الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

فضائيات

علي جمعة: الإسراء والمعراج معجزة زمانية مكانية ومنحة إلهية مستمرة إلى يوم الدين

الدكتور علي جمعة،
الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، وعضو اللجنة الدينية بمجلس النواب، إن رحلة الإسراء والمعراج لم تكن معجزة منتهية المفعول، محددة الزمان والمكان، بل ما زالت ماثلة أمامنا بما احتوته من أحداث وعبر، كما أنها ما زالت منهلا عذبا تستفيد منه الأمة في معالجة قضاياها الراهنة اقتداء بالحبيب المصطفى والرسول المجتبى صلى الله عليه وسلم.

وأضاف في منشور له عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"  أن معجزة الإسراء والمعراج علم غيب جعله الله شهادة لرسوله، فكان الغيب مرئيا مُشاهدا في عين وبصر النبي صلى الله عليه وسلم، غيب تراه عينه، ويدركه عقله، ويستنير به فهمه، ويستوعبه قلبه، وتعيه مدركاته لتعلم الخلائق جمعاء أنه في أعلى مراتب الإيمان واليقين، فالرحلة التي قام بها صلى الله عليه وسلم، إلى بيت المقدس، ثم معراجه إلى ما فوق السماوات السبع لينتهي به المطاف عند سدرة ليعود فيجد فراشه مازال دافئا، كل هذا أمر لم يتكرر مرة أخرى مع بشر، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على مدى تميز المعجزة عن بقية التاريخ الإنساني جملة وتفصيلا.

وتابع "جمعة": يقول الله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِير»، وإنها لحظة لطيفة لا يدركها الإنسان بحواسه،  فهي معجزة زمانية ومكانية، وهي منحة إلهية وتسرية ربانية للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث تجلى علم الغيب للرسول المجتبى فأصبح علم شهادة، وذلك في انتقاله اللحظي من مكة إلى بيت المقدس.

وتابع مفتي الديار المصرية الأسبق في منشوره، إن معجزة الإسراء والمعراج لا تخضع لقوانين الكون إنما هي استثناء، لأن الذي خلق المكان والزمان، اختصرهما وطواهما لسيد الأنام، كما لا يمكن أن يفسر ذلك وفق قوانين الأرض، فهو خروج جزئي وكلي عن قوانين الأرض ومدارك الإنسان، وهو ما تفرد به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث جمع الله عز وجل له في حادثة واحدة بين هذين الخروجين، ففي الإسراء خروج جزئي وكشف محدد لعالم الغيب أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ أصبح من الممكن للإنسان في العصر الحالي السفر من الشرق إلى الغرب في وقت قصير، مما يؤكد إعجاز الإسراء في ذلك العصر.

وأوضح الدكتور علي جمعة،  أن معجزة الإسراء هي كشف وتجلية للرسول صلى الله عليه وسلم عن أمكنة بعيدة في لحظة خاطفة قصيرة، وكل من له علم بالقدرة الإلهية وطبيعة النبوة لا يستغربون من ذلك شيئا، فالقدرة الإلهية لا يقف أمامها شيء وتتساوي أمامها جميع الأشياء والمقدرات، فما اعتماد الإنسان أن يشاهده ويدركه بحواسه البشرية الضعيفة ليس هو الحكم في تقدير الأمور بالقياس أمام القدرة الإلهية، ومن جهة أخرى فإن من خصائص طبيعة النبوة أن تتصل بالملأ الأعلى وفي هذا الأمر تجليات وفتوحات ربانية يمنحها اللطيف القدير لمن يصطفيه ويختاره من رسله.

وأكمل "جمعة": الوصول إلى الملكوت الأعلى بأي وسيلة ليس أغرب من تلقي الرسالة والتواصل مع الذات العلية، ولهذا فقد صدق أبو بكر رضي الله عنه هذه المعجزة قائلا: «إني لأصدقه بأبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء»، وأبو بكر الصديق يشير من واقع إيمانه العميق إلى أن هذه الحادثة ليست قضية مهولة ولا هي ضربا من الخيال، بل هي مسألة معتادة بالنظر إلى طبيعة العلاقة بين الله ورسله ومن كشف الغيب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عندما عاد وجادله المشركون في مكة غير مستوعبين لتلك المعجزة، وطلبوا منه وصف المسجد الأقصى، جلى الله له المسجد رأي العين، فأخذ يصفه لهم ركنا ركنا.

وبيّن «جمعة»، أن رحلة الإسراء تتجلى فيها وحدة  الرسالات السماوية وأصل التوحيد، فكل الرسل جاءت بدعوة الإسلام، وقال تعالى: «قُولُوا آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» وقال: «مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ»، والتقى رسولنا الكريم لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة بإخوانه من الأنبياء، وصلوا صلاة واحدة يؤمهم فيها صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، إشارة إلى أن هذه الأمة تتبع جميع الأنبياء وتؤمن بهم، وأن آخر الرسل موصول بأولهم.

وأوضح مفتي الديار المصرية الأسبق، أن الله سبحانه كما أرسل الرسل بالعهد القديم، والعهد الجديد، فقد ختمهم برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنزل معه العهد الأخير والرسالة الخاتمة: «وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ»، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين».

وتابع المفتي الأسبق: "أصبحت هذه الرحلة رمزا أبعد وأوسع من حدود الزمان والمكان لتأكيد أن الإسلام هو دين الله الخاتم وهو الدين الذي أرسل بأصله الأنبياء والمرسلون لهداية العالمين، وحادثة الإسراء معجزة رسالة إلى يوم الدين، لابد فيها من الإيمان والتذكير بشرف الزمان الذي وقعت فيه، وشرف المكان الذي بدأت منه والمكان الذي انتهت إليه، وصولا إلى شرف النبي الخاتم الذي به تشرفت مفردات الوجود في هذه الحادثة وغيرها سواء الزمان والمكان والأحوال والأشخاص".