قدم د. أنور مغيث مدير المركز القومي للترجمة سابقا ضمن الاحتفالية المقامة بحزب التجمع صباح اليوم السبت ٢٦ فبراير ، بمئوية محمود أمين العالم، ورقة بعنوان محمود أمين العالم.. فارس المعارك الفكرية جاء فيها:
قال الدكتور انور مغيث : تمر هذا الشهر ذكرى مائة عام على ميلاد الأستاذ محمود أمين العالم. هذا المناضل والكاتب الكبير الذي تحول بعد وفاته إلى تجسيد للعديد من المعاني: فهو يمثل الدفاع عن المبدأ ويدفع الدية عن طيب خاطر، كما يمثل النزاهة والترفع عن الجري وراء المكاسب الشخصية، وأيضاً الإيمان بهذا الشعب الذي نذر حياته للدفاع عن حريته.
وأضاف مغيث الإنتاج الفكري لمحمود أمين العالم يجعل منه فيلسوفاً وناقداً أدبياً ومفكراً سياسياً. وخلال مسار حياته كان معارضاً سياسياً قضى سنوات من شبابه داخل السجون، وبعد ذلك تعاون مع الدولة أملأ في دفعها نحو تحقيق المزيد من التحرر والتنمية؛ ثم منفياً في باريس يدرس في جامعاتها ويقوم في الوقت نفسه بواجبه كمثقف ملتزم بالدفاع عن قضايا أمته العربية.
وتابع مغيث : فلسفة المصادفة هو الكتاب الوحيد الذي يأخذ شكل البحث التقليدي الأكاديمي. في مقدمة هذا الكتاب يحدثنا العالم عن سنوات القلق الفكري في شبابه حيث كان يتنقل بين مذاهب الفلاسفة الغربيين عند نيتشه وبرجسون وغيرهما فلا يجد ضالته. حتى قادته المصادفة إلى التعرف على الفلسفة الماركسية. ما يسترعي الانتباه هنا هو أنه منذ البدء يولي وجهه شطر الفكر الغربي، ولم يكن ذلك عن جهل بالتراث، فلقد نشأ في بيت عامر بالثقافة التراثية سواء من ناحية أبيه الشيخ أو أخيه شوقي العالم عضو مجمع اللغة العربية..
وأوضح مغيث أنه ورغم ذلك لا نجده يطرح أسماء الفلاسفة المسلمين مثل ابن سينا وابن رشد ولا الفرق الكلامية مثل المعتزلة والأشاعرة ليبحث عندهم عن اليقين. كل هذا يدل أن الفتى محمود كان قد اختار الحداثة وطمح إلى فهم العالم المعاصر.
الملمح الثاني أن الطريق إلى الماركسية كان دافعه هو القلق الفكري لشاب يبحث عن اليقين على عكس الكثيرين من أقرانه الذين كان دافعهم هو بؤس وشقاء الطبقات الشعبية ونزوعهم الأخلاقي لتحقيق العدل. ولعل اختياره لرسالة الماجستير في الفلسفة عن فلسفة المصادفة في العلوم والرياضيات ما يعزز هذا التوجه نحو العلم في ادق نظرياته المتأخرة. شكل هذا العمل الأكاديمي رصيدا استفاد منه العالم في معاركه الفكرية اللاحقة. وكانت هذه المعارك هي الآلية التي تبناها العالم للتعبير عن أفكاره..
وأشار مغيث إلى أنه يمكن القول أن أغلب كتبه عبارة عن معارك فكرية. وكان من أوائل هذه المعارك أبرزها معركته مع الدكتور زكي نجيب محمود والتي بدأت بمقاله "ما وراء المدرك الحسي". وكانت هذه المعركة مبررة حيث ظهرت في القرن العشرين فلسفتان كلتاهما تزعم أنها فلسفة؛ وهما وضعية المنطقية من جانب والماركسية من جانب آخر.