تحل اليوم ذكرى أشهر الرحالّة العرب وهو إبن بطوطة لُقب بـ"أمير الرحّالين"، وقد دوّن رحلته التي استغرقت ما يقرب من 27 عامًا في كتابه المعروف بـ “غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” الذي تُرجم إلى العديد من اللغات منها الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية.
وقد أملي أخبار رحلته على محمد بن جزي الكلبي بمدينة فاس في عام 756هـ، فزار العديد من البلدان التي أخبر عنها في هذا الكتاب منها في المغرب "طنجة، شفشاون، فاس"، والجزائر "تلمسان، مليانة، بجاية"، وتونس "صفاقس، سوسة، قابس"، وفي مصر "الإسكندرية، دمنهور، دمياط، سمنود، القاهرة وصعيد مصر ومدنه"، باكستان والهند وبنغلادش وبلاد الشام سوريا والأردن وفلسطين ولبنان، وغيرها من البلدان.
وخلال زيارته لمصر وصف ابن بطوطة مدينة القاهرة قائلا: "إنها مصر يقصد القاهرة أم البلاد ذات الأقاليم العريضة والبلاد العريضة المتناهية في كثرة العمارة المتباهية بالحسن والنضارة، ومجمع الوارد والصادر ومحط رحل الضعيف والقادر وبها ما شئت تموج موج البحر بسكانها وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها شبابها يجدّ على طول العهد قهرت قاهرتها الأمم وتملّكت ملوكها نواصي العرب والعجم لها خصوصية النيل التي جل خطرها وأغناها أن يستمد القطر قطرها، وأرضها مسيرة شهر لمجد السير كريمة التربة مؤنسة الغربة".
وقال إبن بطوطة أيضا: “إن مصر معروف عنها تمر صاعدة إلى الصعيد ومنحدرة إلى الإسكندرية ودمياط بأنواع الخيرات والمرافق وعلى ضفة النيل مما يواجه مصر الموضع المعروف بالروضة وهو مكان النزهة والتفرج وبه البساتين الكثيرة الحسنة”.
وعن أهل مصر ذكر إبن بطوطة في وصفهم قائلا: “إنهم ذوو طرب وسرور ولهو، شاهدت بها مرة فرجة بسبب برء الملك الناصر من كسر أصاب يده فزّين كل أهل سوق سوقهم وعلّقوا بحوانيتهم الحلل والحلي وثياب الحرير وبقوا على ذلك أياما، ومن عوائدهم أن يجلس كل واحد منهم على سجادة مختصة به وإذا صلّوا الصبح قرأوا سورة الفتح وسورة الملك وسورة عم ثم يؤتى بنسخ من القرآن العظيم مجزأة فيأخذ كل فقير جزءا ويختمون القرآن ويذكرون ثم يقرأ القرأن على عادة أهل المشرق ومثل ذلك يفعلون عقب صلاة العصر ، ومن عوائدهم مع القادم أنه يأتي باب الزاوية فيقف به مشدود الوسط وعلى كاهله سجادة وبيمناه العكاز وبيسراه الإبريق فيعلو البواب خديم الزاوية بمكانه ويخرج إليه ويسأله من أي البلاد أتى؟، وأي الزوايا نزل في طريقه؟، ومن شيخه؟، فإذا عرف صحة قوله أدخله الزاوية وفرش له سجادة في موضع يليق به وأراه موضع الطهارة فيجدد الوضوء ويأتي إلى سجادته فيحل وسطه ويصلي ركعتين ويسلّم على شيخه وعلى من حضر ويجلس معهم ، ومن عوائدهم أنهم إذا كان يوم الجمعة أخذ الخادم جميع سجاجدهم فيذهب بها إلى المسجد ويفرشها لهم هنالك ويخرجون مجتمعين ومعهم شيخهم فيأتون المسجد ويصلون فإذا فرغوا من الصلاة قرأوا القرآن على عادتهم ثم ينصرفون مجتمعين إلى الزاوية ومعمم شيخهم”.