الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الناقد يسرى عبدالله يتحدث حول تفكيك الخطاب النقدي عند محمود أمين العالم

الاحتفال بمئوية المفكر
الاحتفال بمئوية المفكر محمود أمين العالم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحدث الناقد الدكتور يسري عبد الله خلال الاحتفاء بمئوية الكاتب والمفكر الكبير محمود أمين العالم حول تفكيك الخطاب النقدي عند محمود أمين العالم، حيث بدأ عبد الله حديثة بتساؤل :"هل ينفصل النقد في صيغته الجديدة عن سؤال المعرفة، هل ينسلخ عن الواقع الموّار على مسارات مختلفة، هل يتجاوز كونه جملة من الإجراءات التقنية، والتصورات النظرية ذات الطابع النوعي في سياق الممارسة النقدية المختصة بمعاينة النصوص الأدبية وتجلياتها، أم أنه يتجاوز حد النص إلى حيز الخطاب، والوعي بخصائص النوع إلى استشراف تحولات الكتابة، والتعبيد لمساراتها اللانهائية".

 

وتابع عبد الله :"ربما تقودنا هذه الأسئلة، وغيرها كثير، إلى ضرورة الوعي بأن ثمة مستويات مختلفة يحملها الخطاب النقدي على تنوعه، وتعدده، فالخطاب النقدي ليس كتلة واحدة، وإنما يحمل بداخله تنويعات متعددة، وتسعى هذه الدراسة إلى تفكيك الخطاب النقدي عند محمود أمين العالم، متخذة من كتابيه ( ثلاثية الرفض والهزيمة)، و(أربعون عاما من النقد التطبيقي)، نموذجين للتطبيق، معملة آليات نقد النقد في قراءة الخطاب من الداخل، وربطه بمظانه ومصادره، والوقوف أمام بنياته الأساسية، وتجلياته المعرفية والجمالية المختلفة".


مضيفًا : “ثمة إشكاليات عديدة تواجه النقد العربي، تبدو في تجلّ منها نابعة من إشكاليات الثقافة العربية ذاتها، فالثقافة العربية ثقافة ماضوية، وسؤال الزمن فيها مشغول بالماضي أكثر من أي شيء آخر،  بينما كان رهان النقد في الغرب متغيرا باستمرار، حيث ترى الذهنية الغربية العالم في إطاره النسبي والمتحول، فالزمان والمكان في جدلهما الخلاق يتغيران باستمرار، ويطرحان قيما جديدة وتصورات جمالية ومعرفية جديدة أيضا، بينما  كان سؤال الماضي سؤالا للثقافة العربية بامتياز، فنحن مشغولون بالماضي، وكل شيء خاضع لما كان”. 


وأشار إلى إن سؤال الماضي، وليس مساءلته، أعاقنا كثيرا، وكان الانشغال بالزمن الماضي منطويا على هاجس وجودي في غياب الوجودية نفسها لأننا لا نحتفي بالفلسفة، وننطلق من تراث راكد مفاده "من تمنطق تزندق"، والماضي دائما مقدم على ما عداه حيث خير القرون هي القرون الغابرة.
أما الثقافة الغربية فكانت تتغير بتغير الزمان والمكان، ومعهما تتغير الأفكار والطروحات ولذلك كل المدارس والمناهج النقدية عاشت جنبا إلى جنب، وتجاورت فيما بينها ولم تحيا صراعا يفني أحدها الآخر، فالوعي النسبي يحمل رهانات متعددة، وبدأت فكرة الفرد تحضر مقرونة بالتفكير، وكان الشك الديكارتي ملهما في هذا السياق، حيث أنا أفكر إذن أنا موجود"
 

واستكمل: "فعلي سبيل المثال في (ثلاثية الرفض والهزيمة).. دراسة نقدية لثلاث روايات لصنع الله إبراهيم، يحلل محمود أمين العالم روايات ( تلك الرائحة، نجمة أغسطس، اللجنة)، ناظرا إليها بوصفها علامة على سياق سياسي/ ثقافي محدد، وفي هذا الكتاب تبدو ملامح المشروع النقدي لمحمود أمين العالم، على مستوى الوعي النظري من جهة، والممارسة الإجرائية من جهة ثانية، فالمقدمة الضافية التي صنعها في مستهل كتابه تكشف عن روح مولعة بالفن من جهة، جادة، ومدركة قيم الدور والمسئولية، من جهة ثانية، حيث النقد عطاء من عطاءات الواقع الرحبة، وملامسة لذلك العصب العاري للنص، وفي هذا يبدو محمود العالم متسلحا بالصرامة المنهجية، منطلقا على المستوى الرؤيوي من أفكار المادية الجدلية بوصفها إطارا نظريا يصدر عنه، وهذا لا يعني أن ثمة عزلة عاشها الناقد عن زمنه، فالمقدمة قد حوت نقدا للبنيوية اللغوية ، بل ونقدا للمنهج البنيوي بتنويعاته المختلفة ومساءلة ما يمكن أن يسمى بالتنميط النقدي، نموذج جريماس مثالا،  فضلا عن مساءلة نفي الخارج، لمصلحة البنية الداخلية للنص، وبما يعني أن داخل النص وخارجه لدى العالم يحييان جدلا خلاقا، ويلتحمان معا، مثلما أن ثمة علاقة عضوية بين الجزء والكل. 
وتابع: " ويستخدم العالم هنا مصطلح الصياغة بوصفه إحالة على الامكانات التعبيرية في النص وطرائقه الأسلوبية، وهو الاصطلاح عينه الذي استخدمه من قبل في كتابه "في الثقافة المصرية" مع عبدالعظيم أنيس، وإن اتخذ منحى أكثر اتساعا بحكم تراكم الممارسة النقدية والخبرات الجمالية التي اكتسبها.
ثمة مراجعة للذات، وإعمال مستمر لقيم العقل النقدي، مثل الإشارة إلى أن مرحلة الخمسينيات قد شهدت إغراقا في التحليل المضموني للعمل الأدبي أكثر من أي شيء آخر، ومحاولة ربط ذلك بالسياق العام آنذاك، يقول العالم " ولو تأملنا هذه المرحلة – تاريخيا- لوجدنا أنها كانت تعبر عن تيار في النقد الأدبي العالمي عامة، ولم يكن يقتصر على الأدب العربي وحده، على أنها في الأدب العربي كانت ثورة على التفسيرات والتحليلات الأكاديمية والوصفية والانطباعية والتذوقية -والنفسية إلى حد ما-، التي كانت تسيطر بمستوى أو بآخر على النقد الأدبي آنذاك" .