* لاتكمن أهمية الراحل العظيم الدكتور محمد شحرور فى أنه قدم مشروع متكامل للقراءة المعاصرة للمصحف فى ١٣ كتابا خلال ٥٠ عامًا من التدبر المنهجى الدقيق المتجرد والموضوعى.
* ولاتكمن أهمية المفكر الكبير فى أنه أعاد الدين إلى مركزه «المصحف» وأعاده إلى إنسانيته ورده إلى عالميته، وأخرج أركان الدين الثلاثة من المصحف الإيمان بالله والإيمان بالحساب والعمل الصالح وأبطل المروية الشهيرة التى عشنا عليها لأركان الإسلام، وأعاد العبادة إلى مكانها هناك فى الصراط المستقيم، وقال إن العبادة تبدأ بالخروج من المسجد وفصل بين العبادة والاستعانة والذكر، وأعاد اكتشاف الصراط المستقيم «الأنعام ١٥١ و١٥٢»، وأن الشيطان قابع فى الصراط وفصل بين شريعة محمد وماقبلها، وفصل بين الكتاب والقرآن، بين والنبوة والرسالة، والتاريخى والدينى ومقام الرسول ومقام النبى، والآيات البينات والآيات المحكمات، وحدد الآيات المحكمات وفصل كل محكم وتفصيله، وفصل بين مصطلحات وألفاظ المصحف فصل بين المسلمين والمؤمنين وبين الرسول والنبى، وبين الأميين وأهل الكتاب وبين المسلمين والمجرمين والأبرار والآثمين والمتقين والفجار، والبلاغ والابلاغ والزوج والبعل والروح والنفس والكرسى والعرش والموت والوفاة، والمصلين ومقيمو الصلاة، وحصر المحرمات فى المصحف، ورد الشريعة الى رحمتها المهداة بعد فصلها عن شريعة موسى حيث أدرك تطور الشريعة من بدايتها إلى نهايتها، كما نجح لأول مرة فى كشف معنى مصطلح ملك اليمين فى المصحف والذى هو العلاج القرآنى للرق قديمًا.
* كما لا تكمن أهمية الراحل العظيم فى تصنيفه آيات المصحف إلى ٥ أنواع والفصل بين الدينى فيها والتاريخى منها، ولا تكمن أهمية المفكر الراحل وعبقريته فى إحيائه لأهم مناهج مصنفات العربية الاشتقاق والتقاليب الستة للفعل للخليل بن أحمد الفراهيدى والاضداد أيضًا، واللاترادف لثعلب الكوفى حيث لايوجد لفظان فى عربية المصحف لهما نفس الدلالة ومدرسة النظم والسياق كآداة حصرية للوصول إلى المعنى العام الشامل لعبدالقاهر الجرجانى مؤسس علم البلاغة.
* كما لا تكمن عبقرية المفكر والمبدع الراحل فى أنه أتى بأدوات تدبر من كيسه هو مثل أداة الترتيل أى جعل الآيات فى الموضوع الواحد رتلًا أى طابورًا كى يسهل فهمه، وأداة التقاطع بين الآيات للوصول إلى معنى لفظ ما وآدات تصنيف الآية التى نحاول تدبرها ونبهنا للاتفات للضمائر فى الآيات عند التدبر وتحديد المتكلم والمخاطب وحذرنا من عدم الاجتزاء والوقوع فى التعضيه وقسمه ما لا يجوز قسمته من الآيات فيفسد المعنى وينعكس الهدف منها إلى نقيضه، كما أرشدنا لضروة احترام موقع الفواصل بين الآيات «النجوم» كما لا تكمن أهمية الراحل العظيم فى أنه نبهنا لدقه رسم اللفظ فى المصحف وتغيير دلالته بتغيير رسم أحد حروفه أو زيادته حرفًا، ولا تكمن أهمية الراحل العظيم فى أنه وضع فقهًا جديدًا للمرأة وقدم قراءة جديدة لبعض القصص القرآنى خصوصًا آدم ونوح وهود.
* كما لا تقتصر أهميته فى أنه نجح فى الفصل بين الآيات المخزنة القديمة «القرآن» وغير المخزنة الآنية التى تنزلت مباشرة «الرسالة وقصة النبى وقومه»، وتحديد الآيات التى لها مناسبات نزول حصرًا فى المصحف وهى قصة النبى وقومه فقط وأنه فرق بين «الإنزال والتنزيل». كمصطلحين قرآنيين أو أنه وضع لبنة لمعجم مصطلحات التنزيل الحكيم من داخل المصحف نفسه، حيث أولى أهمية لمصنفات اللغة العربية، وفسر اللفظ من داخل المصحف. أو أنه اكتشف أساس نظرية المعرفة بالمصحف، ووصل إلى أداتها المصحفية «التقليم»؛ أي التمييز. أو أنه نجح فى خلع رداء المحلية العربية، ورد الدين إلى عالميته وإنسانيته، والشريعة إلى رحمتها أو أنه قدم نموذجًا للباحث المُدقِّق والمفكر المنضبط، والباحث المتجرد فى صبر وأناة ولم يلتفت للمُزايدين والحُسَّاد وعَبَدة التراث.
* إنما تكمن أهمية الرجل فى أنه وضع الأساس لمنهجية علمية، علم أصول تفقه جديد متأسس على منهجية علمية منضبطة وحاذقة وعلمية من ١٠ أدوات للتدبر والتفقه بعد ١٢٠٠ عام من الأدوات الأربعة للتفقه القديم والتى وضعها الإمام الشافعى، ويسيرون عليها حتى الآن.
* ولا يعيب الراحل العظيم أن بعض تلك الأدوات ليست من كيسه طبعًا كما ذهب البعض وتمسك بذلك حساده وناقدوه وبعضها الآخر من كيسه حصرًا، فقد أحيا بعضها من التراث القديم لمصنفات اللغة العربية مثل «الاشتقاق والتقاليب الستة للفراهيدى واللاترادف لثعلب الكوفى والسياق للجرجانى»، وأضاف لها من كيسه ٣ أدوات هامة للغاية أداوات «الترتيل» للآيات و«التصنيف للآيات» و«التقاطع للآيات» ونبهنا الانتباه لأربعة، للضمائر وخصوصًا المتكلم والمخاطب فى الآيات ومواقع النجوم «أى الفواصل بين الآيات»، وللتغيرات فى رسمة اللفظ الواحد بالمصحف باعتباره وحىا يوحى وعدم الاجتزاء أو الوقوع فى التعضية.
* بالإضافة إلى الإلمام بتغيرات الشريعة من موسى إلى محمد إلى غير ذلك من أدوات القراءة المعاصرة والتفقه الدقيقة الجديد مع ضرورة إدراك الفرق بين الكتاب والقرآن والدين والشريعة والفصل بين الدينى والتاريخى مقام الرسالة ومقام النبوة والفصل بين الرسالة والنبوة والانتباه لعالمية الدين وعدم إخضاعه لأى خصوصية ثقافية محلية، وفصل الرحمة المهداة عن سابقاتها وتفسير مصطلحات القرآن من داخل المصحف وليس من خارجه وأدراك أن التغيير فى الشريعة فقط وليس فى الدين ومن رسول إلى رسول وأن الدين لايحتوى على شعائر بل أركان ٣ ومحرمات ٩ فقط.
* وبهذا يكون شحرور قد أمدنا والأجيال القادمة بالأدوات الجديدة التى تمكنا طول الوقت من إنتاج الجديد الوافد والمختلف والدقيق فى سهولة ويسر ومن تدبر المصحف بشكل أكثر دقة وانضباط.
* لا تنسوا فالمعرفة أسيرة أدواتها كما أكد لنا الراحل العظيم، الذى أفنى حياته من أجل إنقاذ الإسلام الدين وإنقاذ الرحمة المهداة شريعته الخاتمة، وترك لنا كل ذلك العطاء الفكرى نبنى عليه وننهل منه ونسير بنوره، ونتجاوزه ونطوره ونمشى إلى مستقبل رحب من الفكر الدينى الجديد النقى.
آراء حرة
نحو علم أصول فقه جديدة لأول مرة تاريخيًا
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق