قال المؤرخ المسرحي الدكتور عمرو دوارة، إن الأديب يحيى حقي لم يقدم له على خشبة المسرح سوى عمل واحد فقط تم إعداده عن روايته الشهيرة "قنديل أم هاشم"، وإن كانت قد قدمت ثلاث مرات بأكثر من رؤية فنية، حيث قدمت المعالجة الأولى عام 1962 من خلال "جمعية أنصار التمثيل والسينما"، إعداد أمينة الصاوي، وإخراج محمود السباع، وشارك ببطولتها كل من: محمد توفيق، سلوى محمود، عبدالخالق صالح، شويكار "في أول أعمالها المسرحية"، وهي نفس المعالجة التي أعيد تقديمها بفرقة "مسرح الحكيم" عام 1965، وشارك في بطولتها كل من: محمد توفيق، بثينة حسن، رشوان توفيق، أحمد أباظة، في حين قدم العرض الثالث والمعالجة الثانية بعد أكثر من 15 عاما، من خلال الفرقة المركزية للهيئة العامة لقصور الثقافة عام 1982، إعداد سيد عواد، وإخراج ماهر عبد الحميد، وبطولة: لمياء الأمير، حسن الوزير، عبدالواحد السعيد.
وأضاف دوارة، في تصريحات خاصة للبوابة نيوز، أن يحيى حقي كناقد مسرحي كتب العديد من المقالات التطبيقية التي تناول من خلالها بعض العروض المسرحية بالنقد والتحليل منها المحلية: "قيس ولبنى" لعزيز أباظة، "يوم القيامة" لصبري فهمي، وإخراج زكي طليمات، "الحائرون" لفتحي رضوان، "شفيقة ومتولي"، "المستخبي" لشوقي عبدالحكيم، أما المسرحيات العالمية منها: "دكتور كنوك" لجول رومان، "الخال فانيا" لتشيكوف، "نهاية اللعبة" لصمويل بيكت، "مشهد على الجسر" لأرثر ميللر، "قطة على سطح ساخن" لتنسي ويليامز، ويحسب للناقد فؤاد دوارة تجميعه وتصنيفه لتلك المقالات بالجزء العشرين من الأعمال الكاملة ليحيى حقي، الصادر عام 1986 تحت عنوان "مدرسة المسرح"، والذي تضمن أيضا مجموعة مهمة جدا من الموضوعات والمعلومات المسرحية، حيث تنوعت الفصول السبعة عشر بكتاب "مدرسة المسرح" بين التأريخ والدراسات ومقالات النقد التطبيقي، حيث تضمن الفصل الأول دراسة طويلة ومهمة عن علاقة العرب والمسرح، والثاني دراسة عن هواة المسرح وأنشطتهم الريادية، تضمنت بعض فصول الكتاب تأريخا لمسيرة بعض رواد وأعلام الفن المسرحي منهم: محمود مراد، صلاح الدين كامل، عباس علام، حسين رياض، فتوح نشاطي، بديعة مصابني، بالإضافة إلى تضمن الكتاب أيضا لكثير من القضايا المسرحية منها: القضية التي أثيرت بالفصل الأخير عروض "الماتينيه والسواريه" وجمهور كل منهما.
ازدهار الثقافة والفنون في عهده
وتابع: أما دوره كمنشط مسرحي حينما تم اختياره لتولي مسئولية "مصلحة الفنون"، التي تأسست عام 1955 واستمر بها حتى عام 1958، وكان هو أول وآخر رئيس لها "الرئيس الوحيد"، حتى ألغيت بمجرد تأسيس وزارة الثقافة، والحقيقة التاريخية التي سجلها كثير من النقاد والفنانين - كما أشار د. دوارة – هي أن الثقافة ومختلف الفنون قد شهدت ازدهارًا كبيرًا خلال تلك الفترة، ويكفي أن نذكر في مجال المسرح رعايته الكبيرة لكل من الفرقة المصرية الحديثة "المسرح القومي الآن"، وكذلك لفرقة "المسرح الشعبي" التي حرص على إمدادها بعدد من المبدعين الموهوبين وتعيين مجموعة من الأكاديميين خريجي المعهد العالي للتمثيل، ونجاحه في تنظيم عدة جولات مسرحية بعروضها بعدد كبير من الأقاليم، واهتمامه الكبير الذي أولاه لمختلف الفنون الشعبية بصفة عامة، ومن الأمثلة الواضحة التي تؤكد ذلك حرصه على انتاج أوبريت "يا ليل يا عين"، الذي شارك في كتابته كل من: توفيق حنا، وأحمد رشدي صالح، وزكريا الحجاوي، وأخرجه زكي طليمات، ومن بطولة نعيمة عاكف، محمود رضا، شهرزاد، محمود شكوكو، وكان هذا الأوبريت هو النواة الأولى وحجر الأساس لتأسيس فرقة "رضا للفنون الشعبية" بعد ذلك.
وأشار دوارة، إلى بعض ذكرياته المسرحية الخاصة مع الأديب يحيى حقي، فذكر أن أول حديث مسرحي قام بإعداده وهو طالب بالسنة الأولى بمدرسة الإبراهيمية الثانوية كان مع هذا الأديب، "تحت إشراف أستاذه الناقد السينمائي الراحل فوزي سليمان"، حيث اصطحب مجموعة من زملائه لمقابلة الأديب والذي استضافهم بحديقة "جروبي" وروى لهم بكل الحب ذكرياته عن بعض فرق الهواة منها: فرقة "أحمد الشامي"، التي كانت تتجول بعروضها المسرحية في كل الأقاليم، موضحا كيف كان هذا الرائد عقب انتهاء كل عرض يحرص على توظيف المسرح لتنمية الوعي وارتقاء بالمستوى الفكري للمشاهدين، فيساهم مع أبطال عروضه في تعليم جمهوره وخاصة السيدات أعمال النول، والنسيج، وبعض الحرف اليدوية مثل صناعة الصابون.
وذكر دوارة، أن أول ندوة قامت بتنظيمها الجمعية المصرية لهواة المسرح عام 1982 كانت مع الأديب يحيى حقي بقصر ثقافة قصر النيل "المقر المؤقت للجمعية آنذاك"، وأنه أثناء التحضير لهذه الندوة وتواصله مع الأديب لفت نظره لأول مرة إلى ذلك الدور المسرحي الكبير الذي قامت به فرق "مسارح الصالات" منذ بداية ثلاثينيات القرن الماضي مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية.
وقد اعترف دوارة، بأنه شخصيا استفاد من ذلك اللقاء، وكذلك من لقاءاته المتكررة مع الرائد زكي طليمات في كتابة دراسته المهمة عن مسرح "الصالات"، التي أوضح من خلالها الخطأ الشائع في اعتبارها عروض منوعات أو "الكباريهات"، وشهد هذا المسرح العديد من المسرحيات الهادفة، التي تناقش قضايا المواطن والمجتمع، مؤكدا أن "مسرح الصالات قد ازدهر خلال الفترة منذ عام ١٩٣٠ حتى ١٩٤٨، تلك الفترة أُهملت تمامًا من الذاكرة المسرحية، ولذلك فقد حرص على استكمال دراسته ونشرها في كتاب توثيقي يصدر قريبًا ويؤرخ لهذه الفترة ولأهم الفرق التي شاركت بها، وكذلك العروض المسرحية، والفنانين، والمخرجين.