بكثيرٍ من التفاؤل، يحاول الغرب تهدئة المواقف المحتقنة تجاه مباحثات احياء الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة القوى العالمية الكبرى في العاصمة النمساوية فيينا؛ لكنه على ما يبدو غير مدركٍ أهمية الفرصة الحاضرة في متناول اليد لوضع حد لنفوذ إيران في المنطقة، وتفهم مخاوف الحُلفاء، خاصة في الخليج العربي، من توقيع اتفاق منقوص يتيح لطهران لاحقًا تكريس نهج الفوضى في المنطقة دون مساءلة.
وبقدر رغبتها في تجاوز محنة العقوبات الدولية التي فرضت عليها، تُصر طهران على ضرورة إبقاء الاتفاق محصورا على الملف النووي، وغلق كل الملفات الأخرى دون ذلك، مثل ملفي الصواريخ الباليستية والأنشطة الإقليمية المزعزعة التي تتعلق بدعم طهران لوكلاء في المنطقة تسميّهم "محور المقاومة"، مثل جماعة الحوثي وحزب الله والمليشيات العراقية، وغيرها من التنظيمات الخارجة عن كل القوانين المدعومة من إيران.
وتعتبر دول الخليج، الحوثيين خطرًا ينبغي ردعه، وترى عدم تجزئة الاتفاق النووي من خلال تجاهل تبعات هكذا اتفاق سيسمح لطهران لاحقا باستغلال الموارد الاقتصادية المنبثقة من رفع العقوبات الدولية في دعم أنشطة هذه الجماعات التي سبق وأن هاجمت دولًا خليجية بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة، مثل الإمارات والسعودية" وفق مصدر سياسي.
وقال المصدر، إن الوقت أصبح ضيقًا قبل أن تأخذ المُهل النهائية مسارها لتوقيع الاتفاق "لذا يستوجب على القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية أن تضمّن ملف وكلاء طهران في المحادثات والاتفاق الذي سيوقع في النهاية". وأضاف: "مهما أصرت إيران على الممانعة يستوجب إرغامها على ذلك وعدم التورط في توقيع الاتفاق ورفع العقوبات قبل أن تلتزم إيران بالتوقف عن دعم مليشياتها في المنطقة".
وأفاد مصدر سياسي ثانٍ، أن الإيرانيين لا يكرهون العودة للاتفاق النووي "لأن هدفهم الآن هو الخلاص من عبء العقوبات التي أثقلت كاهلهم والتوجه نحو دعم الأنشطة المزعزعة لوكلائهم في المنطقة". واستطرد: "حول الحوثيون اليمن إلى منصة لتنفيذ الهجمات الإرهابية العابرة للحدود ولا تزال إيران التي تمولهم تحت طائلة العقوبات، وإذا ما خرجت طهران من هذا المأزق سنشهد إرهابا أشد عدوانية وأكثر انتشارا ينطلق من اليمن عبر الحوثيين، وبلا شك سيزيد الحوثيون من انتهاكاتهم المروعة لحقوق الانسان داخل اليمن والاستمرار في السيطرة على محافظات كاملة وممارسة كل انواع الانتهاكات والبطش فيها، ومعنى هذا ان اليمن وشعبه سيقدم قربانا لاتفاق نووي مع ايران ان لم تؤخذ هذه الامور بعين الاعتبار في اتفاق قادم مع ايران.
وأضاف: قد نشهد نسخة أكثر عدوانية لجماعة الحوثي في اليمن إذا ما تحصلت على دعم ايراني أكبر، "وهذا ما يُتوقع أن يحدث في حال تم توقيع الاتفاق النووي بمنأى عن هذه الملفات التي لا تقل أهمية عن الملف النووي بحد ذاته". واسترسل: "دول الخليج والحكومة اليمنية أكدت أكثر من مرة ضرورة أن يشمل الاتفاق النووي وضع حد لوكلاء إيران في المنطقة وعدم ترك الحبل على الغارب في هذا الملف".
وأشار مصدر يمني، إلى أن تجاهل المجتمع الدولي لخطر الحوثيين اليوم سيجعله يشعر بهذا الخطر مستقبلا بلا شك. وزاد: "سنشهد تناميا للعمليات الإرهابية في البحر الأحمر والملاحة الدولية وهجمات عابرة للحدود تنطلق من اليمن لتهدد أمن المنطقة والإقليم والأمن الدولي... الفرصة سانحة أمام الغرب لوأد هذا الخطر مبكرًا من خلال توسيع الاتفاق النووي ليشمل أنشطة إيران في اليمن والمنطقة".
وتُسابق إيران الزمن أكثر من نظرائها الغربيين للتوصل إلى اتفاق عاجل يحيي اتفاق 2015 الذي انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية في مايو 2018 نتيجة إخلال طهران بالشروط، ومن حينها تأثرت إيران بشكل كبير اقتصاديا؛ لكنها لم تتوقف عن دعم وكلائها الحوثيين في اليمن والاخرين في المنطقة لمواصلة الأنشطة الفوضوية وتهديد أمن دول الجوار.
ويرى مراقبون أن السماح لإيران بتحويل اليمن إلى منطلق للفوضى "لن يهدد اليمن وجواره فقط، بل سيمتد الخطر إلى نطاق أوسع يصعب السيطرة عليه بسهولة وقتها". وانتهى يقول: "ما لم ينتبه الغرب إلى هذا الموضوع فإن الاتفاق مع إيران لن يكون له أهمية عندما يصبح خطر وكلائها مستقبلا تهديدًا دوليًا، وحينها لن تنفع أي إجراءات حتى اعتبار الغرب اتفاقه هذا لاغيًا".