يعد الشيخ خالد تقي الدين، رئيس المجلس الأعلى للأئمة والشئون الإسلامية بالبرازيل، واحدا من أبرز الشخصيات التي تتولى العمل الدعوي هناك، كما أنه من المطلعين على تطورات العمل الإسلامي في أمريكا اللاتينية منذ ثمانينيات القرن الفائت، من مواليد مدينة بلطيم محافظة كفر الشيخ، حاصل على الليسانس من كلية الدعوة وأصول الدين الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وتم تكريمه من قبل بلدية "غواروليوس" بمنحه درجة المواطنة نظرا لجهوده في نشر مبادئ السلم الاجتماعي ومساعدة أبناء المجتمع البرازيلي.
"البوابة نيوز" التقت تقي الدين، في حوار لدى زيارته للقاهرة، وألقى تقي الدين، خلال الحوار، الضوء على المهام الدعوية لخدمة الجالية المسلمة، التي يمارسها المجلس، مشددا على ابتعاد جميع أنشطته عن السياسة، وإلى التفاصيل.
في البداية نود التعرف على المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ودوره؟
مجلسنا تأسس عام 2006، باسم المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية، وحصل على الإجازة القانونية بعدها بـ4 سنوات، وهو يضم علماء وشيوخ المذهب السني في البرازيل، من الدعاة المحليين والمبتعثين من مختلف الدول الإسلامية، ويهدف المجلس إلى الاضطلاع بأمور المسلمين في البرازيل، باعتبارها من أكبر الدول اللاتينية، وأكثرها احتواء على مسلمين، من كل دول العالم، فضلا عن البرازيليين أنفسهم.
وماذا عن أبرز أهداف المجلس؟ وهل تمارسون أدوارا سياسية؟
نستهدف الرد على أسئلة المسلمين، وإصدار الفتاوى في الأمور المستجدة، والتعريف بالدين الإسلامي، والاهتمام بوضع الدعاة في البرازيل، وتنمية مواهبهم، والإصلاح بين الناس، وغيرها من الشؤون الدعوية، أما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال، فأود التأكيد على أن مجلسنا بعيد تماما عن أي أنشطة سياسية، ولا علاقة لنا بها من قريب أو بعيد، والمرجعيات الإسلامية للمجلس، الأزهر الشريف ووزارات الأوقاف في الدول العربية والإسلامية، ورابطة العالم الإسلامي ودار الفتوى اللبنانية.
حدثنا عن زيارتكم لمصر؟ والقوة المصرية الناعمة وأثرها في الجالية العربية في دولة البرازيل؟
حضرت للمشاركة في مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية " والذي كان بعنوان عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي"، وأنا أرى أن وجود وفود من علماء ومفكري 50 دولة بين مسلم ومسيحي، علامة هامة في بيان أهمية الدور المحوري الذي تقوم به جمهورية مصر العربية، وهو جهد متميز يضاف إلى الجهود الجبارة التي يقوم بها وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة.
ولما لجمهورية مصر العربية من فضل على المجتمع المسلم في دولة البرازيل، أحببت أن ألقي نظرة على نموذج فريد ساهم في إعلاء شأن المواطنة وتبنته القوى المصرية الناعمة، وكان له عظيم الأثر في دولة البرازيل وأمريكا اللاتينية، ألا وهو قصة بناء مسجد البرازيل أول مساجد أمريكا اللاتينية. ولقد تحدثت فى المؤتمر الذى شرفت بحضوره وتمثيل دولة البرازيل فيه .
لقد ساهم المسلمون والمسيحيون في المهجر في وضع حجر الأساس لبناء هذا المعلم الديني، وفي ذلك اليوم المشهود أشار وزير مصر المفوض في البرازيل محمد صادق أبو خضرا إلى هذا الإخاء الطائفي الجميل في المهجر إذ قال: “ إن الكاتدرائية والجامع وكل معبد عربي في المهجر إنما هي من قبل كل شيء آثار لحفظ لغتنا العربية وإحياء عواطفنا الوطنية”.
وكان تشييد مسجد البرازيل يمر بصعوبة بسبب قلة الموارد خلال نهايات الأربعينيات كان حجم المشروع كبيرا وكان أغلب أبناء الجالية من التجار البسطاء ولكنهم ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء وكان لمصر دور كبير فى بنائه.
كيف توطدت العلاقات المصرية البرازيلية فى عهد الرئيس عبدالناصر؟
فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بدأت الجمهورية العربية المتحدة تولى اهتماما خاصا بمسلمي البرازيل، وكان أول أهداف هذا التواصل هو الانتهاء من بناء مسجد البرازيل لما له من أهمية خاصة في جمع كلمة المجتمع المسلم، وتم ذلك من خلال توجيه الدعم المادي اللازم للانتهاء من عمارته وزخرفته حسب أعلى المعايير الثقافية العربية والإسلامية.
ومن أجل إنجاز هذه المهمة على أكمل وجه، تم ابتعاث الدكتور عبد الله عبد الشكور كامل رحمه الله بتاريخ 29 أكتوبر 1956 إلى دولة البرازيل، لرعاية الشؤون الدينية والثقافية للجالية العربية بشكل عام والجالية المسلمة بشكل خاص، كان رحمه الله رجلا من طراز فريد، جمع علوم الشريعة واللغة، وحباه الله روحا قيادية، استطاع من خلالها أن يترك بصمته، ويرفع من شأن الجالية المسلمة ويجعل لها اسما واحتراما في كل أمريكا اللاتينية، وبعد مخاطبات مع القيادة فى مصر، وتم اتخاذ القرار بتوفير ميزانية خاصة للتشطيبات النهائية، واتخاذ كافة التدابير لتقوية شأن المسلمين في البرازيل.
كذلك قدمت مصر الثريات والنجف الشرقي حتى يظهر المسجد كأثر عربي رائع وحيد بأمريكا الجنوبية يليق بعظمة بيت الله، وتم تكليف مصلحة المساحة المصرية بإعداد تقويم زمني لخدمة مسلمي البرازيل بمواقيت الصلاة وإمساكية شهر رمضان المعظم لمدينتي ساو باولو وريو دي جانيرو.
وتم تقديم مجموعة من الأفلام الدينية والثقافية تتناسب مع القيم الدينية، لكي يستخدمها شباب المسلمين في نواديهم الثقافية وحفلاتهم العائلية ومواسمهم الدينية، وكذلك مجموعة من اسطوانات القرآن الكريم والتواشيح الدينية والأذان الشرعي، والأغاني الوطنية والقومية، ومجموعة من الأعلام والشارات التي تستخدم في المناسبات الدينية والاجتماعية والقومية.
صفحات رائعة من تاريخ مسيرة العطاء المصرية التي ساعدت وساهمت في جمع كلمة المسلمين وتقديم الدعم لهم في شتى بقاع الأرض
كم عدد المؤسسات الإسلامية في البرازيل؟
في الحقيقة لا نمتلك إحصاء دقيقا لأعداد المؤسسات الإسلامية في البرازيل، لكنها تتجاوز 100 حاليا
شهدت السنوات الأخيرة أعمالا إرهابية متنوعة في عدد كبير من دول العالم ارتكبتها جماعات منتسبة زورا للإسلام فكيف ترى أثر ذلك على انتشار الإسلاموفوبيا في البرازيل؟
تأثر المجتمع البرازيلي بهذا الأمر ليس كبيرا حتى الآن، لكننا نلاحظ تصاعد لنغمة الخوف من الإسلام، وهناك بالفعل قلة بدأت تمارس مضايقات ضد المسلمين والمسلمات في بعض المناطق بالبرازيل.
وما المطلوب من المسلمين في المهجر من أجل توضيح حقيقة الإسلام ومواجهة التطرف؟
المجلس مهتم بمتابعة هذه الظاهرة التي تسيء إلى الإسلام والمسلمين، ونسعى لمحاربة التطرف من خلال نشر المعرفة بدين الإسلام، وقد ظهرت – على صفحات الإنترنت في الفترة الأخيرة – دعوات من بعض معتنقي الإسلام في البرازيل تدعو وتحض على الكراهية داخل المجتمع البرازيلي، وهذه ظاهرة جديدة على ميدان الدعوة في البرازيل، ومن ثم بدأنا في المجلس إجراءات للتحذير منها؛ لأنها لا تمت للإسلام بصلة، ويجب على من يعتنق الإسلام أو مَن نشأ في الإسلام أن يتعلم قبل أن يتكلم.
نجد أحيانًا بعض من يعتنق الإسلام يزعم أنه شيخ، ويقوم بترجمة بعض مقتطفات من الفتاوى التى تثير الكثير من اللغط داخل الجالية بدون علم ولا معرفة، مع أنه لم يمر على اعتناقه الإسلام إلا أيام معدودات .
لذلك ظاهرة التطرف نحن نحذر منها، وسنتخذ الإجراءات المناسبة علميا وقانونيا داخل البرازيل للقضاء على هذا التطرف الذي لا يمثل إلا نفسه، ولا يخدم الإسلام ولا المسلمين، بل أزعم أن بعض الأشخاص ممن يقومون بهذه الأدوار ربما يكونون مدفوعين من جهات استخبارية للقضاء على أبناء الجالية المسلمة؛ لذلك يجب الحذر.
ما الدور الذي يقوم به الأزهر الشريف وزارة الأوقاف للجالية داخل البرازيل؟
نحن نثمن دور الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف المصرية، فأول داعية وصل إلى البرازيل هو الدكتور عبدالله عبد الشكور كامل، وكانت في العام 1958 ووزارة الأوقاف المصرية لها 12 مبعوثا، والأزهر له مبعوث دائم لمدة 3 سنوات ثم يتغير، وفي شهر رمضان من كل عام يأتينا 12 مقرئا للقرآن الكريم.
وما مدى الحريات المتاحة للمسلمين هناك؟
نظام الحكومة البرازيلية يكفل حرية الأديان، والدعوة إليها، ونشرها، وتساعد الحكومة البرازيلية المؤسسات الإسلامية التي تريد بناء مساجد أو مدارس بمنحها أرضًا مجانية لإقامة مشاريعها عليها.
وأصدر برلمان ولاية "ساوباولو" قرارا باعتبار يوم 12 من مايو من كل عام يوم للإسلام.
وأيضا أصدر برلمان البرازيل قرارًا باعتبار يوم 29 من نوفمبر من كل عام يومًا للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
أما بالنسبة لحرية المرأة المسلمة، فهي تتمكن من وضع صورتها بالحجاب في الهوية وجواز السفر، وهذا حق يكفله الدستور البرازيل
ويشكل المنحدرون من أصول عربية ما بين 10 إلى 12 مليون نسمة (بينهم ما بين المليون والنصف المليون مسلم)، من مجموع سكان البرازيل البالغ نحو 200 مليون نسمة، فهؤلاء كان لهم دور أساسي في نهضة اقتصاد البرازيل، وكذلك في صعودها السياسي؛ حيث يوجد كثير منهم في البرلمان البرازيلي، وكثيرون منهم رؤساء بلديات.