السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

إرث الحرب الباردة يشعل الصراع في أوكرانيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شكلت أوكرانيا نقطة السخونة خلال الحرب الباردة بين روسيا والغرب. ويرى بوتين أن واشنطن تستخدم الحكومة الأوكرانية الحالية كوكيل للمصالح الأمريكية والغربية ونقطة انطلاق لزعزعة أمن بلاده واستقرارها. كما ينظر إلى الناتو على أنه أداة للاحتفاظ بهدف الحرب الباردة المتمثل في احتواء روسيا. وعندما أصبح توسع الناتو تهديدا مباشرا على حدوده، سعى بوتين في المقابل إلى إنشاء منطقة عازلة خاصة به، مثلما فعل الزعيم السوفيتي السابق جوزيف ستالين ردًا على المساعدة الأمريكية لأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ولتوطيد مجال نفوذ روسيا في أوروبا الشرقية. وبعد أن كانت أوكرانيا جمهورية سوفياتية خلال الحرب الباردة، أصبحت خلال العقد الأخير بعد استقلالها وتفكك الاتحاد السوفياتي خط المواجهة الرئيسي في شد الحبل بين روسيا والغرب. من خلال الإصرار على سحب الناتو لقواته وأسلحته من دول الكتلة السوفيتية السابقة، يود بوتين إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بالتحديد إلى منتصف التسعينيات، قبل أن يتوسع الناتو في دول أوروبا الشرقية. ولتحزيم هذا التوسع، قام الروس بضم شبه جزيرة القرم في مارس 2014، ودعموا الانفصاليين الأوكرانيين في شرق البلاد، والذي يعرف باسم دونباس، واعترفوا قبل أيام باستقلال منطقتين في الإقليم هما دونيتسك ولوجانسك. كل ذلك بهدف منع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو الذي لا يسمح للدول بالانضمام إلى الحلف إذا كان لديها نزاعات إقليمية لم يتم حلها.
مخاوف بوتين لا تخلو من حجج ترتكز عليها خطة الدفاع عن مصالحه، حيث يخشى أن يمتد الزخم لدعم أوكرانيا "ديمقراطية ومزدهرة وآمنة" إلى روسيا وحلفائها فيغذي التحديات الداخلية بها مما يقلص سلطة بوتين. ومن هنا جاء تعجيله بشن هجوم على أوكرانيا لوقف امتداد ذلك الزخم إلى روسيا. 
ولعل مراجعة نتائج الحرب الباردة أمر مهم لفهم الصراع الحالي خاصة كون إرثها يشكل ملامح سياسة الرئيس الروسي تجاه أوكرانيا. 
كانت الحرب الباردة صراعًا عالميًا بين الولايات المتحدة والرأسمالية الغربية ضد الاتحاد السوفيتي والشيوعية. وبدأت منتصف الأربعينيات بعد أن خرجت الدولتان من الحرب الثانية كقوى عظمى معتبرة كل طرف تهديدًا مباشرًا لوجود الثاني. وخلال الحرب العالمية الثانية، تعاونت القوى الرأسمالية لهزيمة ألمانيا النازية. بعد الحرب، بدأ الاتحاد السوفيتي سيطرته على أوروبا الشرقية - بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا والمجر وبولندا ورومانيا - التي حررها الجيش السوفيتي من النازيين. ودعّم ستالين الشيوعيين المحليين وأرهب خصومهم. إدارة الرئيس الأمريكي هاريترومان اتهمت ستالين بخيانة اتفاقية مؤتمر يالطا وقعاها في زمن الحرب لاحترام الديمقراطية الأوروبية. وأكثر ما أثار رعب الأمريكيين احتمال أن يتردد صدى الأيديولوجية السوفييتية لدى الأوروبيين والألمان الذين كانوا يكافحون من أجل التعافي من الحرب. وخشي صانعو السياسة الأمريكية من أن الجماهير الساخطة قد تنتخب حكومات شيوعية تتحالف مع السوفيات ضد الولايات المتحدة. وسعيا لكسب القلوب والعقول، أعلن وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال عن مبادرة للمساعدة الاقتصادية لأوروبا في يونيو 1947. وأجاز الكونجرس البرنامج في إبريل 1948. قدمت خطة مارشال 12 مليار دولار للمساعدة في إعادة إعمار أوروبا خلال سنوات تشغيلها الثلاث. وانضمت الولايات المتحدة إلى حلف الناتو في أبريل 1949 لضمان أمن أوروبا الغربية ضد ألمانيا الشرقية الشيوعية. ولم ينس الاتحاد السوفيتي خسائره المهينة من الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها 27 مليون جندي ومدني روسي. وقد دعم ستالين الشيوعيين في أوروبا الشرقية لمواجهة خصومهم في ألمانيا الغربية. وأصبح لدى السوفيات منطقة عازلة من الدول الشيوعية الموالية لها لحماية نفسها من النفوذ الغربي. واشتدت أتون الحرب الباردة في أوروبا، وسرعان ما امتدت إلى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وبدأت كل قوة عظمى من القوتين تخشى حدوث انتكاسة في أي دولة نامية موالية لها يمكن أن يعطي الطرف الآخر ميزة في تلك الحرب، على الرغم من تجنب مواجهة مباشرة لقواتهما. لكن المواجهة حدثت من خلال "وكلاء" في صراعات دموية مثل حربي كوريا وفيتنام. 
وبالنسبة لأوكرانيا، التي انضمت إلى روسيا وبيلاروسيا وما وراء القوقاز في تأسيس الاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1922، فقد عانت بشدة في ظل حكم ستالين. وتسببت المجاعة في أوائل الثلاثينيات، والمعروفة باسم المجاعة الكبرى، في مقتل 4 ملايين أوكراني. ولدى العديد من الأوكرانيين قناعة بأن المجاعة مدبرة وأنها من أعمال الإبادة الجماعية لجيرانهم الروس. وعندما غزا النازيون الاتحاد السوفيتي في يونيو 1941، رحب بهم العديد من الأوكرانيين في البداية. وتعاون ستيبان بانديرا مع النازيين بهدف إقامة دولة أوكرانية مستقلة. وعندما انهار الاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991، وضع ثلث أسلحته النووية على لأراضي الأوكرانية؛ وأصبحت أوكرانيا في المرتبة الثالثة ضمن أكبر الدول النووية. لكن أوكرانيا نقلت أسلحتها النووية إلى روسيا منتصف التسعينيات مقابل وعود روسية باحترام سيادتها واستقلالها. وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا طرفين أيضًا في هذه الاتفاقية، المعروفة باسم مذكرة بودابست. وظن العالم أن الحرب الباردة انتهت قبل أكثر من ثلاثة عقود عندما توحدت ألمانيا وانهارت الشيوعية في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية. غير أن الناتو توسع بعد ذلك في 14 دولة كانت جزءًا من الكتلة السوفيتية، منها إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، الواقعة على حدود روسيا. كما أعلن الناتو في قمة بوخارست 2008 أنّ أوكرانيا وجورجيا مؤهلتان أيضا للانضمام للحلف قريبا.
وعندما أدرك بوتين أن أوكرانيا أصبحت على أهبة الاستعداد للانضمام إلى الناتو لتصبح نقطة انطلاق للولايات المتحدة لزعزعة استقرار نظامه بادر بشن الهجوم على أوكرانيا بعد يأسه من مماطلات أمريكا وأوروبا لسحب قواعدها العسكرية من الدول المجاورة لروسيا.