روسيا أوكرانيا، وما خلفهما من إشتباكات، التلويح بالنووي من جانب والاستقواء بالناتو في الجانب الآخر، صراع له صوت مرتفع استطاع أن يصل إلى كل أذن تسمع في أرجاء المعمورة، بوتين الواضح والعنيد يسعى إلى هدفه وحماية الأمن الاستراتيجي لبلاده وزلينسكي يواصل مغامرته التي بدأها منذ سنوات.
لست من دعاة الحروب لأنني أعرف أن فحم حريقة الحروب هم الشعوب خاصة البسطاء منهم والضعفاء الذين لا يمتلكون ترف مغادرة البلاد ولا يجدون لأنفسهم موضع قدم في الأقبية والمخابئ، ليصبح الرابحون من الحرب هم السياسيون وماكينة الإعلام ومصانع السلاح ورجال الإقتصاد، أما الجنود الذين يعودون إلى اهاليهم ملفوفين في علم البلاد سرعان ما يتم نسيانهم ويلتقي القادة خصوم الأمس أصدقاء اليوم يشربون في صحة من ماتوا.
هذا الموقف بالإجمال هو موقف عادي وواقعي، ولكن ليس هكذا يمكن للمرء أن يغسل يديه ويصمت، إذا جاءت الحرب على هيئة الضرورة فليس أقل من التعامل معها بالقواعد الإنسانية العامة التي ترفض سفك دماء المدنيين الأبرياء، وما شهدناه من هوجة التضامن الواسعة مع النازحين الأوكرانيين تجعلنا نقف ونتأمل المشهد ونسأل هل استيقظ ضمير المؤسسات العالمية وصار حنونا ؟.. للأسف جاء التضامن ليكشف لنا نحن أبناء أفريقيا وأبناء الحزام العربي وكذلك ضحايا أمريكا اللاتينية والمجهولين في شرق آسيا جاء التضامن الواسع ليقول لنا بلسان فصيح أن المجتمع الدولي والمتحكمين فيه هم مجموعة قذرة من البشر وأنهم مجرمون ونصابون بالجملة وبالقطاعي.
هنا يمكننا أن نتوقف طويلا، بالتحديد عند تعامل الإعلام الغربي مع قضية اللاجئين الأوكرانيين، حيث كان واضحا كمية العنصرية التي بثها في قضية اللجوء عموما والاوكرانيين بشكل خاص وعلى أكثر من فضائية وأكثر من وسيلة إعلام مقروءة ترددت جملة العيون الزرقاء والبشرة البيضاء وأنه من غير المسموح به تشريد هؤلاء بسبب الحرب، وهو ما يعني ضمنا أن التشريد والشتات مسموح به ل الأفارقة والعرب وفقراء آسيا اما الأوروبيين فهم أصحاب دماء نقية تختلف في تكوينها عن الضحايا الآخرون.
وعلى سبيل المثال ما كتبه السياسي السابق في حزب المحافظين البريطاني دانيال هانان في صحيفة "تلغراف" البريطانية مشيرا الى الضحايا الأوكرانيين انهم "يبدون مثلنا جدا، وهذا ما يجعل الأمر مثيرًا للصدمة بدرجة كبيرة"، وعلى حسب ترجمة موقع شفق نيوز لما كتبه السياسي البريطاني نقرأ قوله "اوكرانيا بلد أوروبي، وشعبها يشاهد نتفليكس والمواطنين لديهم حسابات على انستغرام، ويصوتون في انتخابات حرة ويقرأون صحفا غير خاضعة للرقابة. الحرب لم تعد شيئا يتعرض له سكان فقراء وبعيدون. يمكن أن يواجهها أي شخص".
هذه التفاهة التي يعيشها إبن القارة العجوز وهذا التلاسن في قضية إنسانية من الدرجة الأولى يجعلنا نتأكد من ازدواجية معايير المجتمع الدولي وأننا في مصر على الأقل لا يجب أن نراهن إلا على مصريتنا.
لم يكن السياسي البريطاني يغرد منفردا عن السرب ولكن كبير مراسلي شبكة "سي بي إس نيوز" الأمريكية تشارلي داجاتا خلال بثه رسالة له من كييف يوم الجمعة الماضي، قال ان " إن هذا ليس مكانا مثل العراق أو افغانستان التي شهدت نزاعات مشتعلة منذ عقود، مضيفا "هذه مدينة متحضرة نسبيا، واوروبية بمستوى ما، ومدينة لا تتوقع أو تأمل حدوث ذلك فيها".
لو أن مرصدا غير متمول تفرغ لرصد كمية التصريحات المعادية لنا في هذه الحرب لاستطاع أن يقدم الحجة الدامغة على أننا نعيش على كوكب حقير يقود دفة الحياة عليه مجموعة من الانتهازيين مصاصو الدماء يتقدمهم ساكن البيض الأبيض ولا ينتهي طابورهم عند أصغر ديكتاتور في جمهوريات الموز.
آراء حرة
هؤلاء شقر وعيونهم زرقاء !
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق