في العدد «44» من مجلة ذاكرة الفنون والتي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب يقدم الناقد أحمد عبد الفتاح رؤية نقدية عن أحد أهم رواد الفن التشكيلي من الجيل الأول وهو الفنان راغب عياد، حيث يلقي العدد الضوء على دور راغب عياد في الفن التشكليلي والحركة الفنية التشكليلة المصرية، باعتباره نقطة تحول في مسار الحركة الفنية الحديثة في مصر.
حيث يضم العدد أغلب المقالات النقدية والدراسات البحثية التي تناولت أعمال راغب عياد ودوره وأسلوبة الفني خاصة فيما يتعلق باستلهام جماليات "الموضوع الشعبي الجمعي" وفنون الرسم في الحضارة المصرية القديمة.
ويقول أحمد عبد الفتاح في مقدمه العدد: يُعد راغب عيادة فنانًا رائدًا على مستويات عدة فهو من أوائل الفنانين المنتسبين إلى مدرسة الفنون الجميلة، عند إنشائها لأول مرة، كما أنه صاحب أول مبادرة تعاون لاستكمال الدراسة بالخارج مع زميله يوسف كامل، وهو أيضًا أحد أفراد البعثة الأولى التي أوفدت من الحكومة المصرية إلى روما للالتحاق بالمعهد العالي للفنون الجملية، وهو أول من طالب بإنشاء أكاديمية مصرية في روما للفنون الجميلة على غرار المقامة هناك من دول كثيرة. وتميز راغب عياد بلالمعالجة الفنية للموضوعات الشعبية على اختلاف صورها، فكان بذلك من أول من قاموا بتمصير الفنون الجميلة ليكون استاذًا لكل من أتي بعده يتخذ من الموضوعات الشعبية والقومية والاجتماعية مادة للوحاته.
فقد لعب راغب عياد دورًا كبيرًا حيث استطاع هذا الجيل من الفنانين أن يخطو خطواتهم الأولى نحو إرسائهم لقواعد الفن المصري الحديث، من خلال تأسيس جمعية محبي الفنون الجميلة، وان يثبتوا للعالم أجمع أنهم كانوا قادرين على تولي هذه المهمة الشاقة، وأن مصر بها من المواهب ما تستيع أن تضعها مرة أخرى في مصاف الدول الكبرى في المجال الفني.
البعثة التبادلية
من أهم المبادرات التي قام بها راغب عياد هي التفكير في السفر للخارج، فكان حبه وشغفه للفن وتعلمه لا حدود له، لكن كان يقف أمامه دائمًا العائق المادي الذي يكفي لتغطية تكاليف هذه الرحلة التعليمية الباهظة التكاليف، وكيف يحقق هذا وهو يعمل مدرس رسم، ففكر «عياد» مع زميله وصديقه «يوسف كامل» حيث كان يعملان في هذا الوقت مدرسين رسم بأحد المدارس ولكن حلم السفر إلى روما كان يسيطر على شغفه وعقله، ففكر معه أن يقوم أحدهما بالعمل في المدرستين معًا ويسافر الآخر للتعلم والدراسة في أيطاليا، حتى ينهي الأول دراسته ويعود إلى مصر ليحل محل صديقه ويسافر الآخر ليكمل دراسته.
هذه الفكرة الشاقة التي علت كل منهما يضحي من أجل الآخر حتى يكملا دراستهم وتعلهم وبالفعل اتفق الصديقين على أن يسافر «يوسف كامل» أولًا إلى إيطاليا، ويعمل راغب عيادة في المدرستين معًا، وظل عياد في مصر يعمل بالمدرستين ويقوم كل شهر بإرسال راتب يوسف كامل له في إيطاليا حتى يكمل دراسته، وعندما انتهت مدة دراسة يوسف كامل سافر "عياد" في الأجازة الصيفية إلى غيطاليا وقضى الصديقين معًا مدة الإجارة هناك حتى قادتهم الصدفة لمقابلة سعد زغلول والذي عرف حكايتهما، هذه القصة التي أصبحت حديث الصحف والمجلات الأجنبية والمصرية والتي تعبر عن مدى عمق مشاعر التبادل والصداقة والإخوة والووفاء بالدين بين زملين كانا معًا في مدرسة فنية واحدة، في وقت كان الاستعمار يحاول فيها التفرقة بين المسلمين والأقباط في مصر، ليخلد راغب عياد ويوسف كامل معاني التسامح والتأخى بين المسلمين والاقباط في مصر، ومعاني الإثار والتضحية من أجل العلم والتطور.