الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لهذا يا سيادة الرئيس لم ينجح في الامتحان إلا 111

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ببراءة الأطفال كانت تصدح أصواتنا كل صباح ونحن أعضاء فريق الإذاعة المدرسية بحكمة الصباح أو حكمة اليوم، وأذكر أنني كنت أتولى هذه الفقرة القصيرة في بعض الأيام بالإضافة إلى الكلمة الطويلة التي كان أستاذنا المشرف على الإذاعة يرشحني لها دائما لما يراه في من القدرة على القراءة السليمة.
الشاهد أنه كان من بين ما تسرده الإذاعة المدرسية ونشأنا عليه أنه من غشنا ليس منا. وسمعنا من حكماء القوم في أهلينا أنه "من آمنك لا تخونه ولو كنت خاين". والمعنى أنه لا يجوز لك أبدا أن تخون أحدا إئتمنك على أمر ما حتى لو كانت الخيانة طبعا فيك.
كبرنا على تلك المبادئ والتحقنا بالجامعة وكنا فيها طلابا ندرس ونتعلم نقصر أحيانا ونجتهد أحيانا لكننا لم نكن أبدا نغش أساتذتنا. وأذكر أنني قدمت بحثا مشتركا مع أحد زملائي ضمن أحد المقررات التي كنا ندرسها فأشاد الدكتور بما قدمناه إلا أنه لفتت انتباهه لفظة مكتوبة بالفصحى وهي كلمة صحيحة تماما فبدلا من أن يكمل الثناء علينا إذ أننا علاوة على اجتهادنا نتقن لغتنا الأم بل فوجئنا به يتهمنا بأننا "نقشنا" تلك الكلمة من هنا أو هناك (يقصد أننا نقلناها من إحدى الدراسات وأنها لم تكن لتخطر على بالنا) والحقيقة كانت غير ذلك.
تروعني تلك الأفكار للأسف مرتين كل عام أثناء فترة الامتحانات في الجامعة في نهاية كل فصل دراسي حيث يكاد أن يسميه البعض موسم الغش، فالمار من أمام الجامعة في هذا التوقيت يلاحظ كما هائلا من أوراق الغش (البرشام) التي يصطحبها الطلاب إلى داخل اللجان.
العجيب أن أغلب طلاب اليوم لم يعد لديهم حتى القدرة على كتابة هذا البرشام بأنفسهم بل يشترونه جاهزا من المكتبات المحيطة بالجامعة. مطبوعا على أوراق مصغرة أصغر من كف اليد. ولا أعرف كيف يمكن للعين أن تقرأ تلك الحروف الصغيرة جدا. وأظن أن هذا هو ما يجعل الطالب الغشاش يكتب أحيانا كلاما غير متسق في معناه فقد يفقد كلمة أو سطرا بين السطور أثناء نقله الإجابة من تلك الأوراق.
الأغرب هو استحلال نسبة كبيرة من المجتمع لهذا الفعل الشنيع والذي يضمن وببساطة شديدة دمار الوطن واندثار ثقافته وهويته حال استمرار هذا الوضع لعدة عقود من الزمان. الأدهى أن البعض يفسر هذا السلوك الشائن من باب فعل الخير ومساعدة الآخرين حتى أن المراقب المدقق الذي يمنع الغش قد يواجه بدعوات من قبيل "ربنا ينتقم منه زي ما نكد علينا" أو "منه لله" أو بدعوات من قبيل (بحبحها ربنا يفتحها في وشك) ولا تخلو دعوة منها من اسم الله أو الرب. 
وهالني مؤخرا تلك الأستاذة التي اعتدى عليها أهالي الطلاب لأنها منعت الغش في الشهادة الإعدادية في إحدى مدارس الدقهلية لدرجة أنها خرجت في حماية البوليس وقد طالها من الأذى ما طالها. كيف يحدث هذا تحت سمع وبصر من المسئولين وعلى هذا النحو؟ 
نسي هؤلاء أنه ما بني على باطل فهو باطل بالحصول على الشهادة العلمية بطريق الغش قد لا يحل له أن يكتسب مالا من وراء تلك الشهادة فلو حصل على فرصة في التعيين مثلا بتلك الشهادة فإن دخله من وراء ذلك العمل قد يكون حراما فما بني على باطل فهو باطل. 
نسي هؤلاء الغشاشين أو من يعينهم على ذلك أيضا مقولة النبي محمد فيما معناه أنه من غش فليس مني. أذكر أنا تلك المقولة كل مرة وأتساءل هل من غشنا ليس منا؟ لكن الإجابة للاسف لا. فمن غشنا هو منا ومنا ومنا.
وعلى الرغم من الفعل الشائن الذي من المفترض أن يندى له جبين الشخص الذي يقع فيه نجد مشاهد عجيبة من داخل قاعات الامتحان انقلها لحضراتكم في عجالة:
أحد الطلاب جالس على الكتاب داخل لجنة الامتحان وحين لاحظه المراقب وهدده بعمل محضر استنكر الطالب ذلك وبصفاقة شديدة بحجة أنه لم يفتح الكتاب ولم يستفد منه.
ثان ضبطه المراقب وقد وضع قصاصة غش في كل ثنية من ثنايا ملابسه وكأنه يتسلح بالعدة والعتاد في معركة مصيرية.
الكارثة أن طالبة بإحدى الجامعات تحصل على المركز الثاني على دفعتها لثلاثة أعوام متتالية على الرغم من ضبطها متلبسة بالغش في أغلب المقررات لكن يعفو المسؤولون عنها لأنها تتباكى لهم في كل مرة يتم ضبطها والله أعلم بالمرات الأخرى "اللي بتيجي معاها سليمة".
شاع هذا الأمر إلى حد أن كثيرا من المراقبين باتوا يستسلمون للأمر الواقع ويتركون المجال للطلاب للغش كيفما يشاؤون. وهؤلاء يسهمون بيأسهم في تدمير الوطن مثلهم في ذلك مثل الإرهاب فهما يشتركان في كونهما عدو خفي للدولة يسعى إلى تدميرها.
ومظاهر الغش للأسف لا تقف في بلادنا عند هذا الحد. فالمجتمع الذي يقبل أن يحصل أبناءه على شهاداتهم بالغش سيمتلئ بلا شك بهؤلاء الذين يسري الغش في عروقهم. وهؤلاء هم الذين يقودون عمليات تخريب أي محاولة للإصلاح. فقد أنتج الغش للمجتمع في معظم الأحوال تاجر غشاش وأستاذ غشاش وطبيب غشاش ومهندس غشاش وهكذا يتعرض المجتمع للخراب.
لهذا يا سيادة الرئيس لم ينجح في الامتحان إلا 111.