الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة لايت

يركضن للحرية.. فتيات العراق يتعافين من أثر الحرب وداعش بالرياضة

فتيات العراق
فتيات العراق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحد جبال كردستان بالعراق أشجار اليوسفي التي تلمع في ضوء الشمس خلال رحلة مجموعة من الفتيات المراهقات انطلقن من أربيل، عاصمة المنطقة، إلى شقلاوة، وهي مدينة تاريخية على بعد حوالي 50 دقيقة، للتسلق فوق جبل صفين القريب.
تعشن المراهقات مع عائلاتهن في أحد المخيمين الرئيسيين للنازحين داخليًا في أربيل، مخيمي بهركة وهرشم، وذلك بعد أن فروا من الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، والمدن المجاورة مثل تلعفر وسنجار، خلال اجتياح عناصر تنظيم داعش للمنطقة عام 2014.

جرى تنظيم هذه الرحلة بواسطة منظمة «Free to Run»، وهي منظمة غير حكومية تدعم وتمكن النساء والفتيات في مناطق النزاع من خلال الرياضة، وتقدم لهن تدريبًا على المهارات الحياتية، وتخلق مساحات آمنة لهن لتنمية الثقة والأصدقاء، واستعادة الفضاء العام في بلد يفتقرن فيه لحقوقهن.
ووفقا لما نشرته صحيفة «ذا أوبزيرفر البريطانية» تزيد الحرب من عدم المساواة وتجعل النساء والفتيات، على وجه الخصوص، عرضة لسوء المعاملة والاستغلال. وعاشت الفتيات فى «Free to Run» مرحلتين من الصراع: حرب أمريكا على العراق ما بين «٢٠٠٣-٢٠١١»، والحرب مع داعش فى الفترة من «٢٠١٤-٢٠١٧». لم يتعرضن فقط لصدمة النزوح من منازلهن، إلا أن كثيرا منهن فقدن أحبابا وخسرن فرصهن في التعليم. والآن هن عالقات في دائرة الفقر.
تأسست منظمة «Free to Run» عام ٢٠١٤ والمدير التنفيذي هو «تايلور سميث»، وهو مدافع أمريكى عن حقوق الإنسان انضم للبرنامج ٣٠ فتاة من مخيمات بهركة وهرشام هذا العام وحده.
قال «تايلور سميث» إنه نظرًا لأعمارهن وخلفياتهن ووضعهن الاجتماعي والاقتصادي كنازحات داخليًا، فإن الفتيات يكافحن أكثر للوصول إلى الحياة العامة والقدرة على ممارسة الرياضة والاستقلالية في أجسادهن.
فى مدنهن الأصلية، سُمح للعديد من المشاركات في البرنامج بممارسة الرياضة فقط حتى سن البلوغ، وبعد سن البلوغ تعترض المجتمعات والعائلات علي ممارستهن للرياضة بحجة أنه غير أمر غير لائق.
تقول «فايزة»، البالغة من العمر ١٥ عامًا، هي واحدة من الفتيات فى برنامج «Free to Run»، إن رياضتها المفضلة هي «الكيك بوكسينج»، وتضيف أن هذه الرياضة ليس مجرد شكل من أشكال التمارين بالنسبة لها، لكنها طريقة لعيش أحلامها، وقبل أن تسجل فى «Free to Run» قبل عامين كانت خجولة ومنطوية، لكنها الآن تقول إنها أقوى، كما يمكنها حماية نفسها.
تعيش «فايزة» فى مخيم بهركة مع ٢٧٠٠ طفل آخر، بالإضافة إلى عائلاتهم. يقع المخيم على سهل منبسط، وتعيش في المخيم منذ عدة سنوات. غادرت بلدتها عندما دمرتها «داعش». وقالت: «أشعر بالأسف على عائلتي، أتمنى الحصول على المزيد من المال حتى أتمكن من شراء منزل لهم والعيش في مدينة أربيل، لأنني لا أحب البقاء في المخيم، لكننا مضطرون، هذا هو السبيل الوحيد».
تصف بلدتها العراقية بأنها مثل السجن، وتقول إنها لا تريد العودة حتى لو استطاعت، مضيفة أن الناس هناك أكثر صرامة وتشددًا، وإذا تركت منزلها بدون حجاب، فسوف يتم توبيخها، حتى الركض - لن يسمحوا لها بالقيام بذلك، إذا عادت يومًا ما، فلن تكون قادرة على تحقيق أى من أحلامها.
فى العام الماضي، توفي والدها بسبب كورونا، كان عمره ٣٧ عامًا، وقبل ذلك تم اختطاف وقتل جدها على يد «داعش»، هي الابنة الكبرى للعائلة، ومن المتوقع الآن أن تتزوج بسرعة.
زواج الأطفال غير قانوني في كردستان - ينص القانون العراقي على أن الحد الأدنى لسن الزواج هو ١٨ عامًا- رغم أنه لا يزال شائعًا ومنتشرًا، لكن البعض يقاتل ضد هذه العادة.
كانت «شيماء»، البالغة من العمر ٢٤ عامًا، واحدة من أوائل الفتيات اللائي التحقن بـ«Free to Run». عام ٢٠١٨ طلقت من زوجها الذى تزوجته عام ٢٠١٥، وعمرها ١٧ عامًا، والذي كان مسيئًا، وكافحت «شيماء» للحصول علي الطلاق وتجنبتها عائلتها. ضربها أحد الأعمام ولكنها ثابرت، ووجدت في النهاية ملاذًا في الرياضة، وخاصة الجري، والتي فازت من خلالها بالعديد من الميداليات.
بدأت فى تشجيع النساء والفتيات النازحات الأخريات على التسجيل فى «Free to Run»، ونشر الخبر في جميع أنحاء مخيم بهركة، حيث تعيش، قبل أن تصبح مدربًا للبرنامج وتعمل مع منظمة «Save The Children» فى المشاريع المحلية. عام ٢٠٢٠، غادرت المخيم إلى شقة قريبة، وقالت فى حديثها لموقع «أوبرزيرفر»: «أشعر بالحرية عندما أركض، بعيدًا عن السجون والحرب، أشعر أنه لا توجد حدود ولا شىء يمنعنى».
تشارك تسع فتيات من برنامج «Free to Run»، بما في ذلك «فايزة» وجارتها «ليلى»، في رحلة المشي لمسافات طويلة فوق جبل سفين. صعب للغاية على الفتيات، لكن الفتيات يتجاهله ويستمر في الصعود، وتقول، مسئولة برنامج «Free to Run»، وهي امرأة كردية: «الفتيات قبل التسجيل فى (Free to Run) كن مكتئبات لكنهن بدأن يتغيرين شهرًا بعد شهر». وتقول «وفاء»، البالغة من العمر ١٦ عامًا: «تعلمنا ألا نخاف بعد الآن»، وتضيف «هبة»، البالغة من العمر ١٤ عامًا: «المشي لمسافات طويلة مثل الحياة، إنه تحدٍ، لكن من الأفضل مواجهة هذه التحديات والوصول إلى الطرف الآخر».
عاشت «هبة» فى الموصل تحت سيطرة «داعش»، ولم تغادر إلا بعد تحرير المدينة بعد معركة طويلة عام ٢٠١٧، دمر القتال مدرستها، ولم يسمح لها والديها بمغادرة المنزل. وأوضحت: «كنت خائفة لدرجة أنني شعرت أنني أريد الموت، عندما غادرت منزلي في الموصل وأتيت إلى مخيم بهركة، شعرت طوال الطريق بالخوف، لكن عندما وصلت إلى أربيل شعرت بالحرية».
«بشرى»، إحدى الفتيات الأخريات، صاخبة وتتسلق وتجري في الأرجاء، تقول المسئولة عن البرنامج إنها تعاني من فرط النشاط دائمًا وتتعرض أحيانًا لمشاكل بسبب ذلك، لم يكن لديها أي أصدقاء قبل الانضمام إلى «Free to Run». وتقول «بشرى»: «عندما كانت أمي تسألني لماذا لا تخرجين مثل الفتيات الأخريات؟ كنت أقول لا أرغب في مقابلة أي شخص، ولا حتى أقاربي، لكن أصدقائي في (Free to Run) هم أروع شىء حدث لي على الإطلاق».
«بشرى» من الموصل، وعاشت تحت حكم داعش من ٢٠١٤ إلى ٢٠١٦. قُتل والدها عام ٢٠١٦ على يد الجماعة الإرهابية بينما كان يقاتل فى الجيش العراقى. أرادت عائلة «بشرى» منها التوقف عن الدراسة والزواج من ابن عمها البالغ من العمر ١٦ عامًا، لكن «بشرى» رفضت، وأيدت والدتها القرار.
تقول والدتها: «أحاول تشجيع ابنتي على الدراسة من أجل الحصول على وظيفة جيدة في المستقبل وتصبح مستقلة»، وتضيف: «لقد تزوجت عندما كنت فى الـ١٥ من عمرى ولا أريد لابنتي أن تعيش نفس حياتى». يوجد ٢٩٤ عائلة داخل مخيم هرشام، من بينهم ٨١١ طفلًا، ليس لديهم الكثير ليفعلوه خلال النهار عندما لا يكونون في المدرسة، في الغالب يلعبون على الطرقات، صدمت السيارات الكثير من الأطفال، كما يقول «عايد علي»، مدير مخيم هرشام.
وأضاف: «انقطاع التيار الكهربائي متكرر، ولا يوجد مولد احتياطي، منذ نهاية الحرب، سحبت الكثير من المنظمات غير الحكومية دعمها من المخيم ، لذلك نحن نعاني للعيش».
وأكد أن العيش في المخيم وضع سيء، خاصة بالنسبة للأطفال، مضيفًا إنه مثل السجن، لذا، فإن الركض الحر فرصة جيدة لهم للابتعاد عن المخيم.
«عايد على» والد «تغريد»، البالغة من العمر ١٦ عامًا، انضمت إلى «Free to Run» قبل عام. تعيش «تغريد» مع والديها وشقيقتيها وأربعة أشقاء، و«تستمتع بروح الفريق»، كما تقول، وتحب الجري - يتدربون أربع مرات في الأسبوع في حديقة محلية في أربيل ويديرون سباق ١٠ كيلومترات في نوفمبر، وتأمل في خوض ماراثون أربيل في مايو ٢٠٢٢.
يقول عايد على: «لن أسمح لابنتي بالاستمرار في الجري في حال توقف برنامج (Free to Run)، ليس بسببي بل بسبب المجتمع داخل المخيم».
تصر زوجته على ضرورة إنهاء «تغريد» تعليمها المدرسى، وتقول: «لا يهمني ما يقوله المجتمع، سأجعل جميع أطفالي يواصلون تعليمهم. لا أريدهم أن يتزوجوا مبكرًا».
فيما تقول «تغريد» إنها تريد الاستمرار فى الركض مهما حدث. حتى لو كان المجتمع لا يحبنى أن أركض في الحديقة، فلا يهمني؛ أشعر بالقوة وسأواصل الجري.