يستنزف الموسم الرمضاني عشرات المليارات من جيوب المصريين، إذ تتصاعد وتيرة الإنفاق خلال الشهر الكريم بشكل خيالي مقارنة بالشهور الأخرى، وبذلك تتضاعف فاتورة الاستهلاك بشكل ملحوظ، في وقت يعاني العالم كله من ويلات التضخم بعد تفشي الوباء.
لا شك بأن المواطن سيتحمل عبئا كبيرا خلال الشهور المقبلة لمواجهة آثار التضخم، فعلى حد قول الدكتورة منى ناصر، مساعد وزير المالية لمتابعة وتطوير الجمارك: «لا توجد حلول سحرية»، - في تصريحات تليفزيونية لها-، لكن الحكومة ستعمل على دعم المواطن بكافة الطرق الممكنة.
حجم نفقات المصريين في شهر رمضان ارتفع بمقدار 55 مليار جنيه، مقارنة بغيره من شهور السنة، وسجل حجم الاستهلاك في رمضان عام 2019 نحو 50 مليار جنيه، وفي 2020 نحو 70 مليار جنيه، والعام الماضي بلغ الإنفاق نحو 100 مليار جنيه، وهو ما يكشف تضاعف فاتورة الاستهلاك خلال الشهر الفضيل.
وتشير إحصائيات غرفة الصناعات الغذائية، إلى أن الأسر المصرية، تنفق نحو 25% من إجمالي الدخل في الشهور العادية على الغذاء، بيد أن هذا الإنفاق يتضاعف خلال رمضان ليصل إلى 150% وهو ما يضاهي حجم استهلاك ثلاثة أشهر في السنة، في حين إن 85% من المصريين يغيرون عاداتهم الغذائية بحسب بيانات الدخل والإنفاق للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
هذه الأرقام تعتبر مؤشرًا خطيرًا على تفاقم حجم إنفاق الأسر المصرية خلال شهر رمضان من العام الحالي 2022، لذلك ليس أمامنا سوى الدعوة لتقليل الاستهلاك والاكتفاء بشراء الاحتياجات الضرورية فقط دون الإسراف وليكن رمضان 2022 بلا إسراف.
وبالنظرة إلى ثقافات الشعوب الأخرى، من حيث عادات الشراء والإنفاق، وبحكم عملي في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها من البعثات الدبلوماسية وطلاب الجامعات الأوروبية والمعنيين بالصحافة العربية فقد عهدت عددا كبيرا منهم من مختلف الجنسيات لا يقدمون على شراء أي سلعة لا يحتاجون إليها بشكل مُلح، بل كانوا يشترون الفاكهة والخضر بالقطعة الواحدة وليس بالكيلو، لذلك نحن بحاجة إلى نشر ثقافة الإنفاق وترشيد الاستهلاك بشكل عام.
رمضان فرصة للاقتصاد
يسعى الكثيرون في رمضان إلى الاقتداء بالكرم الطائي، بيد أن الأمر في أغلب الأحيان ينتهي بهدر كميات ضخمة من الطعام، دون الاستفادة منها، بل ربما تنثر بقايا الأطعمة في مقالب القمامة في انتظار فقراء القوم لينبشونها لعلهم يجدون فيها ما يسد جوعهم ويُبطل تأوهات بطونهم الخاوية.
المفترض أن تتسامى الأنفس وتترفع عن الإسراف بكل أنواعه، خلال الشهر الكريم، الذي يزيد فيه الإحساس بمعاناة الفقراء والضعاف ممن لا يتحصلون على قوت يومهم طوال العام، وبترشيد الاستهلاك فإن هناك فرصة قوية لإغناء هؤلاء عن السؤال والمذلة.
في الآونة الأخيرة، بدت مبادرات حكومية وأهلية، تلوح في الأفق تهدف إلى نشر ثقافة عدم الإسراف في الطعام وترشيد الاستهلاك، فإحصائيات منظمة الغذاء العالمية (الفاو) تدق ناقوس الخطر نحو دخول العالم في أزمة نقص الغذاء.
وكانت برامج أو تطبيقات (حفظ النعمة) هي إحدى المبادرات الخليجية الترشيدية، لحفظ الطعام من الهدر، وسهولة توصيلة للمحتاجين، كما ظهر أيضا في مصر وضع ثلاجات في بعض الشوارع لملئها بفاض الطعام خلال رمضان ومنحها للفقراء مجانا.
الأزمة عزيزي القارئ، مرتبطة، بتعويض الجوع العطش طوال اليوم بغض النظر عن الكمية الفعلية التي يحتاجها جسمك عند الإفطار، لذلك ينصح الخبراء أن يكون وقت التسوق خلال الشهر الكريم، بعد الإفطار حيث إنه من المعروف علميا أن الصائم إذا توجه للتسوق خلال فترة صومه فإنه حتما سيُقبل على شراء كل ما تشتهيه العين التي تترجم إحساسه بالجوع والعطش، لذا احرص دائما ألا تتسوق مطلقا قبل ساعات من الإفطار.
النصيحة الثانية، وهي تقليل الولائم إلى الحد الأدنى، ولا تستخدم طاولة كبيرة للطعام بل اكتفِ بمائدة صغيرة فالعين تأكل قبل أن يتذوق اللسان.
النصيحة الثالثة، لا تلجأ أبدأ إلى قروض الاستهلاك، أو السلف من الأقارب بدعوى دخول رمضان، فالشهر يا عزيزي مخصص للعبادة لا التبذير.
والرابعة، احرص على أن يظل طعامك المتبقى نظيفا، كي يمكن استخدامه في اليوم التالي، أو دعمه ببعض الأطباق الصغيرة.
والأخيرة، ابتعد عن التسوق لساعات كبيرة أو التسوق من المولات الكبيرة حتى لا تكون فريسة سهلة للعروض الرمضانية، واكتفِ بشراء ما تحتاجه فقط كأي شهر عادي، واقضِ وقتك في ممارسة الشعائر الدينية أو ممارسة الرياضة.
اقتصد.. فالعالم مقبل على نقص الغذاء
في خضم الأزمة الروسية الأوكرانية، تزداد مخاوف نقص الغذاء في العالم، وخاصة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعتمد على استيراد الحبوب والزيوت واللحوم من أوكرانيا لا سيما واردات القمح عبر الأسود الذي يقبع بدوره في دائرة التوتر العسكري، وتستورد مصر 50% من احتياجاتها من القمح من روسيا و30% من أوكرانيا.
وتشكل الأزمة الروسية الأوكرانية تهديدا صريحا لصادرات القمح الأوكرانية، والتي تهدد بدورها الأمن الغذائي العالمي، وفقا لما قاله أليكس سميث الخبير الزراعي في معهد بريكثرو الأمريكي.
هذا ليس كل شيء، فالولايات المتحدة الأمريكية تخطط لفرض عقوبات على روسيا، حال غزو موسكو للأراضي لأوكرانيا، في حين إن روسيا يمكن أن تحلق الضرر بكثير من دول العالم إذا هيمنت على السلع الأساسية الأوكرانية باعتبراها سلة غذاء العالم، فالأخيرة هي الأولى عالميا في صادرات الحبوب.
لا تقلقوا ولكن رشدوا الاستهلاك
تؤمن مصر احتياجاتها من القمح، فالحكومة تولي اهتماما كبيرا لزراعة القمح باعتباره محصول استراتيجي، بالإضافة إلى أن وزارة الزراعة تنفذ حاليا خططا موسعة لاستزراع القمح، في الدلتا الجديدة أو توشكى.
وارتفعت المساحة المزروعة بالقمح في مصر من 3.1 مليون فدان في عام 2018/ 2019، إلى نحو 3.6 مليون فدان، حاليا.
وتؤمن مصر أيضا احتياطي القمح الذي يكفي أربعة أشهر إلى خمسة، بالإضافة إلى الكميات التي سيوردها الفلاحون والتي قد تحقق الاحتفاء حتى نهاية العام.
وأخيرا، هي دعوة لجموع المصريين من أجل ترشيد الاستهلاك، وجعل الموسم الرمضاني 2022 مختلفا عن السنوات الماضية، حتى نتمكن من عبور الأزمة وتجاوز النقاط الصعبة.