التاريخ المصري القديم مليء بالمعارك والانتصارات والكثير من الاحداث التاريخية التي نعرف بعضها، ومن ضمن تلك المعارك معركة السلام لرمسيس الثاني والتي تعرف بأول معاهدة سلام في التاريخ وكانت المعاهدة بين الإمبراطوريتين المصرية والحيثية والتي لم تكن مفروشة بالورود بل كانت كلا القوتين العظمتين تتربصان الدوائر ببعضهما وتستعدان لمعركة أخرى طاحنة على غرار معركة قادش قد تأتى على الأخضر واليابس فى سوريا.
وكان الداهية السياسى الكبير فرعون مصر الخالد رمسيس الثانى قد مارس ضد خصمه اللدود الملك الحيثى خاتوسيل الثالث كافة الحيل السياسية الممكنة لفرض الضغوط عليه وكسب كل ماهو ممكن قبل معركة المفاوضات، وكان من بين هذه الحيل استقبال ولى العهد الحيثى الهارب أورخى تيشوب (الذى كان قد اعتلى العرش الحيثى تحت اسم مورسيل الثالث)، صاحب الحق الشرعى فى حكم خيتا فى البلاط المصري ودعمه سياسيا فى مواجهة عمه خاتوسيل الذى انقلب عليه وقام بنفيه مرتين إلى شمال سوريا وإلى إحدى المناطق الساحلية بالقرب من قبرص.
وهذا الأمر سبب ضغوطا قاسية داخل الدوائر السياسية الحيثية بل وفكك الكثير من الجبهة الداخلية للعدو أثناء الصراع السياسى مع مصر، وعلى الرغم من تحالف الحيثيين مع دولة بابل القوية فى العراق والتي كان يقبع على عرشها الملك كادشمان تورجو، والذى قد عرض على خاتوسيل إرسال قواته للهجوم على الإمبراطورية المصرية، وكان من الواضح أن خاتوسيل يخشى المواجهة العسكرية مع مصر إلى حد كبير، فقد كان حاضرا بنفسه فى معركة قادش الكبرى وشاهد تلك المأساة المفجعة التى لحقت بقوات الحيثيين حين شن المحارب الباسل رمسيس الثانى هجومه المضاد الشهير والذى خلده المصريون على جدران المعابد المصرية فيما عرف باسم "ملحمة قادش.
وقد أدت المواجهة إلى مقتل العشرات من عظماء قادة الجيش الحيثى ومن بينهم شقيق ملكهم "مواتلى"، فأدرك أن مواجهة هذا المقاتل الجسور يجب أن تكون الخيار الأخير بالنسبة له، وفى إبان هذا العام والذى كان العام الثامن عشر من عهد رمسيس الثانى، أعلن رمسيس الثانى حالة الاستنفار فى المواقع الشمالية لحدود إمبراطوريته وتأهبت القوات المصرية فى مواقعها فى بلاد كنعان فى مدن بيت شان ومجدو، تأهبا للهجوم الحيثى المحتمل، ويبدو أن الشرق الأدنى القديم كان على وشك حرب عالمية جديدة لا تقل فى ضراوتها عن معركة قادش الكبرى.
ولكن حدث أن لحقت بالحيثيين ضربة سياسية وعسكرية موجعة من جبهة أخرى، وذلك حين قام الملك الاشورى شلمنصر الأول باجتياح مملكة خانيجالبات التى تحالف ملكها شاتورا الثانى مع الحيثيين وأعلن انفصاله عن السيادة الاشورية، فشن الاشوريون بقيادة شلمنصر الأول هجوما ضاريا وصل إلى أبواب مدينة قرقميش وأصبحت حدود آشور وخيتا متلاصقة، بل شكلت آشور تهديدا مباشرا للحيثيين وصل إلى حدود إمبراطوريتهم السورية، ومن هنا أصبح السلام مع مصر هو الحل الوحيد أمام خاتوسيل الثالث لانقاذ إمبراطوريته من هذا الموقف الاستراتيجى المعقد، حيث لم يكن بامكان الحيثيين محاربة مصر وآشور فى نفس الوقت.
وأصبحت خيتا مهددة بفقدان إمبراطوريتها الواسعة ومن حسن حظ خاتوسيل أن الجالس على عرش مصر كان رجلا عظيما بمعنى الكلمة ويمثل أبعاد الشخصية الحضارية المصرية التى كانت لا تقاتل إلا دفاعا عن حدودها من أجل إقرار السلام، ومن هنا نبعت العظمة التاريخية الحقيقية لرمسيس الثانى فى صفحات التاريخ.