تُعد عملية توثيق الفن التشكيلي في مصر من الإشكاليات المُلحة والذي يحاول الفنان والناقد التشكيلي عز الدين نجيب حلها من خلال سلسلة «ذاكرة الفنون» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في أعداد شهرية تتحاور وتسرد حكايات ورحلات الفنانين التشكليين في مصر.
مجلة «ذاكرة الفنون» تعرض أهم محطات الفنانين التشكيليين ولوحاتهم الفنية من خلال رؤية نقدية عميقة تعطي كل فنان حقة النقدي، وصدر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عددين من مجلة «ذاكرة الفنون» التي يرأس تحريرها الناقد والفنان التشكيلي عز الدين نجيب ومدير التحرير محمد عزت، وتناولت اثنين من الجيل الأول في الفن التشكيلي في مصر وهما الفنانة التشكيلية جاذبية سري، والفنان راغب عياد رائد الحركة.
العدد «46» يحمل عنوان «جاذبية سري.. مسيرة الالتزام والتمرد» بقلم عز الدين نجيب وهي دراسة نقدية عن أعمال الفنانة التشكيلية جاذبية سري أحد رموز الفن التشكيلي في مصر.
عالم جاذبية سري
ويحاول عز الدين نجيب خلال دراسته النقدية أن يجيب على مفتاح الدخول لعالم جاذبية سري إذ يقول: «إنها فنانة تتمتع بروح متوثبة عبر المكان، كعصفور طليق في الفضاء ينمدفع في مخاطرة محسوبة- من حقل إلى شجرة، ومن عمود كهرباء إلى أسلاك برق، كانت في معارضها المتلاحقة- بسرعة تفوق فنانًا شابًا- تسعى إلى الفعل والإنجاز أكثر مما تسعى إلى البحث والفلسف، لا تطرح على نسها أو علينا عن الحياة والبشر، لكن معارضها كانت غجابات ضمنية لأسئلة أم تطرح عن الزحام والاختناق، عن الحواري والشرفات، عن البحر والصحراء، عن الزهور والالوان، نبض الحياة المتدفق في تيار يتفجر بالصخب» .
الواقعية التعبيرية
ويتابع "عز الدين نجيب" متحدثا عن عالم جاذبية سري المتدفق واصفًا هذا العالم بـ «الواقعية التعبيرية» إذ يقول: "هي في جوهرها فنانة واقعية تعبيرية على امتداد مراحلها الفنية، مهما بدا من شططها نحو التجريد وما يبدو أنه تعبير عن نزعة شكلانية، إن رحلتها الطويلة بكل أساليبها لم تفارق الغنسان لحظة، فهي رحلة تتراوح بين داخله وخارجة، بين الكلي الجزئي في حياته ومصيره الإنساني، إنها غالبا تنزع عنه القشرة الخارجية، أو الحائط الرابع، لتبدو لنا حياته الداخلية وكأننا في مسرح تتصاعد فيه الأحداث، ومن هنا يبدو لنا عالمها ممزقًا متصارعًا وعنيفًا، حتى لو كان الموضوع عن الطبيعة أو في البحر أو في الصحراء، فما نراه ليس إلا إسقاطًا لعالم الفنانة الداخلي، وهو عالم شديد الانتماء للبيئة والواقع وللدراما الإنسانية أيضًا.
فعالم جاذبية سري يمكن تلخيصه في كلمتي «الواقعية التعبيرية» وهو ما يراه أنه ظلم كبير لها لأن ما تحمله أعمالها همًّا أكبر مما يبدوا على السحط، وله أبعاد وظلال كثيرة، وانها عملت على إحياء خصائص الهوية القومية وملامح العادات التقاليد المصرية لما تمتلكه من موهبة التلاعب بالعلاقات التشكيلية لظواهر الطبيعية والمخلوقات والأشياء، والجراة في هدم تلك العلاقات وإعادة بناءها وتشكيلها بعقلية تحليلة تركبية، وخلق أشكال وعلاقات جديد لواقع مبتكر، كما أنها تمتاز أيضصا بموهبة التأمل والحكمة واختزال المعاني والحقائق. فقد اجتمعت عدة صفات باعمال جاذبية سري وهي التعبير الباطني عن الذات والالتزام الاجتماعي القومي والتشكيل الابتكاري التحليلي والاختزال العقلاني لرموز ودلالات تتسم بالحكمة وكل ذلك تجمعت في شخصية جاذبية سري.
جاذبية سري وبيكاسو
ويربط الناقد والفنان التشكيلي «عز الدين نجيب» بين عالمي جاذبية سري وبابلو بيكاسو فيقول أن ما جعل كل تلك السمات تصبح ممكنة لجاذبية سري هو نفس الامر الذي جعله ممكنا لبابلو بيكاسو، وهو امتلاكها قدرًا هائلاً من الخيال الطفولي ومن الحيوية والتلقائية ومن الفطرة بحالات الوعي وحالات الوجد وحالات الإشراق الصوفي، كما تشترك جاذبية سري مع بيكاسو أيضصا في تهيئها لحل تلك المتناقضات وتتحول من شكل إلى آخر، وهي أنها كانت معدة فولاذية قادرة على هضم كل ما تدركه من اتجاهات الفن الحديث، سواء من زملائها في مصر أو من الفن العالمي، وإفرازه بشكل جديد مبتكر ينتمي إليها.