السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس سهيل سعود يكتب: المرأة التقيّة فى عينى يسوع المسيح

القس سهيل سعود
القس سهيل سعود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يذكر عالما الكتاب المقدس: جيلبير بيلزكيان وإيفلين ستاغ، لدى مقارنتهما للأعمال الأدبية حول النساء على زمن المسيح، أن المسيح عامل نساء عصره، بسمو جاوز الأعراف الاجتماعية.

كانت صلوات الرجال اليهود اليومية آنذاك، «نحمدك يا الله لأنك لم تخلقنا نساء». كان من المتوقّع من الرجال، عدم إلقاء التحية على النساء في العلن. كان البيت فقط مملكة النساء، وكان مكان تواجدهنّ الوحيد، لإتمام مهمة تربية الأولاد والاهتمام بهم. علّم الكاتب اليهودي فيلو، أنه «على النساء عدم ترك البيت أبدًا، إلاّ في حالة الذهاب إلى المجمع للصلاة».

ومع أن دراسة الكتب المقدسة اليهودية كانت مهمّة جدًا للرجال، لكن لم يكن يُسمح للنساء بقراءتها. عُرِف عن الراباي اليهودي أليزر، الذي عاش في القرن الأول للميلاد، قوله: «من الأفضل أن تحرق التوراة، على أن تُعطى لإمرأة»، وبالتالي، بالرغم من أن الثقافة اليهودية وتقاليدها وأعرافها آنذاك، ميّزت كثيرًا في طريقة التعامل بين الرجال والنساء، إلاّ أن الأناجيل، تشهد أن المسيح: «لم يقلّل من شأن المرأة، أو يوجّه لها تأنيبًا، أو يوصمها بالعار. فقد تعامل معها بطرق، سمت على الأعراف الاجتماعية».

يذكر الاصحاح الرابع من إنجيل يوحنا، أنّ المسيح بدأ حوارا مع امرأة سامرية كانت تستقي ماء من بئر يعقوب، وقد تعجبت أنه تكلم معها في العلن، متجاوزًا الأعراف الاجتماعية، قالت له: «كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي، وأنا امرأة سامرية؟» (يوحنا 4: 9).

كما استغرب تلاميذه، كيف أنه يتكلم مع امرأة: «وعند ذلك جاء تلاميذه، وكانوا يتعجّبون أنه يتكلّم مع إمرأة». (يوحنا 4: 27)، وبعد لقائه معها، فانه غيّر حياتها بإروائه لها من الماء الحي الذي قدّمه لها.

أيضًا يذكر البشير يوحنا، أن بعض الكتبة والفريسيين، قدّموا إلى المسيح امرأة أمسكت في زنى، ومع أن الشريعة اليهودية قضت، أنه عندما يمسك رجل وامرأة في فعل الزنى، فإن الاثنين يرجمان حتى الموت، لكن أولئك اليهود ميّزوا بين الرجل والمرأة، فجلبوا المرأة كيما يحاكمها المسيح، وأطلقوا الرجل، طالبين من المسيح أن يدلو بدلوه بشأنها. لكن المسيح فاجأهم بموقفه، إذ قال لكل الموجودين: «من منكم بلا خطيئة فليرجمها أولاً بحجر». يذكر النص، وأما هم فلما سمعوا كانت ضمائرهم توبّخهم، فخرجوا واحدا فواحدًا، مبتدئين من الشيوخ إلى الآخرين، وبعد أن بقي يسوع وحده، والمرأة في الوسط. قال لها: «ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضًا». (يوحنا 8: 1-11). علّق القديس أوغسطينوس على قول المسيح هذا: «هنا الرحمة والصلاح. فالمسيح أدان الخطية، وليس الخاطئة».

من التسميات التي لم تُسمّى بها إمرأة، على زمن المسيح تسمية «ابنة إبراهيم». كانت تطلق تلك التسمية فقط على الرجال، «أبناء أو أولاد ابراهيم»، بناء للعهد الإبراهيمي. لكن تسمية يسوع للمرأة المؤمنة أنها «ابنة إبراهيم»، كان أمرًا مميّزًا وثورويًا في تلك الحضارة الآبائية.

يخبرنا البشير لوقا، أنه عندما احتج رئيس مجمع يهودي، على شفاء امرأة كانت منحنية بسبب ضعف في جسدها، لأن الشفاء كان في يوم سبت، قال له المسيح: «هذه هي إبنة إبراهيم، قد ربطها الشيطان ثماني عشرة سنة. أما كان ينبغي أن تحلّ من هذا الرباط في يوم سبت؟» (لوقا 13: 16). أيضًا، يور دانجيل لوقا، قصة امرأة كانت تنزف دمًا منذ اثنتي عشرة سنة، وقد أنفقت كل معيشتها للأطباء، لكن لم تقدر أن تشف، فجاءت الى الهيكل، ودون أن يراها المسيح، لمست هدب ثوبه، وفي الحال وقف نزف دمها». (لوقا 8: 43-44)، وعندما أخبرته أنها عندما لمسته برئت، قال لها: «ثقي يا ابنة، إيمانك قد شفاك. إذهبي بسلام». (لوقا 8: 48).

مع أن الشريعة اليهودية، حذّرت من لمس امرأة في طمثها، إذ اعتبرتها دنسة ونجسة، ومنعتها من لمس أشياء اعتبرت مقدسة، لكي لا تنجسها، وأيضا حرمتها من المشاركة في معظم الطقوس الدينية، لكنّ المسيح لم يراع تلك الشريعة، عندما كان يرى أنها لا تسهّل وتخدم الإنسان المحتاج، وبالتالي، فإنّ تلك المرأة التى اعتبرتها الشريعة والأعراف «دنسة»، قد اعتبرها يسوع المسيح «ابنة».

يعتقد معظم الناس أن تلاميذ يسوع الرجال، الاثنى عشر، كانوا وحدهم يواكبونه فى رحلاته التبشيرية، لكن القليل جدًا منا ينتبه، إلى أنه كان من ضمن الذين رافقوه، نساء. يخبرنا البشير لوقا قائلًا: «كان يسير في مدينة وقرية، ويكرز ويبشّر بملكوت الله، ومعه الاثني عشر، وبعض النساء كنّ قد شفين من أرواح شريرة وأمراض: مريم التي تُدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين. ويوّنا إمراة خوزي وكيل هيرودس، وسوسنّة. وأخريات كثيرات كنّ يخدمنه من أموالهن». (لوقا8: 1-3).

هناك ملاحظتان ملفتتان للنظر حول ما ذكره إنجيل لوقا: الأولى، أن يسوع قد أجرى في حياة تلك النسوة التقيات، شفاء جسديًا من أمراض، وشفاء روحيًا بإخراج أرواح شريرة منهن، وهذا يعني، أنّ يسوع قد أجرى تغييرًا جذريًا في حياتهن، والثانية، أن تلك النسوة التقيّات كنّ يخدمن المسيح من أموالهن، أى كنّ سيدات أعمال، يعملن، ويدّخرنّ المال، كيما يشاركن في إرسالية المسيح من أموالهن، كتعبير عن تقديرهنّ، وإيمانهنّ بالمسيح.