ألقت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي ومحافظ مصر لدى البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، كلمة أمام مجلس المحافظين، بمقر البنك بالعاصمة الإنجليزية لندن، وذلك بعد أيام من إقرار الاستراتيجية القطرية المشتركة بين مصر والبنك للفترة من 2022-2027، في إطار العلاقات الوطيدة على مستوى التعاون الإنمائي.
يأتي اللقاء ضمن فعاليات الزيارة التي تقوم بها وزيرة التعاون الدولي، للمملكة المتحدة للقاء مجالس إدارات عدد من مؤسسات التمويل الدولية وشركاء التنمية، وعقد مباحثات مع مسئولي المؤسسات البريطانية التنموية، لتوطيد العلاقات الاقتصادية مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين.
في بداية حديثها أجابت وزيرة التعاون الدولي، على استفسارات حول رؤيتها للأزمة الروسية الأوكرانية وتداعياتها على الدول الناشئة فضلا عن التحديات الاقتصادية الأخرى، حيث أكدت الدكتورة رانيا المشاط، أن هذه الأزمة لا تقتصر آثارها على دولتي روسيا وأوكرانيا فقط لكن تتعداهم إلى كافة الأسواق النامية والناشئة، وتجعل التمويلات المتاحة على مستوى العالم أقل مقارنة بالفترة الماضية.
وأشارت "المشاط"، إلى أن المجتمع الدولي استخدم مع بداية جائحة كورونا الأدوات المالية والنقدية لتجاوز تداعياتها، والآن بات من الضروري توحيد جهوده وإطلاق طاقات العمل المشترك لتلافي الآثار المباشرة وغير المباشرة للتحديات الحالية، لاسيما فيما يتعلق بارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأولية مثل الغذاء، مضيفة أن ما يواجهه العالم من تحديات يؤثر على كافة جهود التنمية ومن بينها الاستثمارات التي يقوم بها القطاع الخاص لذا لابد من جهد مضاعف من قبل مؤسسات التمويل الدولية لتشجيع استثمارات القطاع الخاص .
وذكرت وزيرة التعاون الدولي، أن مصر تستعد لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP27، بطموحات كبيرة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر واستراتيجية وطنية للعمل المناخي 2050 وأخرى قطاعية على مستوى الطاقة المستدامة وغيرها، مشيرة إلى أهمية التعاون مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لاسيما من خلال الاستراتيجية الجديدة التي تتضمن محورًا أساسيًا عن العمل المناخي والتحول الأخضر.
كما انتقلت "المشاط"، للحديث حو استعداد مصر لإطلاق قائمة من مشروعات التكيف والتخفيف من تداعيات التغيرات المناخية في إطار الاستراتيجية الوطنية للعمل المناخي 2050، ودعت البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والدول الأعضاء في البنك لتعزيز العمل المشترك لتمويل هذه المشروعات في إطار الاستراتيجية القطرية المشتركة، لافتًا إلى أن وزارة التعاون الدولي تعمل على محورين رئيسيين في إطار استضافة مصر لقمة المناخ أولها حشد التمويل لمشروعات التكيف والتخفيف من تداعيات التغيرات المناخية، وثانيها دفع العمل المشترك مع شركاء التنمية لوضع إطار دولي للتمويل المبتكر للعمل المناخي.
وخلال اللقاء أشاد مسئولو البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، بما أنجزته مصر من إصلاحات هيكلية طموحة في قطاع الطاقة وغيره، واعتبرو هذه الإصلاحات نموذجًا يجب أن تحتذي به الدول النامية والناشئة الأخرى الهادفة للمضي قدمًا نحو اللحاق بركب التنمية.
ومؤخرًا أطلقت مصر والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية الاستراتيجية القطرية المشتركة بين جمهورية مصر العربية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية للفترة من 2022-2027، خلال حفل بالقاهرة حضره عدد كبير من الوزراء وشركاء التنمية، كما تم توقيع مذكرتي تفاهم في مجال السياحة والهيدروجين منخفض الكربون، واتفاقية لتنفيذ مترو أبو قير بقيمة 250 مليون يورو.
محاور برنامج الإصلاح الاقتصادي
واستعرضت وزيرة التعاون الدولي، التحول الاقتصادي الذي يحدث في مصر على مدار السبع سنوات الماضية، موضحة أن جمهورية مصر العربية شرعت في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي طموح في عام 2016، تبعه برنامج إصلاح هيكلي، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، بما انعكس على مؤشرات الاقتصاد الكلي والسياسات النقدية والمالية، كما تنفذ مصر مع مجموعة البنك الدولي برنامج تمويل سياسات التنمية لتعزيز الإصلاحات الهيكلية وتنفيذ رؤية مصر لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
وأشارت "المشاط"، إلى برنامج الحكومة المصرية "مصر تنطلق" 2018\2022، والذي يتضمن خمسة أهداف استراتيجية تتمثل في حماية الأمن القومي وسياسة مصر الخارجية، وبناء الإنسان المصري، والتنمية الاقتصادية ورفع كفاءة الأداء الحكومي، والنهوض بمستويات التشغيل، وتحسين مستوى معيشة المواطن المصري، موضحة أنه أنه في إطار استكمال البرنامج الاقتصادي الناجح الذي تم تنفيذه، أطلقت الحكومة، في أبريل 2021، البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية دبهدف تحويل مسار الاقتصاد المصري إلى اقتصاد إنتاجي يتمتع بمزايا تنافسية، مع تحسين بيئة الأعمال وتعزيز دور القطاع الخاص.
المواطن في قلب جهود التنمية
وأوضحت أن مصر تركز على تعزيز نمو اقتصادي شامل محوره المواطن، وهو ما يأتي في قلب كافة الاستراتيجيات التي يتم تنفيذها مع شركاء التنمية ومن بينها الاستراتيجية القطرية المشتركة مع البنك الأوروبي لإعادة والتنمية 2022-2027، مشيرة إلى أنه في هذا الإطار تعمل الدولة على تنفيذ المبادرة الرئاسية للتنمية المتكاملة "حياة كريمة" التي تعمل على تنفيذ كافة أهداف التنمية المستدامة في نحو 4500 قرية في الريف المصري من خلال تطوير البنية التحتية والاستثمار في رأس المال البشري بمشاركة فعالة من كافة الأطراف ذات الصلة من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني وشركاء التنمية.
وأشارت في هذا الصدد إلى أهمية توجه البنك لفتح مكاتب إقليمية في المحافظات، والبدء بمحافظتي الإسكندرية والإسماعيلية، وسعيه للتوسع قريبًا في أسيوط وأسوان بما يعزز التكامل في جهود التنمية في كافة المحافظات، لاسيما وأن مصر تعد من أكبر دول العمليات بالبنك والأكبر على مستوى منطقة جنوب وشرق المتوسط على مدار الأربع سنوات الماضية.
وذكرت أن الحكومة المصرية تضع تمكين المرأة في قلب الجهود التنموية، حيث لا يتصور تحقيق تنمية شاملة ومستدامة بدون مشاركة فعالة من المرأة، وفي هذا الإطار فقد أطلقت وزارة التعاون الدولي مسرع سد الفجوة بين الجنسين بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي والمجلس القومي للمرأة وشركات القطاع الخاص، لتعزيز تكافؤ الفرص بين الجنسين في سوق العمل.
التحول الأخضر
ولفتت "المشاط"، إلى جهود الدولة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر ومكافحة التغيرات المناخية، حيث تشير التقديرات إلى أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للفرد انخفضت من 2.59 طنًا متريًا للفرد في عام 2017 إلى 2.46 طنًا متريًا وذلك بفضل المشروعات المنفذة لمعالجة تلوث الهواء ومشروعات التكيف والتخفيف من تداعيات التغيرات المناخية.
كما أشارت إلى تنفيذ خطط وجهود واضحة للتحول الأخضر من بينها استراتيجية الطاقة المستدامة 2035، التي تتضمن زيادة تنوع مزيج الطاقة وزيادة نسبة الطاقة الجديدة والمتجددة لتشكل 42% من الكهرباء بحلول عام 2035، كما أطلقت الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، مشيرة إلى استضافة مصر مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ نهاية العام الجاري وأهمية العمل المشترك مع البنك وشركاء التنمية لتعزيز الاستعدادات للمؤتمر الهام.
القطاع الخاص
وشددت على أن الحكومة تعتبر القطاع الخاص شريكًا رئيسيًا ومحركًا لجهود التنمية وتحقيق النمو الشامل والمستدام، لذا تعمل على تطبيق التحول الرقمي والتكنولوجيا لزيادة تنافسية الاقتصاد المصري وجلب الخبرات المبتكرة وتعزيز الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص.
ولفتت إلى تشخيص القطاع الخاص القطري التي تم إطلاقها خلال عام 2020 مع مؤسسة التمويل الدولية والتي أظهرت أن برنامج الإصلاح الاقتصادي أدى إلى تحسين استقرار الاقتصاد الكلي وتعزيز الثقة في الوضع الاقتصادي.
كما أكدت على الدور الذي تقوم به وزارة التعاون الدولي، لخلق شراكات ناجحة بين مؤسسات التمويل الدولية والقطاع الخاص وتعزيز الشراكة الثلاثية بين القطاع الخاص والقطاع الحكومي وشركاء التنمية، حيث حصل القطاع الخاص على نحو 5 مليارات دولار تمويلات تنموية على مدار عامي 2020 و2021، موضحة أن نشاط القطاع الخاص عزز التكامل الإقليمي بين مصر وقارة أفريقيا في ظل موقعها المتميزة وقدرتها على العمل كبوابة لقارة أفريقيا لتعزيز عملية التبادل التجاري وتعزيز الاستثمارات وتبادل الخبرات والمعرفة والتجارب.
ريادة الاعمال والشركات الناشئة
وانتقلت للحديث حول جهود تعزيز بيئة ريادة الأعمال والشركات الناشئة، والتي من بينها الدور الذي تقوم به شركة مصر لريادة الأعمال والاستثمار، أول شركة رأسمال مخاطر باستثمارات حكومية، والتي يسهم البنك الأوروبي في دعم مسرعات الأعمال التابعة لها، حيث ضخت الشركة استثمارات مباشرة وغير مباشرة خلال عام 2021 بنحو 92 مليون جنيه، لتعزيز بيئة ريادة الأعمال والشركات الناشئة في مصر، لترتفع إجمالي الاستثمارات منذ تأسيس الشركة عام ٢٠١٧ نحو 334 مليون جنيه، منها 184 مليون جنيه استثمارات مباشرة و 150 مليون جنيه استثمارات غير مباشرة، في أكثر من 175 شركة ومسرعة أعمال، مشيرة إلى أن كل دولار تم استثماره من خلال الشركة تم ضخ 4 دولارات من الاستثمارات الأجنبية والخاصة. كما أوضحت أن المحفظة الجارية لوزارة التعاون الدولي في مجال دعم الابتكار والشركات الناشئة تبلغ نحو مليار دولار.
جدير بالذكر أن العلاقة بين جمهورية مصر العربية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية تعود إلى عام 1991، ويعمل التعاون المشترك مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يعمل على تسريع وتيرة تحقيق رؤية التنمية الوطنية التي تتسق مع الأهداف الأممية للتنمية المستدامة. على مدار أعوام 2018، 2019، 2020، و2021 كانت مصر أكبر دولة عمليات بالبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في منطقة جنوب وشرق المتوسط، وتبلغ إجمالي استثمارات البنك منذ بداية عملياته في عام 2012 نحو 8.6 مليارات يورو في 145 مشروعًا على مستوى الدولة، منها 76% لتمويل القطاع الخاص و24% للقطاع الحكومي.