الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لذا يا سيادة الرئيس لم ينجح في الامتحان إلا 111 «2-2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

إن ما عبّر عنه فخامة رئيس الجمهورية من آلام متعلقة بالتعليم في مصر، هو الأكثر إيلامًا على نفسي خلال الفترة الأخيرة (رغم أنف غلاء الأسعار والحرب الروسية على أوكرانيا).

 وقد كانت دعوة الرئيس التي وجَّهها إلى كل المصريين بضرورة الاستيقاظ والخوف على بلدهم وقوله: إن هذه القضية "كبيرة جدًا"؛ لهو وصف مناسب جدًّا لما يجري في بعض جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية من تخاذل يصل في أثره إلى حد يشبه خيانة الوطن.
في هذا الصدد أحب أن أقول كلمتي، وبكل صراحة، يا سيادة الرئيس النتائج ليست جيدة، (ونفهم إشارتكم إلى أن هذا التعبير مخفّف جدًا)؛ لأن الغش أصبح سيد الموقف في معظم الحالات كما قلنا في مقالنا السابق، وأيضًا للأسباب الآتية:
- أن بعض الأساتذة أصبحوا يعطون الدرجات لغير المستحقين شفَقة على الوالدين الذين ينفقون على هؤلاء الأبناء أو خشية دعائهم عليهم!!!!
- أن بعض الأساتذة تحوّلوا إلى مرتزقة، يكيلون الدرجات كيلًا للطلاب حتى يلتحقوا بالتخصص الدراسي الذي ينتمون إليه، فعدد أكبر من الطلاب يعني دخلا أوفر وتحصيلا أكبر من عوائد الكتب.
- أن بعض الأساتذة أصبحوا يكيلون الدرجات مجاملة لآخرين، أو تزلفًا إلى الطلاب (لا سيما الطالبات من نوعية معينة) لأغراض شخصية، ولا عزاء للعِلم أو لتقدم وازدهار المجتمع.
- أن بعض الأساتذة باتوا يعطون الدرجات لمن يدفع بأي وسيلة للدفع (حسب النوع والعمر والجنسية).
- أن بعض الأساتذة أصبحوا يكيلون الدرجات خشية اتهامهم بالفشل في التدريس.
- أن بعض الأساتذة شغلوا أنفسهم عن مهامهم العلمية بمَن يصاحب مَن، ومَن أحلى مِن الأخرى؟ ومَن قال كذا وكذا؟ في حين يدّعون كذبًا وافتراء في كل مناسبة أنهم أوصياء على العِلم لا يفرّطون فيه.
- أن بعض الأساتذة باتوا يعطون الدرجات العلمية وبأعلى التقديرات مجاملة لزملائهم المشرفين عليها، ومن قراءة سريعة تلاحظ أن 100% تقريبًا من الحاصلين على درجات الماجستير والدكتوراه يأخذون تقدير ممتاز، وهذا يتنافى مع التفاوت الطبيعي بين البشر وبعضهم البعض.
- أن البقية الباقية من الأساتذة المخلصين الذين يعرفون الحق، ويقدّرون العلم يخشون أن يُتهموا هم في إخلاصهم، ووفائهم لمهنتهم في حال انخفضت نسبة النجاح أو أن يتعرضوا للابتزاز نتيجة تكرار شكوى الطالب الراسب. فالأستاذ الملتزم الذي يأخذ الأمر على محمل الجد يسعى الطلاب للتخلص منه واللجوء إلى أستاذ آخر سهل يعطيهم ما يحتاجون إليه.
- ولأن البقية من الأساتذة المخلصين الذين يعرفون الحق، ويقدّرون العلم يخشون مطاردة لجان التحقيق الإدارية التي يهددونهم بها.
يا سيادة الرئيس، إن معايير الجودة باتت مغلوطة وشكلية، وبات الكثيرون يجيدون خداعها، فيحصلون على الاعتماد الأكاديمي دون وجه حق. 
يا سيادة الرئيس الكل يعترف بذلك لكنهم يرون أنه من العيب أن نصرّح به، فموازين العيب قد تغيّرت لديهم.
المشكلة يا سيادة الرئيس ليست في كون الخريجين من كليات نظرية فقط بل وفي كون عدد كبير من هؤلاء الخريجين لا يجيدون حتى الكتابة باللغة العربية فهم لا يعرفون الإملاء. 
الأمر يستحق تحقيقًا واسع المدى في مؤسسات التعليم حول آليات التعليم والتقييم ولماذا تمنح الجامعات كل تلك الدرجات العلمية لخريجين غير مستحقين ليصبحوا عبئا على الدولة، ويطالبون بالتعيين في مرافقها بينما هم غير مستحقين لتلك الدرجات.
كيف يمكن إعادة صياغة الشخصية المصرية من خلال التعليم يا سيادة الرئيس وبعض الأساتذة يقررون على الطالب 20 صفحة فقط ولا تقل الدرجات التي يعطونها للطلاب عن 90 أو 80%. فكيف بالله عليكم يتعلم هذا الطالب، ولمصلحة من تتم خيانة الأمانة على هذا النحو، وأين التفاوت الطبيعي في نسبة الاستيعاب والتحصيل؟
المصيبة أن الأمر لا يقف عند حد البكالريوس أو الليسانس بل أصبح يتعداه إلى الحاصلين على درجات الماجستير والدكتوراه الذين إن أعدنا اختبارهم سنجد نفس المصيبة بين صفوفهم فأغلبهم لا يعرف مناهج البحث في تخصصه، فكيف حصل على الدرجة؟ يا سيادة الرئيس الأمر أصبح كارثيًّا إلى حد الحاجة إلى تدخلكم شخصيًّا ككل كوارث مصر التي تدخلتم لمواجهتها. فبيع الشهادات لم يعد يحدث عبر الإنترنت فقط بل وفي الجامعات أيضًا بأساليب ملتوية لإعطاء الأمر شكلًا قانونيًّا.
نعم، إن التخاذل وتجاوز الأخلاقيات الجامعية المختلفة ينتج عنه كارثة تضر بأمن البلاد، فحملة الشهادات لا يعرفون عن تخصصاتهم إلا أقل القليل، وفي نفس الوقت يطالبون بتوفير وظائف، هذه الوظائف إن توفرت لهم لا يتقنون أعمالهم فيها فخبراتهم وإمكانياتهم أقل من المسئولية التي تلقى عليهم، مما يترتب عليه الإضرار بمؤسسات الدولة ومزيد من الإضعاف للفكر والثقافة، وهذا بالضبط هو المناخ الملائم لنمو وانتشار الفكر المتطرف والإرهاب الذي تسعى الدولة المصرية لمواجهته بكل قوتها.. فهل من مستجيب لدعوة الرئيس بالنظر في هذه القضية الخطيرة؟