بمقاربة بسيطة لطبيعة الوضع في اليمن، يمكن اكتشاف الفوارق الواقعية في المنظومة المتكاملة بالمناطق المحررة، سواء على مستوى الحالة الأمنية، أو النمو الاقتصادي، وانتعاش الخدمات، على الرغم من محدودية الدور الحكومي المتطلب؛ غير أن اتباع بعض القوى مبدأ التنافسية وتطبيقها مفهوم المسؤولية ساعدها في تقديم نموذج موضوعي على الأرض والجغرافيا.
لا تنسى الذاكرة الجمعية لليمنيين الحال الذي آلت إليه البلاد وما نتج عنه من ازمات مستفحلة ومسارات متعرجة اختلفت باختلاف سياسات وأجندة القوى العاملة على الأرض، وكان الهم الشاغل للناس هو الخروج من مأزق النزاع أو على الأقل التخفيف من وطأته وآثاره من خلال العثور عن متسعٍ من الأمان للاستراحة من عناء الحرب، وهنا كانت المسؤولية تقع على عاتق القوى المسيطرة لتحقيق ذلك وهو ما مثل ولا يزال تحديا كبيرا إذا البلاد لاتزال تعيش تحت وطأة حرب طاحنة ولا وجود لسلطات حاكمة حقيقية.
ما عدا المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية في الساحل الغربي، ظلت القوى اليمنية الأخرى رهينة الإخفاق المتكرر كنتيجة موضوعية لغياب الرؤية الناضجة في مشاريعها السياسية، ورجحت الكفة في هذه المُنافسة لصالح المجلس الانتقالي والمكتب السياسي، والأمر هنا ليس تفسيرًا انطوائيًا أو متحيزًا إنما واقعٌ له أدلته وبراهينه.
من البديهي التذكير بأن المجلس الانتقالي الجنوبي يكتسب زخمه الكبير في المناطق التي يسيطر عليها جنوبًا، وهنالك أيضًا يتحمل مسؤولياته، مدينة عدن بدرجة رئيسية ثم المحافظات الجنوبية الأخرى التي تنتشر فيها قواته، في حين أن مسؤوليات المقاومة الوطنية تتركز في الساحل الغربي، ومدينة المخا على وجه الخصوص، فما هو التقييم المنطقي للأوضاع في هذه المناطق؟!.
بصرف النظر عن ذلك الضخ الصادر عن الآلة الدعائية للخصوم السياسيين للانتقالي والمقاومة الوطنية، لا يمكن إغفال حقائق الأمور في الجغرافيا المحررة، وعند قياس الفروقات هنا وهناك، تنبعث أسباب وجيهة للتساؤل، والسبب الأكثر وجاهةً للبناء عليه، هو أن هاتين القوتين تشعران بوجوب المسؤولية.
تعيش مدينة عدن استقرار ملحوظا على مستوى الخدمات العامة وعمل المؤسسات الحكومية، وثمة نشاط ملموس على الصعيد التنموي، عوضًا عن ازدهار الأنشطة التجارية وتطور المنظومة التعليمية، على الرغم من قصور الدور الحكومي، وغالبًا ما يجد المجلس الانتقالي نفسه أمام أعباء كبيرة؛ لكنه يتعامل معها في نطاق المسؤوليات الملقاة على عاتقه.
ذاته الأمر يحدث في الساحل الغربي، حيث تعتبر المقاومة الوطنية نفسها مسؤولة عن تطويع أي تعقيد وإعادة بناء الحياة مجددا، ولو أن الأمر في هذه الظروف يحتم على الحكومة أن تضطلع بدورها لتضع الحلول هي لا غيرها، إلا أن غياب الدور الحكومي حتّم على القوى اليمنية ضرورة القيام بمسؤولياتها، ووحدهما، المقاومة الوطنية والمجلس الانتقالي بادرا إلى تبني تحقيق الاستقرار في مناطقهما، في حين غفلت الأطراف الأخرى عن هكذا مسؤوليات.
من البديهي دائما، أن أي استقرار على أي صعيد ينبغي أن يستند على الاستقرار الأمني، وعادةً ما تنتعش التنمية إلا بالضمانات الأمنية، ولذا تحولت المناطق التي تسيطر عليها المقامة الوطنية والمجلس الانتقالي إلى حواضر تنموية واقتصادية، ومثلت مصدر جذب للمستثمرين وأصحاب رأس المال، وقبل ذلك كانت ملاذًا آمنًا للفارين من جحيم الحرب، الباحثين عن مأمن بعيدًا عن الفوضى.