوصول لمغزاه بعد نهايته الركيكة والمربكة.