نحتفل الآن بعيد المرأة 8 مارس الجاري، وأصبح أمامنا ضرورة لمناقشة هموم المرأة القبطية ما بين الكنيسة والمجتمع .
أولًا: لا بد أن نتوقف أمام قضية عدم ترسيم المرأة كاهنا حيث تتبع في ذلك كلتا الكنيستين، الأرثوذكسية والكاثوليكية الرومانية نهجًا مماثلًا للكنيسة فيما يتعلق بترسيم الأساقفة والكهنة، ولا تسمح بترسيم المرأة لتلك المناصب.
علي عكس الكنائس البروتستانتية والإصلاحية التي ترى أن هناك عقيدة إلهية رئيسية للإصلاحيين ومعظم البروتستانت الآخرين، وهي كهنوت جميع المؤمنين. اعتبروها عقيدة هامة لدرجة أن البعض أطلق عليها اسم «حقيقة واضحة من الكتاب المقدس».
ووفق رأي الكنيسة الأرثوذكسية في عدم رسامة المرأة كاهنا جاء في موقع «تكلا هيمانوت»: «مرجعنا الأول في البحث هو الكتاب المقدس الذي يمكننا أن نجد فيه ما يعبر عن الفكر الإلهي تجاه هذا الموضوع لأن كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم».
ليس من حقنا أن نضع تعليمًا أو تشريعًا أو نظامًا في الكنيسة لا يتفق مع تعليم الكتاب المقدس.
وفي البحث أيضًا في تقليد الكنيسة وبخاصة فى عصورها الأولى على اعتبار أنها أخذت التعليم من مصادره السليمة من السيد المسيح والرسل فإذا بحثنا في الكتاب المقدس وتقاليد الكنيسة القديمة نجد ما يلي:
عدم قيام المرأة بالتعليم في الكنيسة:
وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول: «لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع. ولكن لست آذن للمرأة أن تُعلّم ولا تتسلط على الرجل بل تكون في سكوت. لأن آدم جُبل أولًا ثم حواء. وآدم لم يغو لكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي. ولكنها ستخلص بولادة الأولاد إن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل». (تيموثاوس الأولى 11:2-14).
فإذا علمنا أن المرأة لا ينبغي أن تعلم في الكنيسة فمن باب أولى لا يجوز منحها درجات من درجات الكهنوت حيث إن الكاهن يمارس خدمة الأسرار إلى جوار التعليم وقيادة الكنيسة في حدود مسئوليته.
الرجل هو رأس المرأة حسب تعليم الكتاب المقدس:
يقول القديس بولس الرسول: «أيتها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب. لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضًا رأس الكنيسة وهو مخلص الجسد. ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شيء» (أفسس 5: 22-23).
كيف يمكن تطبيق هذا التعليم في حالة منح الكهنوت للمرأة؟ كيف تخضع لرجلها في كل شيء إن كانت هي التي تقوم بعمل القيادة والرعاية والتعليم؟ المفروض أن الخراف هي التي تخضع لراعيها والتلاميذ لمعلمهم والأفراد لقائدهم والأبناء لآبائهم.
إلا أنه في التاريخ المسيحي في الكنيسة الأولي كان طغمة من الشَّابَّات وَالمُكَرَّسات يخدِمنَ القِدِّيسِين وَيُعدِدنَ الأغابِي بعد القُدَّاسات وَيُبَشِرنَ وَكَانَ للمرأة دور فعال فِي تجهِيز المؤمِنات، أى عِندما تدخُل المرأة لِلإِيمان جَدِيداً يُسَلِّمها الرُسُل لِلنِساء التَقِيات فَيُعرفنها الحياة المَسِيحِيَّة.. تُعَلِّم أولادها خوف الله.. كَانَ الرُسُل يُجَنِدُونَ النِساء لِتجهِيز المؤمِنات لِلمعمودِيَّة لِكي يُعَمِدَهُنَّ الرُسُل.. كُنَّ يهتَمِمِنَ بِالفُقَراء وَكُنَّ يحمِلنَ رسائِل الرُسُل لِلكنائِس لِذلِك كَانَ هُناك طقس الشَّماسات أوْ المُكرَّسات وَالكِتاب عرَّفنا عنها عَلَى أنَّها رُتبة «دِياكُون» وَهِيَ نَفْس رُتبة الشَّماس.. حَتَّى أنَّ طقس لتكرِيس يقال فِيه «يا الله خالِق الرجل وَالمرأة الَّذِي مَلأَ بِروحه مريم وَدَبُورَة وَحَنَّة وَلَمْ يستنكِف ابنك الوحِيد أنْ يُولد مِنْ إِمرأة إِقبل نَفْس عبدِتك فُلاَنة». الله لَمْ يخلِق الرجل فقط دونَ المرأة لِذلِك قَبَلت الكنِيسة نذر المرأة أنْ تَكُون راهِبة أوْ مُكَرَّسة حَتَّى الكنِيسة الأولى قَبَلت تكرِيس الأرملة وَتُحَوِّل طاقتها الفعَّالة إِلَى رِسالة وَعمل داخِل الكنِيسة.
في أحداث القيامة كان للمرأة دور جوهري حيث أن المريمات هُنَّ أوِل انطلاقة لِلكِرازة بِالقِيامة وَأخذن كرامة الخِدمة. كانت المجدلِيَّة هي أوِل مُبَشِرة لِلقِيامة وَتَجَرَّأت وَقالت: «قُلْ لِي أينَ وَضَعْتَهُ وَأنَا آخُذُهُ» (يو 20: 15) وكانت المَجدلِيَّة مثال للشجاعة حيث كان الرِجال خائِفِين فِي العُلِيَّة وَالأبواب مُغَلَّقة بينما المجدلِيَّة طلبت حَبِيبها فِي شجاعة وَجَرَاءة مُنقَطِعة النَظِير، رغم ان كل التلاميذ ما عدا يوحنا اختفوا، ويذكر التاريخ أن التلميذ يوحنا كان أقل من السن الذي يعاقب علية الرومان كما انه كان يمت بصلة قرابة لرئيس الكهنة قيافا.
ولا ننسي أن النساء لم يخن المسيح كما فعل يهوذا ، ولم ينكروه كما خانة يهوذا.
ثانيًا: ليس للمرأة دور قيادي فلا توجد نساء كرادله في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، ولا المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية، رغم أنه في الكنيستين هناك رئيسات لأديرة وأستاذات يعلمن الدارسين والكهنة في الإكليريكيات والمعاهد والكليات اللاهوتية ؟!!.
أيضًا لم نشهد نساء في المجالس الملية العامة في كل تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلا السيد مهجة الراهب في إحدي مجالس البابا شنودة الثالث . كما أننا لم نرصد أي سيدة رئيسة مجلس إدارة إحدي الكنائس.
من الكنيسة للوطن:
رغم أن الحد الأدني لنصيب المرأة فى مجلس النواب الحالي 162 مقعدًا من أصل 568 مقعدًا، فضلًا عن الـ5% التي يعينها الرئيس، وحصولها علي وزارات ومقاعد في مجلس الشيوخ، إلا أن النساء يعانين من العنف المنزلى والتحرش في الشوارع، ويتحملن عناء الأسر في غياب الرجال «32% من الأسر المصرية يعولها نساء».
تادرس القمص : «الصراع بين الهوية والحداثة والصراعات الكنسية»
قال الباحث تادرس القمص ، أعتقد أن أكبر تحد يواجه المرأة القبطية هو كيفية مواجهة الحرية والانفتاح، ويقول الآباء احتمال الكرامة أصعب من احتمال الإهانة، ومن همومها أيضًا المتغيرات الاجتماعية وصراع الهوية ما بين الانفتاح علي المعاصرة والتراث، ويضيف «تادرس»: «التشوش والعثرة من مسئولي التعليم الديني، وأزمة إغلاق الكنائس بسبب الكورونا وبعض الخدام انسحبوا من الخدمة والافتقاد في المنازل إلى ما وراء الشاشات، كما أن الصراعات العقيدية واللاهوتية أصبحت تشكل عبئًا إضافيًا مثل الخلافات بين أصحاب المذاهب المختلفة والمذهب الواحد، ناهيك عن الإرهاب والتطرف».
«تعاني من الخطاب الديني المسيحى»
أما الباحث نجاح بولس فيرى: إن المرأة القبطية من أكثر الشرائح معاناة لتحالف عوامل كثيرة ضدها ولم يشفع لها حتي التعليم من تسلط الرجل والثقافة الذكورية التي أدت إلي انتقاص حقوقها في المواثيق الدولية والدستورية التي أقرت لها ، فرأينا منصة قضاء تمانع جلوسها عليها بأحكام ذكورية وأحيانا دينية مصطنعة، ورأي عام يعوقها أمام صناديق الانتخاب في المجالس التشريعية والنيابية، كل ذلك تعاني منة المرأة المصرية بوجه عام فما بالك بالمرأة القبطية؟ لك أن تتخيل كيف تتعامل شرائح ذكورية متعصبة مع مرأة تفوح هويتها القبطية من ملبسها وهيئتها؟.
هكذا تعاني المرأة القبطية معاناة المرأة بشكل عام جنبا إلى جنب مع الضيق الاقتصادي للجميع وأيضا التضييق الطائفي وتعاني من التنمر والتحرش أكثر من غيرها من النسوة، ولذلك نحن بحاجة لتغيير النسق الثقافي من تضييق وضع المرأة القبطية داخل الكنيسة وخارجها وللأسف أي محاولة لإثارة ذلك يلاقي بعواصف من الاتهامات ما بين التكفير والهرطقة وحتي بعض الكنائس الاصلاحية في مصر تتعامل مع المرأة بعقلية ذكورية وقد تابع المجتمع السجال الدائر مثلًا فى الكنيسة الانجيلية حول رسامة المرأة قسًا، وينتهي د.نجاح بالقول: «نحتاج نظرة لإصلاح من المؤسسات الكنسية تجاه المرأة جنبا الي جنب مع باقي مؤسسات الدولة».
الدكتور ماهر عزيز: الأحوال الشخصية وتعريف الكنيسة للزنا
تتعدد هموم المرأة القبطية في مدي عريض من التخوفات، ولعل أهم هذه التخوفات يرتبط بقضايا الأحوال الشخصية، وعلي الأخص مسألة الطلاق، التي لم يصدر فيها حتى الآن تشريع واضح صريح؛ وأكثر ما يؤلم في هذه المسألة هو التعريف الشائع في الكنيسة للزنا المسبب للطلاق، الذي يقتصر فقط علي ذات الفعل بينما التعريف الحقيقي للزنا هو الخيانة، وينطبق بالأكثر علي خيانة العهد، أي خيانة عهد الزواج، وخيانة العهد هي كسر وصاياه التي إذا لم تتحقق في الزواج تكون تلك هي الخيانة، وذلك هو الزنا، وعلي سبيل المثال إذا عامل الزوج زوجته بإجرام وعدوان وغلظة وعدم أمانة فانه قد كسر عهد الزواج، ويحق لها أن تطلب الفكاك منه لأن كسر العهد هو خيانة للعهد وذلك هو الزنا الذي تحدث عنه يسوع.
كذلك تشمل هموم المرأة القبطية حاليًا تأخر سن الزواج لإحجام الشباب عن تحمل المسئولية، كما تتخوف المرأة القبطية من حوادث اختفاء البنات والسيدات التي تسمع عنها بين الحين والآخر والتي تسلبها الشعور بالأمن والأمان الذي كان سائدا منذ خمسين سنة في مصر.
النائبة البرلمانية نجلاء باخوم: «المرأة القبطية جزء لا يتجزأ من المرأة المصرية»، وبالتالي فهي تعاني من نفس هموم المرأة المصرية:
1ـ تحمل المسئولية في تربيه الأولاد دون مشاركة الزوج معها وقضاء الاحتياجات المنزلية.
2ـ محاوله رفع المستوى الاقتصادي وتحسين دخل الأسرة.
3ـ عدم التمييز والمساواة بين الجنسين في العمل.
4ـ القضاء على العادات والتقاليد الخاطئة بالمجتمع لدي المرأة «ختان الإناث، عدم تعليم الفتيات، الزواج المبكر، عدم تنظيم الأسرة وكثرة الإنجاب علشان العزوة والسند في بعض المجتمعات، التمييز بين الولد والبنت وحق المرأة في الميراث».
5ـ عدم المشاركة السياسية ودور المرأة في المجتمع.
6ـ القضاء على التحرش بالسيدات والفتيات.
7ـ القضاء على الزواج غير الموثق. «زواج السنة» وأضرار على المجتمع.
ولكن للمرأة القبطية ما يزيد علي ذلك كالآتي:
- الحكم بالشريعة في الميراث.
- الإحساس الدائم غير المبرر بالاضطهاد الديني وخاصة في العمل.
- الخوف من الأشخاص المسلمين الرجال علي أنها سوف يتم افتراسها أو افتراس بناتها.
«نحتاج إلي إصلاح الخطاب التربوي والدينى»
أما الكاتبة هناء ثروت فترى:
الحقيقة إذا كنا نتكلم على الهموم الموضوعة على كتف المرأة المصرية بشكل عام، فهموم المرأة القبطية تزيد عنها بعدة أشكال، منها على مستوى البيت والتنشئة وفي الشارع وفي مجالات العمل المختلفة وحتى على المستوى الكنسي والطقسي أيضًا، فعلى مستوى التنشئة تتعرض الفتاة القبطية لمستوى من الحزم والشدة تصل إلى القسوة في بعض الأحيان لخوف الأسرة من المجتمع "الإسلامي" الذي نعيش فيه ونجد هذا بوضوح في الصعيد ومشاكل الفتيات اللاتي يهربن من بيوتهن ومن قسوة الأهالي الذين يعتبرون هذه الشدة هي التربية الصحيحة لهذا المجتمع، وحتى الفتيات اللاتي يقبلن ويخضعن لهذه التربية يخرجن إلى المجتمع مشوش الفكر ولا يجدن التعامل مع المجتمع حتى في الجامعات يتجمعن وينشئن الأسر المسيحية ويتجمعن فيها لخوفهن من التواصل والتعامل مع باقي فئات المجتمع، فالخوف هنا هو سيد الموقف.
وعلى مستوى الشارع تتعرض المرأة القبطية للتحرش تقريبًا بنسبة أكبر من باقى النساء وذلك لأنها بتخرج «بشعرها» أى دون حجاب.
وعلى المستوى الكنسي تتعرض المرأة إذا جاز التعبير للسب بأنها «نجسة»، طبعًا لا يقال هذا بشكل مباشر ولكن الطقوس التي وضعت دون سند كتابي لحرمان المرأة الحائض من «التناول» (سر كنسي من أسرار الكنيسة السبعة) أى أن المرأة لا تستطيع دخول الكنيسة والهيكل بعد أن تلد لفترات لا أعلم الحقيقة كيف وضعت ولماذا وضعت، فكون أن المرأة تحيض هو شىء خُلقت به ليس لها يد فيه، فلماذا يتم عقابها ووضعها كمواطن درجة ثانية في الكنيسة، والولادة التي تعتبر هي كمال الوصية التي أوصاها لنا الله بأن نثمر ونتكاثر ونملأ الأرض تعاقب عليها المرأة بعدم دخول الكنيسة.
في الختام إذا كنا نرى أن المرأة تحتاج إلى بعض الحقوق فالنظر إلى القوانين هو جل هذه الحقوق، النظر إلى الطقوس التي ليس لها سند كتابي نستطيع أن نغيرها، فهي وضعت في زمن معين كان له طقوس معينة وظروف معينة لا يصلح أن تستمر إلى الآن.