الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الاتصال السياسي نحو الجمهورية الجديدة (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحدثنا سلفًا عن المفاهيم التي ارتكزت عليها الاستراتيجية الاتصالية للدولة المصرية للتعبير عن ملامح الجمهورية الجديدة، ونستكمل في هذا المقال الآليات التنفيذية لتلك الاستراتيجية.

ثانيًا: الآليات التنفيذية لاستراتيجية الاتصال السياسي لمؤسسة الرئاسة والمؤسسات الرسمية للدولة:

استخدمت مصر مزيج من القوة الناعمة والصلبة -قوة ذكية- بهدف تكوين صورة ذهنية إيجابية لها خاصة بعد حالة التخبط السياسي وعدم الاستقرار الذي شهدته البلاد بعد ثورة 25 يناير، ويمكن ذكر تلك الآليات على النحو التالي:

1- الدبلوماسية الرئاسية: كان للدبلوماسية الرئاسية الدور الأكبر والأبرز في إظهار خطة مصر الاتصالية، وذلك من خلال النشاط الرئاسي في الزيارات الرسمية اقليميًا وعالميًا وإبراز الحفاوة التي يتم بها استقبال القيادة السياسية المصرية وظهورها بالشكل اللائق لبلد ذات تاريخ عريق وسط محيطها العربي والإفريقي والعالمي. بالإضافة إلى التعليق الرزين المدروس من قِبل صانع القرار السياسي فيما يتعلق بالمواقف الدولية المختلفة سواءً التي تمس مصر وأمنها بصورة مباشرة مثل ما حدث بخصوص سرت والجفرة في ليبيا وما أعلنته مصر باعتبارهم "خط أحمر"، وغيرها من القضايا الدولية المختلفة.
بالإضافة إلى الخطاب السياسي في كثير من المناسبات المحلية والذي اعتمد على المصارحة والمكاشفة بكافة التحديات المحيطة بمصر سواء في المجال الاقتصادي والصحي والتعليمي والتنموي.

2- الإعلام: اعتمدت مؤسسة الرئاسة والمؤسسات الرسمية للدولة على طرق وأساليب جديدة من حيث استخدام وسائل الإعلام فاتجهت للترويج عن نفسها وبرامجها وأنشطتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبح هناك صفحة لرئاسة مجلس الوزراء وللمتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية وللوزارات المختلفة.
ويجدر بالذكر هنا الاتجاه لاستخدام الشبكة العنكبوتية، فتم تخصيص موقع خاص بمؤسسة الرئاسة https://www.presidency.eg/ar، وفي واقع الأمر فهو موقع ثري بالمعلومات التاريخية عن مصر ونظامها الجمهوري والقصور الرئاسية وأشكال العملات، كذلك الإنجازات وافتتاحات المشاريع المختلفة، بالإضافة للخطب السياسية الرئاسية في كافة المحافل والمناسبات المحلية والدولية.
هذا جنبًا إلى جنب مع استخدام الإعلام التقليدي من خلال الحملات الإعلانية والفواصل التوعوية التي يتم إنتاجها من المركز الإعلامي لرئاسة مجلس الوزراء والشئون المعنوية بالقوات المسلحة ووزارة الداخلية.

3- الاستثمار في العنصر البشري: حيث تجلى ذلك من خلال إنشاء الأكاديمية الوطنية للتدريب، والبرامج التدريبية المختلفة مثل البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة وبرنامج القادة التنفيذيين الخاص بالعاملين في الجهاز الإداري للدولة وكذلك الدورات التثقيفية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا.
علاوة على دورات أخرى يتم تنظميها من وزارات وجهات مختلفة مثل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ووزارة الاتصالات ووزارة الشباب والرياضة ومبادرة كن سفيرًا بوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والمعهد القومي للحوكمة والتنمية المستدامة وغيرها من الجهات الرسمية بالدولة.
ويلاحَظ أن جميع البرامج سالفة الذكر تعمل على تطوير قدرات الشباب وتنمية معارفهم وتطويع طاقتهم وأفكارهم لكي يصبحوا عناصر مؤثرة في محيطهم الاجتماعي والمهني.

4- المبادرات الرئاسية: وهي تعد المبادرات الأنجح في تأثيرها على الإطلاق وبخاصة مبادرة "القضاء على فيروس سي"، ومبادرة "نور الحياة" الخاصة بالكشف عن ضعف وفقدان البصر والكشف المبكر عنه، ومبادرة دعم "صحة المرأة المصرية"للكشف المبكر عن أورام الثدي والصحة الإنجابية والحياة الصحية.
وكذلك مبادرة "حياة كريمة" والتي تهدف إلى توفير الحياة الكريمة للفئات الأكثر احتياجًا على مستوى الجمهورية، كما تتضمن شِقًّا للرعاية الصحية وتقديم الخدمات الطبية والعمليات الجراحية، وصرف أجهزة تعويضية، فضلًا عن تنمية القرى الأكثر احتياجًا وفقًا لخريطة الفقر، وتوفير فرص عمل بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة في القرى والمناطق الأكثر احتياجًا، وتجهيز الفتيات اليتيمات للزواج.

5- الفاعليات والمؤتمرات: مثل منتدى شباب العالم بنسخه المتعددة وكذلك حفل موكب المومياوات الملكية وحفل افتتاح طريق الكباش، والذي استخدمت فيها مصر قوتها الناعمة في إبهار العالم ليس بتاريخها الحافل وحسب، ولكن بقدرتها التنظيمية والعروض الفنية المبهرة التي تخللت المناسبات المختلفة. فقامت مصر بالترويج لنفسها كبلد أمن وأمان، ووضعت نفسها على طريق الدول التي تسعى باستمرار لتطوير قدراتها وتطويع إمكانياتها بأفضل شكل ممكن. فضلًا عن للقمة العالمية للمناخ COP 27 المزمع انعقادها في نوفمبر المقبل ٢٠٢٢ بمدينة شرم الشيخ.

6- الفن: حيث أصبح هناك خريطة منظمة للأعمال الفنية التي تخاطب الروح الوطنية للشعب المصري مثلما كان يحدث من خلال السينما والتليفزيون سابقًا من أعمال فنية مميزة عالقة بالوجدان حتى اللحظة، مثل رأفت الهجان ودموع في عيون وقحة، وغيرها. فتم إنتاج عدد من المسلسلات والأفلام التي تناسب طبيعة الجمهور المصري حاليًا وتخاطب حسه ووعيه السياسي بما يحيط به من مخاطر وتحديات وما يقوم به رجال الدولة من مجهود مضنٍ للحفظ على ذلك الوطن.
فتم إنتاج عدد من المسلسلات من ملفات حقيقية بمعالجة درامية مناسبة مثل؛ هجمة مرتدة والاختيار بجزأيه الأول والثاني والقاهرة كابول، وكذلك فيلم الممر. والذي ميز تلك الأعمال أنها حققت المعادلة بين الرسالة التي تحملها وبين تحقيق عنصر الامتاع والترفيه للمشاهد.

7- الرياضة: وفقًا لتصريحات الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، فإنه تم تنظيم ما يقرب من 61 حدث رياضي عالمي في ربوع مختلفة من البلاد في الفترة من 2019 وحتى الآن، وقد تم تنويع أماكن تلك الأحداث الرياضية لتنشيط السياحة أيضًا، فكانت هناك بعض الأحداث الرياضية بمدينة الغردقة وأخرى بالأقصر وأسوان، مما عكس قدرة القيادة السياسية على إحداث طفرة في المنشآت الرياضية  والتي مكنتها من استضافة تلك الأحداث الهامة وفي أنواع متعددة من الرياضات مثل كرة القدم والتنس والغطس والسلاح وكرة اليد وغيرها.

من الواضح إذًا، وإجمالًا، نستطيع أن نقول أن الدولة المصرية حددت وضبطت بعناية المفاهيم الخاصة  بالاستراتيجية الاتصالية للجمهورية الجديدة، ثم هي نجحت بامتياز في رسم ووضع آليات تنفيدية شاملة قادرة على تطبيق تلك المفاهيم ونقلها باحتراف وواقعية للتعبير عن الجمهورية الجديدة نظريًا وعمليًا، مما حقق نقلة نوعية للدولة المصرية تعكس وتعبر مرحلة جديدة ومختلفة كليًا.