أصبحت مصر في مصاف الدول العربية التي تنبهت مؤخرًا لأهمية الاتصال السياسي وإتباع سياسات تسويقية منظمة نظرًا لدورها المحوري في تكوين الصورة الذهنية للدولة وتحسينها خاصة منذ صعود قيادة سياسية جديدة للحكم بعد ثورة 30 يونيو، وهو ما تجلى في الاهتمام بأدوات الإعلام الجديد كأحد أهم قنوات التأثير والتي ظهرت من خلال الحرص على وجود صفحات رسمية لأجهزة الدولة المختلفة وللقيادة السياسية ذاتها على منصات التواصل الاجتماعي؛ والتي كان بعضها قائم بالفعل ولكن تم تفعيله ومنها ما تم استحداثه بعد فترة مثل الصفحة الرسمية للمتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية والتي تم إنشائها في 8 مارس 2017. وكان آخر وأبرز مظاهر اهتمام الدولة بالانترنت كأداة للتأثير هو تدشين أول موقع إلكتروني خاص برئاسة الجمهورية والذي تم إطلاقه في إطار الاحتفال بالذكرى السابعة لثورة 30 يونيو.
كذلك الاهتمام مؤخرًا بعدة أنواع مختلفة من الترويج واستخدام القوة الناعمة المصرية سواءً محليًا أو دوليًا لمخاطبة العالم والتعريف بـ"الجمهورية الجديدة"، فأصبح "التسويق السياسي" أحد المعابر للجمهورية الجديدة للتعريف بملامح مصر الجديدة. وتتنوع الأساليب الترويجية على كافة المستويات سواء من خلال: الدبلوماسية الرئاسية أو من خلال الفاعليات الهامة من مثل منتدى شباب العالم أو الافتتاحات السياحية الهامة من مثل موكب المومياوات الملكية وإفتتاح طريق الكباش، بالإضافة إلى تنظيم المسابقات الرياضية إقليميًا وعالميًا أو من خلال الأعمال الفنية سواء دراما أو سينما، هذا فضلًا عن الخطاب السياسي وتطوره من حيث القضايا التي يتم تناولها. ويستعرض المقال في جزئيه تحليل لاستراتيجية الاتصال السياسي للدولة المصرية من حيث المفاهيم والآليات المتبعة.
أولًا: المفاهيم التي ارتكزت عليها الاستراتيجية الاتصالية:
وتنقسم الدعائم والمفاهيم التي ارتكزت عليها الاستراتيجية الاتصالية مع الجمهور إلى فترتين وفقًا للولايات الرئاسية للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ فترة الولاية الرئاسية الأولى وفترة الولاية الرئاسية الثانية.
1- الولاية الرئاسية الأولى بعد 30 يونيو:
من خلال تحليل الخطاب السياسي والاتجاه العام للدولة، نجد أن هناك عدة قضايا اهتمت بها الدولة والتي تجلت في الخطابات الرئاسية أو المشاريع التنموية القائمة. حيث كانت المواضيع الأولى على أجندة مؤسسة الرئاسة والقيادة السياسية هي:
• إعادة بناء مفهوم الدولة، والحرص على تماسك نسيجها؛ فقد مرت مصر بأحداث سياسية متتالية، وكان هناك حالة من عدم الاستقرار في الشارع السياسي، واختلاط للمفاهيم والثوابت التي من شأنها أن تمس كيان الدولة المصرية ككل. ومن منطلق الوطنية والإحساس بالمسئولية من قِبل القيادة السياسية المتمثلة في السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، كانت الأولوية لإعادة بناء مفهوم الدولة؛ للحفاظ على ترابط وتجانس الشعب المصري وحتى لا نكون الوجه الآخر لعملة العراق وسوريا وليبيا وغيرها من الدول التي تفككت إلى يومنا هذا والتي نجحت الأجندات الأجنبية في النيل من استقرارها.
• القضاء على الإرهاب؛ حيث واجهت مصر العديد من التحديات خاصة بعد ثورة 30 يونيو، وأبرزها هو "الإرهاب"؛ فقد دخلت مصر حرب ضارية في مواجهته، ووفقًا للمتحدث العسكري فلم يتقصر الأمر على الجوانب الأمنية فقط، بل تطرق للجوانب الاقتصادية أيضًا، حيث كان التحدي الأكبر هو محاولة الإرهابيين للنيل من المشاريع التنموية سواء في سيناء أو غيرها. كما ذكر أيضًا أن جهود مصر للقضاء على الإرهاب ستُدرَّس في الأدبيات العسكرية لسنوات.
2. الولاية الرئاسية الثانية:
بعد حالة الاستقرار التي شهدتها مصر، تبدَّلت الأولويات لتستكمل مصر رحلة البناء والبقاء، حيث كانت الأولوية لكل من:
• تصحيح المفاهيم "معركة الوعي"؛ حيث أصبح بناء الإنسان ومفاهيمه واستعادة الهوية المصرية ثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا، أحد الأولويات خلال فترة الولاية الثانية والذي ظهر بشكل كبير في استغلال مصر لقوتها الناعمة كما سيتم الذكر في الاستراتيجيات المتبعة من قِبل مؤسسة الرئاسة والمؤسسات الرسمية للدولة.
• المشاريع التنموية؛ فبمجرد ذكر "الجمهورية الجديدة" يتبادر إلى الأذهان مسار التنمية الذي تتبعه الدولة المصرية على كافة المستويات اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا وصحيًا وعسكريًا واجتماعيًا، لتسترجع مصر مكانتها المعهودة وسط محيطها العربي والإفريقي والدولي.
يتبع...
آراء حرة
الاتصال السياسي نحو الجمهورية الجديدة (1)
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق