أقامت اللجنة المُمَثلة لزملاء واعضاء الكلية الملكية لاطباء النساء والتوليد في مصر، والتي يترأسها الاستاذ الدكتور حسن سلام (جامعة الاسكندرية)، واللجنة التي تُمثل الاطباء المصريين العاملين في انجلترا، ويترأسها الدكتور محمد عبد الفتاح (جامعة ابردين في اسكتلندا) مؤتمرها العاشر بالقاهرة أيام ٩-١٠ مارس ٢٠٢٢، وأقامت كذلك احتفالًا بمناسبة اليوم العالمي للمرأة يوم الثلاثاء الموافق ٨ مارس.
شارك في الاحتفالية والمؤتمر عدد كبير من اطباء النساء والتوليد من الجامعات ووزارة الصحة المصرية، وعدد كبير من الشخصيات الهامه من المنظمات الدولية العاملة في مصر، ومن منظمات حقوق الانسان ومن المهتمين بصحة المرأة. شارك في المؤتمر كذلك رئيس الكلية الملكية ونوابه الثلاث، وهي المرة الأولي التي تشارك فيها الكلية بالرئيس ونوابه في أي احتفالية تقام خارج المملكة المتحدة.
في اليوم العالمي للمرأة، نظمت الكلية الملكية ثلاث جلسات علمية بالاضافة إلى الجلسة الافتتاحية التي تحدثت فيها السفيرة مشيرة خطاب، رئيس المجلس المصري لحقوق الإنسان، وممثلو المنظمات الدولية الفاعلة في مصر (الأمم المتحدة والصحة العالمية واليونيسيف والإغاثة الدولية)، وممثلون عن مجلسي النواب والشوري. ضمت الجلسة الافتتاحية محاضرتين، الأولى عن ختان الإناث، والثانية عن رؤية الدين الإسلامي في حماية صحة المرأة والطفل وقت الأزمات.
ألقى المحاضرتين اثنان من أعظم أساتذة النساء والتوليد، الذين تولوا رئاسة المنظمة الدولية للنساء والتوليد، وهما الدكتور محمود فتح الله (عميد طب أسيوط الأسبق) والدكتور جمال أبو السرور (عميد طب الأزهر الاسبق). الجلسات العلمية الثلاث، أخذت شكل الحوار متعدد الأطراف، أدار الجلسة الأولى الدكتور والإعلامي إبراهيم الكرداني، عن صحة المرأة وقت الأزمات والكوارث، والثانية، تشرفت بإدارتها عن منع ختان الإناث، والثالثة أدارها الدكتور عمرو النوري عن الارتفاع المضطرد في معدلات الولادة القيصرية في مصر.
شهدت الجلسات مناقشات موسعة بمشاركة عدد كبير من الخبراء المصريين والدوليين في مجالات متشعبة تختص بصحة المرأة والطفل. ناقش المتحاورون أمورا متعددة (صحية وقانونية واجتماعية واقتصادية ونفسية ودينية) تتعلق بصحة المرأة وحماية حقوقها، خاصة في أوقات الأزمات والكوارث، والتي عادة ماتدفع المرأة والطفل تبعاتها وتعاني من ويلاتها.
وفي افتتاح أعمال المؤتمر، قدم الدكتور حسن سلام، وهو مثقف موسوعي، ومغرم بالتاريخ والحضارة المصرية، عرضا مبهرا عن تطور العلوم والطب عبر العصور، منذ بداية الحضارة الإنسانية على ضفاف نهر النيل، وإلى اليوم.
تناول ممارسة مهنة التوليد عند قدماء المصريين، وأول امرأة تتخصص في أمراض النساء، وتطور العلوم والمعارف في الحقبة اليونانية والرومانية مع مجيء فلاسفة وعلماء اليونان للدراسة في مدينة الاسكندرية، ثم دور العلماء العرب في تطوير وتحديث العلوم، وصولا إلى عصر النهضة في أوروبا.
ثم عرض تاريخ الطب في العصر الحديث، منذ عهد محمد علي باشا، الذي استقدم الطبيب الفرنسي (كلوت بك) لإنشاء مدرسة الطب في أبي زعبل سنة ١٨٢٧، ثم انتقال الدراسة إلى قصر العيني ونشأة جامعة القاهرة، ثم الإسكندرية ثم عين شمس، في أثناء حكم أحفاد محمد علي باشا. وبعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، تم إنشاء جامعة أسيوط ثم المنصورة وطنطا، ثم باقي الجامعات المصرية، وأخيرا إنشاء الجامعات الدولية وأفرعها في العاصمة الإدارية الجديدة.
التقليد الجديد الذي أدخله الدكتور سلام وزملاؤه في هذا المؤتمر، هو تسمية المحاضرات بأسماء علماء من مصر شاركوا في وضع الأساس العلمي للممارسات الطبية الصحيحة، منذ فجر التاريخ وحتى اليوم. فهذه محاضرة "أمحوتب" يلقيها الدكتور محمد أبو الغار عن الذكاء الاصطناعي. (أمحوتب هو باني هرم زوسر المدرج وهو أول مهندس معماري، وأول طبيب، وأحد أشهر المهندسين في مصر القديمة، وأصبح إله الطب بعد وفاته).
وهذه محاضرة "سورانوس" أعظم الأطباء في الحقبة اليونانية يلقيها رئيس الكلية الملكية، وهذه محاضرة "أبو القاسم الزهراوي" المعروف في باسم Abulcasis، (طبيب عربي عاش في الأندلس، يعد من أعظم الجراحين ووصفه الكثيرون بأنه (أبو الجراحة الحديثة)، يلقيها الدكتور جمال أبو السرور. ومحاضرة "نجيب محفوظ باشا" مؤسس قسم النساء والتوليد بقصر العيني، وأول مصري يحصل على العضوية الفخرية للكلية الملكية البريطانية للنساء والتوليد، يلقيها نائب رئيس الكلية الملكية. ومحاضرة "علي باشا ابراهيم" الجراح الفذ، الذي تولى عمادة قصر العيني ووزارة الصحة المصرية، تلقيها النائب الأول لرئيس الكلية الملكية (سيدة من أصل هندي). وبذكاء شديد وضعت الدكتورة (راني ثاكر) صورة للست "مبروكة" والدة الدكتور علي باشا ابراهيم، التي هربته من الإسكندرية لكي يستكمل دراسته في القاهرة، رغم عدم رغبة والده، وأهدت المحاضرة إليها في يوم المرأة العالمي.
أما النشاط الاجتماعي والثقافي الذي نظمته اللجنة المنظمة على هامش أعمال المؤتمر فكان مزيجًا من المتعة والثقافة والفن والجمال. فهذا عشاء في النادي الملكي للسيارات، ويشارك فيه (بمحض الصدفة) آخر ملوك مصر (أحمد فؤاد ابن الملك فاروق)، ونقوم بأخذ صور تذكارية معه، فيكون تعليق الحضور من الأجانب، "عودة الاسرة الملكية إلى مصر، بعد انتهاء عصر الملكية، هو قمة التسامح والرقي للحكومة المصرية والشعب المصري". وهذا عشاء في الهواء الطلق داخل فندق مقام علي جزيرة وسط نهر النيل الخالد، فيكون تعليق الحضور" هذا الجمال لنهر النيل لايوجد له مثيل في العالم، من حق مصر الحفاظ علي هذا النهر العظيم".
بحق، لقد كان المؤتمر وجبة متكاملة، امتزج فيها العلم مع الثقافة، وعبق التاريخ مع جمال الجغرافيا، ومتعة الفن مع جمال الصحبة، وقبل كل ذلك كانت متعة الاستماع إلى حكايات وافشات وخفة دم أستاذنا الإسكندراني، الدكتور حسن سلام. شكرا لحضرتك ولكل من ساهم في إنجاح هذا المؤتمر، وسط هذا المناخ الرائع، شكرا لكم جميعا.