يسير الرئيس التونسى قيس سعيد، فى طريق مليء بالأشواك، ما بين الديون التى تثقل كاهل الميزانية العمومية، إلى الإخوان الذين يضعون العصا فى عجلة الإصلاح ومكافحة الفساد، بالإضافة إلى تردى الأوضاع المعيشية ومعاناة الشعب من الأزمة الاقتصادية، التى يسعى «سعيد» إلى انتشال بلاده منها، عن طريق البدء فى برنامج إصلاح يضمد جراح «العشرية السوداء» التى تسلم فيها الإخوان الحكم، فى البلاد التى بدأ فيها أول حراك فى سلسلة «الربيع العربي» فى 2011.
وتسعى تونس إلى الهروب من أزمتها، بالحصول على قرض من البنك الدولي، قيمته 4 مليارات دولار، بحلول أبريل المقبل، فى الوقت الذى يبدأ فيه نظام الرئيس قيس سعيد خطوات جدية فى إزالة «الدعم» من كاهل الدولة التونسية التى تعانى من الديون التى بلغت نسبتها 85.6% من الناتج المحلي، بعد 11 عاما من وقوع البلاد فى براثن حكم الإخوان، أنهاها «سعيد» بقرارات 25 يوليو 2021 التى كانت المسمار الأخير فى نعش جماعة الإخوان التى يتزعمها راشد الغنوشي، رئيس البرلمان المنحل.
وأرجع الرئيس قيس سعيد، الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التى تمر بها تونس إلى سوء إدارة المرحلة السابقة وانتشار الفساد فضلا عن تداعيات الأوضاع الأمنية فى المنطقة.
وتأمل تونس التى تعانى أسوأ أزمة مالية التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولى للحصول على تمويل بقيمة 4 مليارات دولار على مدار أربع سنوات فى أبريل هذا العام مقابل تنفيذ إصلاحات تهدف لخفض الإنفاق، وتخطط الحكومة لتجميد رفع أجور موظفى القطاع العام، وهى خطوة يتوقع أن تلاقى رفضًا من اتحاد الشغل ذى التأثير القوي، وقالت نائلة نويرة وزيرة الصناعة والطاقة التونسية فى 18 فبراير الجاري، إن تونس سترفع أسعار الكهرباء والمحروقات لخفض عجز الطاقة فى ظل ارتفاع أسعار النفط، وهى خطوة من بين حزمة إصلاحات اقتصادية لا تحظى بشعبية يطالب به المقرضون الدوليون مقابل برنامج إنقاذ مالي.
وأكد نائب رئيس البنك الدولى بمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط فريد بلحاج، استعداد البنك لمساعدة تونس فى تنفيذ برنامج الإصلاحات، مشيرًا إلى حرص البنك على مواصلة برامج التعاون القائمة، وخاصة برنامج الحماية الاجتماعية، وبرنامج دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، خلال لقائه مع وزيرة الماليّة التونسية سهام البوغديرى لمناقشة ملامح التعاون المالى والفنى بين تونس والبنك وبرنامج العمل الفترة المقبلة.
ويخشى الرئيس سعيد من عدم الوفاء من خطة الطريق التى تهدف إلى وضع دستور جديد يستفتى عليه فى يوليو المقبل، على أن تجرى الانتخابات البرلمانية فى ديسمبر من العام الجاري، إلا أن شبح إفلاس البلاد، يؤرق سعيد ويهدد خطته الطموحة.
أزمة تونس الاقتصادية
وتعانى تونس من أزمة اقتصادية طاحنة، وارتفع حجم الدين لتونس إلى مستويات قياسية بـ١٠١.٨١ مليار دينار (٣٥.١ مليار دولار) بنهاية العام الماضى ٢٠٢١، وبلغت نسبة المديونية حدود ٨٥.٦٪ من الناتج المحلى الإجمالى مقابل ٧٩.٥٪ فى ٢٠٢٠، وتخطط تونس لخفض عجز الميزانية إلى ٧.٧٪ فى عام ٢٠٢٢ من ٨.٣٪ فى عام ٢٠٢١، بحسب وثيقة حكومية، لافتة إلى أن النمو الاقتصادى سينخفض إلى ٢.٦٪ من ٢.٨٪ متوقَّعة هذا العام.
وتأخر صرف رواتب شهر ديسمبر من العام المنصرم، فى الوقت الذى أعلن فيه معهد الإحصاء الوطنى التونسى فى مستهل يناير الماضى أن معدل التضخم السنوى فى تونس ارتفع إلى ٦.٦٪ فى ديسمبر ٢٠٢١، مواصلًا صعوده لثالث شهر على التوالي، وبلغ التضخم السنوى ٦.٤٪ فى نوفمبر، و٦.٣٪ فى أكتوبر ٢٠٢١، وقال المعهد، إن نسبة التضخم فى ٢٠٢١ بلغت ٥.٧٪، ارتفاعًا من ٥.٦٪ فى ٢٠٢٠.
ورفعت الحكومة التونسية أسعار الوقود ٤ مرات خلال ١٢ شهرا كان آخرها فى ٣١ يناير الماضي، فى محاولة لسد عجز الموازنة، فى الوقت الذى ظهرت فيه وثيقة خاصة بالميزانية تكشف اعتزام حكومة نجلاء بودن، رفع أسعار الوقود والكهرباء، وتجميد رواتب القطاع العام، وفرض ضرائب جديدة فى ٢٠٢٢.
ويمكن أن تثير تلك الإجراءات غضب النقابات، التى ترفض أى إجراءات تؤثر على العمال أو الفئات الفقيرة، وتطالب بالتركيز على مكافحة الفساد.
وفى منتصف يناير الماضي، أكد ممثل صندوق النقد الدولى فى تونس جيروم فاشيه، أن تونس التى تسعى للحصول على تمويل من مصادر دولية، بحاجة إلى القيام «بإصلاحات عميقة جدًا» لا سيما خفض حجم قطاع الوظيفة العامة الذى يبلغ «أحد أعلى المستويات فى العالم».
وأشار فاشيه مع انتهاء سنوات ولايته الثلاث فى مقابلة مع وكالة «فرانس برس» إلى أن تونس عرفت بسبب جائحة كورونا «أكبر ركود اقتصادى منذ استقلالها» فى العام ١٩٥٦، لكنه شدد على أن مشكلات البلاد تعود لما قبل الجائحة، موضحا أن النمو يبقى ضعيفا وغير كاف بشكل كبير لاستيعاب معدل البطالة الذى يتجاوز ١٨٪ والمرتفع أيضًا فى صفوف أصحاب الشهادات الشباب.
وأشار ممثل صندوق النقد الدولي، إلى أن موظفى القطاع العام البالغ عددهم ٦٥٠ ألف موظف فى تونس يمثلون عبئا ثقيلا على موازنة الدولة، حيث إن أجورهم تمثل ١٦٪ من الناتج المحلي، لافتا إلى أن عدم مرونة الميزانية يتفاقم بسبب عبء الدعم العام.
وأعلنت الرئاسة التونسية، منتصف فبراير الجاري، عن تكوين لجنة تتولى التدقيق فى الأموال التى أخذتها تونس وهى بالمليارات.. المليارات التى نهبت ولا نعرف أين ذهبت، والتى اقترضتها البلاد منذ ٢٠١١، وجاء ذلك بعد خلال لقاء الرئيس قيس سعيد ونائب رئيس البنك الدولى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج.
وأرجع الرئيس قيس سعيد، الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التى تمر بها تونس إلى سوء إدارة المرحلة السابقة وانتشار الفساد، فضلا عن تداعيات الأوضاع الأمنية فى المنطقة وتأثيرات جائحة كورونا، وذلك خلال لقائه المستشار بالنمساوى كارل نيهامر، فى العاصمة البلجيكية «بروكسل» التى استضافت القمة الأفريقية الأوروبية، يومى ١٦ و١٧ فبراير الجاري.
شعبية نظام قيس سعيد
وعلى الرغم من الصعوبات التى تواجهها الدولة التونسية تحت قيادة «سعيد» إلا أن شعبيته لم تتأثر حيث احتل المرتبة الأولى بنسبة ٦٧٪ فى مؤشر الثقة فى الشخصيات السياسية خلال استطلاع اعدته منظمة «سيجما كونساي» بالتعاون مع صحيفة «المغرب» التونسية، وأعلنت نتائجه فى ١٨ فبراير الجاري.
وتصدر قيس سعيد نوايا التصويت للانتخابات الرئاسية بنسبة تخطت ٨٤٪، وجاءت «بودن» رئيس الوزراء التونسية، فى المرتبة الثانية بـ٣٤٪ ثم رئيسة الحزب الدستورى الحر عبير موسى فى المرتبة الثالثة بنسبة ١٨٪ من ثقة التونسيين، وتكشف هذه المؤشرات انحدار شعبية الإخوان بين أوساط الشعب التونسى حيث تصدر الاستطلاع شخصيات تمثل رأس الحربة فى حرب الدولة التونسية ضد جماعة الإخوان الإرهابية.
إلا أن الاستطلاع نفسه، أظهر تذمر غالبية التونسيين من الأحوال التى آلت إليها البلاد، حيث أبدى ٥٣٪ من الشعب عدم رضاهم عن سير الأمور فى تونس فى مقابل رضاء ٤٧٪ عن الأحوال فى البلد المغاربي.
تطهير القضاء يقضى على الفساد
وفى هذا السياق، قال الخبير الدستورى التونسي حازم القصوري، «الفساد» هو أبرز العقبات التى تواجه استفاقة تونس من أزمتها، منوها إلى أن تطهير «القضاء» من قبضة الإخوان يسهم فى نجاح خطة الإصلاح الاقتصادي لذا كان قرار الرئيس بحل مجلس الأعلى للقضاء، لإصلاحه وتطوير قدراته للضرب بيد من حديد على الفساد والإرهاب معا.
وأضاف «القصوري» فى تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز" أن الاتحاد التونسى للشغل له دور وطني، وليس غريبا عليه إعلانه رفض أى تدخل خارجى فى شئون البلاد، ورفضه لقاء السفراء الأجانب وبياناتهم بعد ٢٥ يوليو، مشيرا إلى حاجة تونس إلى دعم الدول الصديقة والشقيقة، فى إطار مساندة الشعب والقيادة.
علاقة الرئيس والشعب
ولفت الخبير الدستورى التونسي، إلى أن الإخوان يبثون سمومهم الإعلامية، بشكل مستمر إلا أن الشعب متناغم مع قرارات الرئيس قيس سعيد، لتطهير البلاد من براثن الإخوان وفسادهم المالى بعد أن ارتهنوا للخارج، والإخوان حاليا فى وضع حرج، خاصة بعد حل مجلس القضاء الأعلى.
وفى السياق نفسه، قال عبدالحميد اولاد على عضو الحملة التفسيرية لرئيس الجمهورية قيس سعيد، وهى حملة تهدف لتفسير الخطوط العريضة لبرنامج الرئيس سعيد للرأى العام، إن تونس تشهد أزمة اقتصادية واجتماعية بسبب غياب الشفافية والنزاهة وتغلغل الفساد من تبيض للأموال وتهرب ضريبى واحتكار للمواد الأساسية، ويرى أن الأزمة الحقيقية هى أزمة حوكمة مالية تتطلب تغيير المنوال التنموى الاقتصادى وليست رهينة مصالحة مع صندوق النقد الدولي.
وأضاف «علي» فى تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز» أن العائق الأساسى أمام بناء الاقتصاد الوطني، هو تفاقم المديونية علاوة على تضاعف نسبة البطالة وتراجع قيمة الدينار التونسي، وكل هذا بسبب الأزمة الخانقة التى خلفتها «العشرية السوداء» تحت حكم الإخوان.
الاتحاد التونسى منظمة وطنية
وأكد عضو الحملة التفسيرية لرئيس الجمهورية قيس سعيد، أن الاتحاد العام التونسى للشغل هو منظمة وطنية عريقة ساهمت فى حركة التحرير الوطني، ورغم مؤاخذاتنا على خروجها عن دورها الاجتماعي، إلا أن مهمتها الآن مهمة من أجل تحقيق التوازن بين كلفة الأجور للعمال والقدرة الشرائية، ولعل اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية، ورئيس الاتحاد وضح موقف الأخير المناصر لقرارات ٢٥ يوليو من أجل المساهمة فى الإصلاح الاقتصادى والاجتماعي.
ولفت إلى أن تونس دولة ذات سيادة، ولها توجه دبلوماسى منفتح على الدول الشقيقة والصديقة، على سبيل المثال العلاقات التونسية الجزائرية جيدة كذلك المصرية والسعودية ودول شرق آسيا، والدبلوماسيات الاقتصادية مفتوحة شرط احترام إرادة الشعب وسيادة الدولة التونسية.
وقال «علي» إن شعب تونس مرت عليه عدة أزمات أكثر حدة خلال العامين الماضيين، وكان صابرا على الألم دون أمل، أما اليوم فصار صابرا على الألم مع أمل فى انفراج الأزمة، لافتا إلى أن الإخوان لا يهمهم أوجاع الشعب ولا يعيرون اهتماما كبيرا لإرادة الشعب فى العيش الكريم، وهمهم استرجاع الكرسى وحكم الشعب واقتسام الغنائم، ويسعون إلى شيطنة الرئيس.