الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل الحظ هو أهم عوامل النجاح؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أتذكر عندما كنت أقوم بتشغيل جهاز الكمبيوتر فترة التسعينات، تظهر تلك الشاشة السوداء المليئة بالنصوص الانجليزية، حيث تظهر بعدها شاشة ترحيب ال "ويندوز 98" الشهيرة آنذاك..

"ويندوز 98" هو نوع من البرمجيات يسمى "نظام تشغيل"، لم أكن أعلم وقتها ما هو بالظبط نظام التشغيل وتكوينه ومهامه، لكني كنت أشعر بالانبهار من كل تفصيلة فيه، وسبب انبهاري به وقت ان كنت صغيرا هو ما جعلني لاحقاً من "بتوع مايكروسوفت"، وينظر لهم بنظرة دونية غير مبررة من "بتوع أبل" ! وكلاهما فريقين من المنتمين او أشبه بالمشجعين.

كان "ويندوز 98" هو البرنامج الأهم، للشركة العملاقة مايكروسوفت، وأحد اهم المؤثرات في تاريخ تطور الكمبيوتر. 

الشاشة السوداء التي كانت تسبق شاشة الترحيب تلك، هي نواة نظام التشغيل هذا، وتعتبر نظام تشغيل قائم بحد ذاته، ولكن بدون واجهة "ظريفة" للتعامل معها من خلال “ماوس” وصور ورسومات، ولكن التعامل معها من خلال مجموعة من الأوامر، ويسمى نظام التشغيل صاحب الشاشة السوداء تلك "DOS" أو "دوس"، وكان الاعتقاد السائد أن المبرمجين فقط هم من يتعاملون معه ويعطونه الأوامر، ولكن هذا غير صحيح..

أوامر نظام التشغيل دوس على ويندوز

هذا الـ "دوس" للتبسيط، عبارة عن برنامج صغير يساعد مستخدم الكمبيوتر العادي على التعامل مع جهازه، ويتكون "دوس" من مجموعة صغيرة وبسيطة من الأوامر، كانت مناسبة لإستخدامات الكمبيوتر في وقت ظهوره، بداية الثمانينات.

جيل الالفينات لن يعرف في الاغلب ما هو ال "دوس"، لكن دعونا نتعرف جميعا على مجموعة حقائق صادمة تخص عالم الكمبيوتر في نشأته:

حقيقة 1

الشاشة السوداء هذه أو ال "DOS" هي السبب الأول والرئيسي لميلاد وتضخم شركة مايكروسوفت صاحبة المليارات التي لا تحصى، على يد "بيل جيتس" المبرمج المحظوظ الذي ساهم في تغيير عالمنا، أعترف أن بيل جيتس عقلية مميزة ومجتهد ولكني أعتبر الحظ هنا كان عامل نجاحه ونجاح شركته أكثر من عومل تميزه وذكائه.

دائما ما تكون الدرجات  أو “السلالم” الأولى في تحقيق النجاح هي الأصعب، وكان نظام تشغيل "دوس" وقتها هو أول درجة للنجاح بالنسبة لبيل جيتس.

حقيقة 2

بيل جيتس ومايكروسوفت لم يخترعوا ال "دوس"، فهذا النظام تقريبا لم يتميز عن نظام سابق له مطابق في الامكانيات والخصائص اسمه "CP/M" ظهر في السبيعنات، ولكن لم يلقى حظ مايكروسوفت دوس في الانتشار.

في ذلك الوقت كانت شركة IBM  هي اكبر شركة لصناعة اجهزة الكمبيوتر، ووكلت الى بيل جيتس وشريك له من خلال شركتهم الصغيرة التي لم تتعدى غرفة في جراج، عملية تطوير برنامج مشابه لـ "CP/M" من أجل تشغيل الأجهزة التي تبيعها، وهو ماحدث و أنتج الـ “دوس”، ولكن قام بيل جيتس أيضا ببيع نسخ من هذا البرنامج بشكل منفصل لأي شخص يريد استخدامه على أي جهاز كمبيوتر.

حقيقة 3

السبب وراء تضخم شركة مايكروسوفت ومؤسسها بيل جيتس هو دوس، ثم بعد منه ويندوز.

للتوضيح ويندوز (الشهير الذي نعرفه) ودوس هما برنامجان لنفس الغرض (كل منهما عبارة عن نظام تشغيل) ولكن الفرق هنا أن ويندوز عبارة واجهة رسومية (تعتمد على الرسومات والصور والماوس و خلافه) للتحكم في الكمبيوتر بدلا من الأوامر، وبالتالي هي الشكل الأكثر تطورا وحداثة منه والأسهل في الاستخدام بالطبع.

و الطفرة الرئيسية التي قدمها ويندوز في بداياته هي تحويل طريقة الاستخدام الى واجهة رسومية بها شاشات لاكثر من برنامج، بالاضافة لتزويد الكمبيوتر ببرامج أساسية مثل "ورد" لمعالجة النصوص، وآلة حاسبة.. 

حقيقة 4

صاحب هذا السبق في الواجهة الرسومية كبديل للـ “دوس” المعتاد لم يكن بيل جيتس ولا مايكروسوفت، فقد تم تطوير هذه الفكرة من قبل باسم "Visi On" وقد قدم تقريبا كل ما قدمه ويندوز بل ويزيد، وكان بمثابة الواجهة الرسومية لنظام الدوس وملحق معه الأدوات المتميزة.

ورغم عدم وجود عيوب في هذا النظام خاصة اذا تمت مقارنته بويندوز بعدها، الا ان مشكلته كانت ببساطة أنه سابق عصره!

علم بيل جيتس بهذا النظام وقتها وعمل على تطوير نظام مشابه والذي أسماه بعد الانتهاء منه ويندوز (الشهير الذي نعرفه)، الفرق بين ظهور ويندوز و "Visi On" كان عامان من الزمن ولا شئ آخر..

لم يقدم ويندوز أي طفرات تزيد عن "Visi On" ولكن بعد أن انتهى بيل جيتس من تطويره، كانت الظروف قد أصبحت أكثر استعدادا وجاهزية لاستقباله، حيث تطورت قدرات أجهزة الكمبيوتر بالشكل الذي يجعل تشغيل الواجهة الرسومية أكثر سلاسة وسرعة.

حقيقة 5

من قام بتطوير "Visi On" المنافس السابق لويندوز وصاحب السبق والأفكار، كان مبرمج وشريك له أيضا مثل حال بيل جيتس وأسس شركة مشابهة لمايكروسفت تحت اسم VisiCorp.

الغريب في الأمر أن منتجات VisiCorp لم تكن معيبة عن ما أنتجتها مايكروسوفت بعدها، والأغرب أن أسبقية الأفكار في تلك البرامج كان لها، وبيل جيتس وشركته عملوا على بناء منتجات مشابهة بدون تقديم أفكار جديدة، والأكثر غرابة أن شركة VisiCorp تلك كانت أكبر بكثير في الحجم من مايكروسوفت في ذلك الوقت (1983-1985)، وحاول بيل جيتس وقتها أن يقنع صاحب هذه الشركة بالاندماج، ولكن بيل جيتس وشركته مايكروسوفت كانوا أقل من أن يُنظر لهم.

حقيقة 6

صاحب نظام الـ CP/M وصاحب السبق الأصلي للدرجة الأولى في سلم نجاح بيل جيتس، شخص لم يأخذ أي حظ من الشهرة ولا المال، بل وتوفى لسبب غير معلوم والبعض يرجح انه قتل في بار لانه كان يتصرف بجنون.

على عكس بيل جيتس وشركته، فقد تضخمت مايكروسوفت بشكل سريع جدا، وتضخمت ثروة بيل جيتس أيضا حتى أصبح بعد هذه الأحداث بفترة قصيرة أغنى شخص في العالم، وواحد من اكثر الشخصيات شهرة وتأثير في التاريخ الانساني الحديث، وظل لعدة سنوات متربع على عرش أغنياء العالم، ونموذج للعديد من الطموحين والساعيين للنجاح وبالأخص في مجال التكنولوجيا، كما صرح "مارك زكربرج" كثيرا أن بيل جيتس كان من أكثر الشخصيات التي تأثر بها وبسيرتها.

يذكر أن بيل جيتس ترك امبراطوريته "مايكروسوفت" التي أنشأها منذ عدة سنوات وتفرغ لأعمال خيرية، ولكن لايزال حتى الآن يحتفظ بموقع متقدم في قائمة أغنياء العالم.

عامل الحظ هنا و هناك

قد يكون الحظ عامل مهم لكنه لن يظل الوحيد، فمثلا مارك زكربرج من خلال فيسبوك أيضا لم يكن صاحب أي فكرة جديدة فهو تسلق على أفكار سبقها اليه غيره ولم ينالوا أي حظ من الشهرة والنجاح مما وصل اليه فيسبوك، بل بمجرد تضخم فيسبوك قضى على كل من سبقوه في تقديم هذه الأفكار والذين كانو أكبر منه حجما قبلها، وما قدمه زكربرج من خلال فيسبوك كان إعادة انتاج لافكار موجودة بالفعل بدون تطويرات حقيقية، قبل أن تصل الى مستواها الضخم كما هو الآن.

هل نتعلم من ذلك أن لا نجتهد وننتظر الحظ؟

أرى أنه كل من بيل جيتس ومارك زكربرج، لم يكن لديهم قدرات فذة أو مميزة لصناعة النجاح، لكن في كل من القصتين بدون المهارة والجدية والذكاء لدى كليهما، لم يكن بامكانهما الحفاظ على هذا النجاح بعد أن كانت الظروف لاعب رئيسي في صناعته مع كل منهما.

وبالنظر من زاوية أخرى لتلك القصص فمن المهم الالتفات جيدا لكل الظروف المحيطة التي قد تدعم النجاح أو تعوقه، ودراساتها، وسنجد فيها ما قد نسميه أحيانا أنه الحظ.