عقب بدء الحرب الروسية الأوكرانية شرعت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بفرض عقوبات وخيمة من شأنها شل حركة روسيا الاقتصادية مما يؤثر سلبا على واردات القمح والغاز ويؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط والسلع في العالم.
تساؤلات عديدة يطرحها المصريون حول مصير القمح والواردات من روسيا وما سيتبع تلك الحرب من أزمات من شانها رفع أسعار الحبوب في العالم بصفة عامة وفي مصر تحديدا.
وتواصلت “البوابة نيوز” مع الدكتور نور ندا أستاذ العلوم الاقتصادية والخبير في الشأن الروسي للإجابة على اهم التساؤلات والذي أوضح لنا أنه من المحتمل أن يؤدي اضطراب صادرات روسيا وأوكرانيا إلى خفض حجم التجارة على الصعيد العالمي وبشكل خاص لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي واحدة من المنطقتين الأكثر اعتمادًا على القمح المستورد.
وإلى نص الحوار
- في البداية ما رأيك في العقوبات التي بدأت عدد من الدول وعلى رأسها أمريكا في تطبيقها على روسيا ؟
سياسات العقوبات الاقتصادية والحصار التي تلوح بها وتتبعها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا فى إدارة علاقاتها مع دول العالم المعترضة على سياستها، تُعتبر بمثابة انقلاب على مبادئ الانفتاح والتحرر الاقتصادي التي اتفق عليها العالم في مؤتمر برايتون وودز سنة ١٩٤٤ عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية.
والتلويح بإقحام نظام سويفت للتحويلات المالية والمصرفية تدمير حقيقي لما تبقى من نظام النقد الدولى والذى يدار بواسطة صندوق النقد الدولى.
- وماذا عن الآثار المالية والاقتصادية لأزمة الصراع الروسي الأمريكي على الأراضي الأوكرانية؟
تعتمد الدول الأوروبية على الغاز الطبيعي الروسي الذي يلبي نحو 40 في المئة من احتياجات دول الاتحاد الأوروبي، في حين أن الشحنات الأميركية، وهي عالية التكلفة عن تعاقدات الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا إلى أوروبا، لم تشكل فارقًا كبيرًا، واستمرت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا مرتفعة.
وفقًا لمجموعة "جيه بي مورغان" للخدمات المالية، تهدد التوترات بارتفاع أسعار النفط، مشيرة إلى أن ارتفاع الأسعار إلى 150 دولارًا للبرميل سيقلل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 0.9% فقط على أساس سنوي خلال النصف الأول من العام الجاري، بينما سيزيد التضخم بأكثر من الضعف إلى 7.2%.
كما أن الأسواق ستشهد انخفاض صادرات الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا الغربية بدرجة كبيرة عبر أوكرانيا وبيلاروسيا حال فرض العقوبات، وستسجل أسعار الغاز مستويات قياسية، وشهدت عائدات سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين أكبر قفزة شهرية منذ عام 2016، وتتجه أسعار الفائدة لأجل 10 سنوات إلى 2%.
- وكيف سيؤثر هذا الصراع على أمدادات مصر والشرق الأوسط من الحبوب (القمح والذرة)؟
يعود هذا الاهتمام المتزايد بالأزمة بين روسيا وأوكرانيا لكونهما لاعبين رئيسيين في سوق الحبوب العالمي حيث شكلت صادراتهما من القمح 23٪ من التجارة العالمية في 2021-2022، وفقا لوزارة الزراعة الأمريكية.
استأثرت أوكرانيا بأكثر من 14 في المائة من صادرات الذُرة العالمية (ثالث أكبر حصة على الصعيد العالمي)، وهذا ما دعا الجميع إلى الحذر من أن الأزمة الأوكرانية ستؤدي إلى ارتفاع أسعار القمح العالمية، مما سيزيد من الأعباء المالية على مصر إذ تغطي صادرات القمح من كل من روسيا وأوكرانيا ما يقرب من 85٪ من طلب مصر على القمح.
وتتابع مصر عن كثب التوترات المستمرة على طول الحدود بين روسيا وأوكرانيا، وسط مخاوف بشأن توريد القمح إلى السوق المصرية وأشار وزير المالية المصري محمد معيط إلى أن الخزانة العامة تكبدت نحو 12 مليار جنيه (762.3 مليون دولار) من المخصصات الإضافية لشراء القمح بسبب ارتفاع أسعار القمح العالمية، في 25 يناير الماضي، وفي الأسبوع الماضي، اشارت وزارة التموين والتجارة الداخلية إن مخزون القمح في البلاد يكفي لأكثر من 5.2 شهر.
وتابعت الوزارة أنها تبذل قصارى جهدها لتأمين احتياجات مصر من القمح سواء من خلال المزارعين المحليين أو من خلال الواردات عبر المناقصات الدولية.
في عام 2020، كانت مصر أكبر مستهلك للقمح الأوكراني حيث استوردت أكثر من 3 ملايين طن، ما يقرب من 14٪ من إجمالي إنتاج القمح الأوكراني. كما اشترت مصر 8.9 مليون طن قمح من روسيا عام 2020.
ومن المتوقع أن يصل استهلاك مصر من القمح لعام 2021-22 إلى 21.3 مليون طن، وهي زيادة قدرها 2.4٪ تقريبا عن 2020-2021، وفقا لخدمة الزراعة الخارجية الأمريكية.
من المحتمل أن يؤدي اضطراب صادرات روسيا وأوكرانيا إلى خفض حجم التجارة على الصعيد العالمي وبشكل خاص لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي واحدة من المنطقتين الأكثر اعتمادًا على القمح المستورد (بعد أفريقيا جنوب الصحراء).
- وهل يؤثر ذلك على الدين العام؟
توضح بيانات حديثة من البنك الدولي أن أسعار القمح والذرة قفزت مع بداية الأزمة بنسبة 4 إلى 6 في المائة.
وقد يؤدي ارتفاع الأسعار العالمية لهذه السلع الأولية إلى تفاقم العجز في الحسابات المالية والجارية المرتفعة بالفعل في تلك البلدان التي تأثرت مباشرة من الصدمة.
وهذا بالفعل قد يشكل ضغوطًا إضافية على المستويات المرتفعة بالفعل للدين العام. وعلاوة على ذلك، فإن هذه البلدان لديها مساحة ضئيلة للتحرك في السياسات المالية والنقدية كي تواجه التداعيات، لا سيما في حال تحقق السيناريو الأخطر وهو انهيار الصادرات الروسية والأوكرانية.
ومن المحتمل أن تؤثّر اضطرابات تدفّق الحبوب من منطقة البحر الأسود في الأسعار. وقد تواجه أوكرانيا وروسيا وكازاخستان ورومانيا، وهي الدول المصدّرة الرئيسة للحبوب من موانئ البحر الأسود، اضطرابات بسبب الصراع الروسي الأمريكي على الحدود الأوكرانية أو العقوبات.
وقد يؤثّر في أسعار القمح مستقبلًا. إذ تعدّ روسيا أكبر مصدّر للقمح في العالم، بينما تتوقع أوكرانيا أن تصبح ثالث أكبر مصدّر للذرة في العالم بموسم 2021- 2022، ورابع أكبر مصدّر للقمح.
- برأيك ما هي الآثار المتوقعة على سوق النفط الغاز؟
روسيا هي واحدة من أكبر منتجي ومصدري النفط في العالم (13 في المائة من إنتاج وصادرات النفط الخام على مستوى العالم)، فإن انخفاض صادراتها يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط.
وبعد فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا، ارتفع سعر خام برنت في شهر مايو 47 سنتًا ووصل الى 106.92 دولار للبرميل.
وترى بعض التقديرات أن ارتفاع الأسعار في حدود 30 دولارًا للبرميل محتمل في ظل سيناريو حدوث صدمة شديدة في العرض. وربما تشهد البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لاسيما الكويت والعراق والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران، ارتفاعًا في عائدات صادراتها.
أمّا زيت الوقود، فروسيا هي أكبر مورد لأوروبا بقرابة 9 ملايين طن خلال العام الماضي.
وتتراوح شحنات زيت الوقود عالي الكبريت الروسي إلى آسيا وأفريقيا وأميركا الشمالية والشرق الأوسط بين 3 ملايين و3.5 مليون طن عام 2021.
وحال تعطّل إمدادات خام الأورال الروسي ستصبح قدرة المصافي الأوروبية على إنتاج زيت الوقود عالي الكبريت محدودة، وسيعوق ذلك قدرة المصافي الأوروبية على زيادة إنتاج الديزل باستخدام وحدات التكويك، إذ تشتري الكثير من المصافي كميات متزايدة من زيت الوقود الروسي لاستخدامه مادةً وسيطةً في التكويك.
- وكيف ستجد أوروبا البديل بعد وقف صادرات روسيا؟
تمثّل الإمدادات الروسية من 50% إلى 60% من الواردات الأوروبية بنحو 4 ملايين إلى 6 ملايين طن شهرًا من الديزل وغيرها من المشتقات الأخرى، تليها السعودية التي تمثّل 10-20% من الواردات، بينما تمثّل الهند 5-15%، وفي حالة فرض عقوبات على الصادرات الروسية، ستحتاج أوروبا إلى مضاعفة وارداتها من السعودية والهند 3 أضعاف لتعويض النقص.
كما وتعدّ روسيا المورد الوحيد لزيت الوقود الناتج عن التقطير التفريغي إلى أوروبا، ومن المتوقع أن تعاني المصافي لاستبدال هذه الإمدادات، وسيتعذّر تعويض أيّ نقص في الديزل عن طريق تشغيل أجهزة التكسير الهيدروجيني بمعدلات أعلى.
وتعد السعودية، ثاني أكبر مصدّر في العالم لزيت الوقود الناتج عن التقطير التفريغي مع شحن 1.72 مليون طن عام 2021، لكن الإمدادات السعودية ستقلّ مع بدء عمل الوحدات الثانوية في مصفاة جازان الجديدة، التي تبلغ قدرتها الإنتاجية 400 ألف برميل يوميًا.
- وهل هناك أي تحركات أوروبية لتدارك هذه الأزمة ؟
بادرت الولايات المتحدة بالتواصل مع منتجين للغاز الطبيعي كقطر واليابان والجزائر لحثهم على زيادة الإمدادات لأوروبا لتعويض احتمال توقف الإمدادات الروسية، لكن المحللين في السوق يرون أن تلك الجهود قد لا تفي باحتياجات أوروبا من الطاقة في حال اندلاع صراع عسكري في أوكرانيا.
وكانت بعض دول جنوب المتوسط مثل مصر بدأت في زيادة إمدادات الغاز الطبيعي منها إلى دول أوروبا، لكن يظل ذلك في نطاق ضيق لأن أغلب الإنتاج متعاقد عليه مسبقًا في عقود متوسطة وطويلة الأجل.
وعلى الرغم من أن الشركات العاملة في الجزائر مثل "إيني" و"توتل إنرجي" قد ترحب بالاستجابة للطلب الأميركي وزيادة إمدادات الغاز لأوروبا، فإن أقصى ما يمكن أن تفعله هو إضافة نحو سبع مليارات متر مكعب سنويًا لإمداداتها الحالية.
كما وسيدفع الأوروبيون الثمن الأكبر في الصراع الروسي الأوكراني، لا سيما أن القارّة العجوز تعتمد على إمدادات الغاز الطبيعي الروسية بنحو 40%. وتعدّ شبكات خطوط الأنابيب مشكلة كبيرة في هذا النزاع، فأوكرانيا تمثّل جزءًا رئيسًا من شبكة خطوط الأنابيب لتوزيع إمدادات الغاز الطبيعي في جميع أنحاء أوروبا.