شهدت أسواق النفط العالمية ارتباكًا وارتفاعًا ملحوظًا في الأسعار، منذ إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تنفيذ "عملية عسكرية" في إقليم دونباس، شرق أوكرانيا، الذي يضم منطقتي لوجانسك ودونيتسك، صباح أمس الخميس، فبحسب البيانات، بعد ساعات من الحرب ارتفع سعر برميل النفط بنسبة 8% ليصل إلى 104 دولار، وهو السعر الأعلى للبرميل منذ 2014. وارتفاع أسعار البترول تؤثر بشكل سلبي على مصر، التي حددت سعر برميل النفط في موازنة العام المالي 2021-2022 عند 61 دولارًا لكل برميل برنت. ومنذ 2019، تطبق الحكومة آلية التسعير التلقائي للمحروقات، التي تسمح بمراجعة أسعار المحروقات كل ثلاثة أشهر وفقًا للأسعار العالمية.
وفي بداية فبراير 2022، قررت لجنة التسعير زيادة أسعار البنزين بكافة أنواعه 25 قرشًا، وهي الزيادة الرابعة بشكل متتالي، منذ أبريل 2021. وبحسب المحللين والخبراء، العملية العسكرية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار، ستؤثر بشكل سلبي على مصر، ما يزيد من فاتورة الدعم، مع احتمالية ارتفاع أسعار برميل النفط في الموازنة المقبلة.
وحسب وزير المالية، محمد معيط، فإن كل دولار زيادة في سعر برميل البترول، عن السعر المقدر له في الموازنة الجديدة، يضيف كلفة إضافية على الحكومة بقيمة 2.3 مليار جنيه. ومن المتوقع كذلك أن ترتفع أسعار المحروقات على المستهلكين المصريين خلال الفترة المقبلة، خاصة إذا تواصلت زيادة الأسعار عالميًا.
من جهته، قال الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، إن المسئولين في الحكومة كان لابد لها من الاتفاق على إتمام عملية شراء خام البترول وفقًا لعقود المشتقات، موضحًا أن تلك العقود عبارة عن أدوات مالية مفيدة يمكن أن تخدم أغراضًا متعددة.
وأضاف للبوابة نيوز، أن العقود الآجلة، والعقود المستقبلية يستخدمها المستثمرون إما للتحوط أو مضاعفة أرباحهم، لافتًا إلى أن الرئيس السيسي أمر أكثر من مرة بضرورة التحوط من ارتفاعات الأسواق العالمية، وبضرورة العمل على شرائ النفط وفقًا للعقود الآجلة والمستقبلية.
وأشار عبده إلى أن هذه العقود لها ثقل كبير أثناء أوقات الأزمات أو ارتفاعات الأسعار، كما هو الحال اليوم، لافتًا إلى أنها ليست حكرًا على خام البترول، ولكن معمول بها في القمح والمواد الغذائية الأخرى.
وتوقع الخبير الاقتصادي، أن يصل سعر خام البترول إلى أكثر من 120 دولارًا للبرميل، وبالتالي فإنه على الحكومة ضرورة تشكيل ما يعرف بـ"خلية أزمة" لمعالجة الموقف، خاصة وأن تأثيرات الأزمة الأوكرانية الروسية لن تتوقف عند هذا الحد، ومن المتوقع أن تكون تطال تأثيراتها مناحي أخرى مثل السياحة ومعدلات النمو وغيرها.
وأوضح عبده، أن خلية الأزمة يجب أن تتشكل من مجموعة خبراء على مستوى عال، وأن تتوافر لديهم المعلومات الكافية، فضلًا عن اتخاذهم قرارات فورية للحد من تأثيرات الأزمة الروسية الأوكرانية، مشيرًا إلى ضرورة تكاتف الجميع للخروج من هذا المأزق.
ولفت إلى أنه يجب على وزارة التموين والأجهزة المحلية تشديد الرقابة على محال البيع بالتجزئة، ومحطات الوقود، وعلى الأجهزة الأمنية ضرورة تشديد الرقابة مساعدة الأجهزة المحلية في ضبط الأسواق، لمنع التجار من استغلال الأزمة.
إلى ذلك، قال النائب مصطفي سالم، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن الصراع العسكري بين روسيا وأوكرانيا بدأ ولا احد يعلم متى النهاية، و"هل سيظل محدودًا أم ستتداخل فيه أطراف أخرى؟"، متابعًا أن كل الاحتمالات واردة وقابلة للتطور فقد تدحرجت كرة الثلج ولا ندري متى ستتوقف وإلى أي حجم ستتضخم، فهي حرب من توابع تفكك الإتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991 ولن تكون الأخيرة في تقديره.
وأضاف في بيان له، أن هناك بعض التداعيات التي ستؤثر على الإقتصاد المصري وعلى المواطن المصري في الفترة القادمة من جراء هذه الحرب رغم بعدها الجغرافي وأبرزها هو تأثر إمدادات القمح الروسي والأوكراني إلى مصر، بسبب استحوذا روسيا وأوكرانيا على 29% من إنتاج القمح عالميا، حيث أنتجت روسيا 76 مليون طن من القمح العام الماضي، وتمثل صادرات روسيا من القمح إلى العالم نسبة 17% من إجمالي تجارة القمح في العالم.
كما أن روسيا وأوكرانيا هما مصدر القمح الرخيص الأساسي لمصر ولا زالت مصر تحتاج حوالي ٤٠٪ من احتياجاتنا السنوية للقمح ووفقا لبيانات وزارة الزراعة الأمريكية فإنه خلال الفترة من يوليو 2020 إلى يونيو 2021 بلغت واردات القمح الروسي إلى مصر 8.96 مليون طن من إجمالي 13.3 مليون استوردتها مصر خلال هذه الفترة، وفقًا للنائب.
وأشار وكيل لجنة الخطة والموازنة إلى أنه في حال توقف شحن القمح سيتضاعف سعره بشكل جنوني، وحتى مع ما اتخذتة وزارة التموين من إجراءات وخطوات بزيادة مخزوناتها منه في الفترة الماضية فلن يبعد ذلك تمامًا من تأثير المشكلة على مصر.
كما لفت إلى التوقعات تشير لارتفاع واردات مصر من القمح إلى 13.6 مليون طن خلال موسم 2021-2022 مقارنة بنحو 13.3 مليون طن في موسم 2020-2021. وسيرتفع استهلاك مصر بزيادة نسبتها 2.1% موسم 2020-2021، بسبب ارتفاع عدد السكان.
وتابع سالم، أن تفاقم الإرتباك الحاصل في سلاسل التوريد العالمية والتي بدأت منذ فترة كأحد توابع جائحة كورونا والآن ستزيد المشكلة تعقيدًا بما يضاعف أسعار الشحن العالمية، فضلًا عن كون روسيا وأوكرانيا أيضًا من أهم الأسواق للحاصلات الزراعية المصرية ولو توقف التصدير إليهما سيؤدي ذلك لخسائر إقتصادية إضافية علينا.
وأشار سالم إلى أنه ربما كانت تلك الحرب فرصة لمراجعة السياسات والتوجهات بزيادة الإعتماد على الذات والإسراع بوتيرة استزراع المشروعات القومية العملاقة مثل الدلتا الجديدة وتوشكي الخير للوصول لدرجة أعلى من الإكتفاء الذاتي من القمح والمحاصيل الإستراتيجية.