رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لدي أقوال أخرى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

طالما ضرب الزوجة وإهانتها بالسب والقذف حرام شرعًا ومن يقدم على ذلك فهو آثم، بحسب دار الإفتاء المصرية، فلماذا تُرِكت فتاوى إباحة ضرب الزوجة تسرى بين الناس كل ذلك الزمن؟!

وطالما أن تراثنا الفقهي أقر حق الكد والسعاية للزوجة فى ثروة زوجها حيًا وميتًا وحتى فى حال الانفصال؛ لماذا لم تخرج هذه الفتوى إلى النور ضمانًة لحق كل ذي حق وتفعيلًا لميزان العدل.

آراء وفتاوى شرعية موغلة فى القِدم لكنها تبرز الآن كعناوين رئيسة فى خطاب مؤسساتنا الدينية وكأنها نتاج الساعة؛ ولو أنها كانت عماد الخطاب الديني فى مسألة تنظيم العلاقة بين الزوج وزوجه مذ قال بها أصحابها أي قبل قرون بعيدة لما كان مشهد الإسماعيلية الأليم ولما كانت 86% من حالات الطلاق والخلع تحدث بسبب ضرب الزوجات والاعتداء على كرامتهن الإنسانية.

هذه النسبة المفزعة وردت فى دراسة استندت إليها النائب أمل سلامة فى إعداد مشروع قانون لتغليظ عقوبة ضرب الزوجة لتصل إلى خمس سنوات حبس تقدمت به مؤخرًا إلى مجلس النواب.

للأسف عانت مجتمعاتنا لقرون طويلة من خطاب ديني سلفي يتناقض كليًا مع مفهوم الكرامة الإنسانية ومعايير العدل ومقتضيات المنطق والعقل؛ خطاب رسخ لفكرة أن المرأة عورة، وأنها تابع للرجل لا كيان مستقل، وأنها فى أحسن الأحوال إناء يقضى فيه الرجل متعته ووعاء يحمل نسله.

فى زماننا هذا عاصرنا خطباء احتلوا منابر المساجد ومنصات التواصل الاجتماعي يحللون تزويج الطفلة بنت الخامسة إذا كانت سمينة وتطيق المعاشرة، وسمعنا شيوخًا يعتبرون أنفسهم حماة الدين يحرمون تعلم المرأة وخروجها إلى العمل، وفى تراثنا أيضًا هناك من وصفها بما لا يليق إعادة ذكره.

المؤلم أن هذا الخطاب السلفي المتأخر هو ما ساد الفضاء العام لقرون مضت حتى أصبح ضرب الزوجة وتأديبها حقًا مكتسب للزوج ومن يقول بغير ذلك آثم ومعتد على الحرمات، ومن يحاول تجريمه متطفل يسعى إلى خراب البيوت.

لا أظن أن مشروع القانون الذى تقدمت به النائب أمل سلامة سيمر دون جدل كبير من قبيل أنه تدخل للعلاقة الشخصية بين الزوجين وإذكاء لنيران الشقاق بينهما ومشهد اصطفاف عشرات الرجال والشباب ليشاهدوا عريس الإسماعيلية وهو يضرب عروسه ضربًا مبرحًا دون أن يحرك واحد منهم ساكن يعزز هذا الظن.

ضرب الزوجة وإهانتها ليس النتيجة الوحيدة لذلك الخطاب السلفي المتأخر، فكم من زوجة ساعدت زوجها فى تنمية ثروته أو فتح مشروع بمالها الخاص وبعملها وجهدها البدني ثم ضاع حقها فى الكد والسعاية ولم يقتطع من ثروة الزوج حين الانفصال أو حين الوفاة ذلك الحق الشرعي بحسب بيان لمركز الفتوى العالمي التابع لمؤسسة الأزهر الشريف.

كما استباحوا جسدها وكرامتها، استباحوا أيضًا مالها وجهدها واليوم فقط تخرج إلى النور هذه الفتوى التي تقر للمرأة التي ساعدت زوجها بذهبها ومال ميراثها أو بعملها وجهدها البدني فى مشروعه أو شركته أو صنعته حق ونصيب فى الثروة التي تكونت بفضل هذا المشروع بقدر مساهمتها وأن هذا الحق تحصل عليه المرأة حال الانفصال، وحال الوفاة تزامنًا مع دفع ديون الزوج المتوفى وقبل توزيع الميراث أي أن هذا الحق لا يدخل ضمن توزيع التركة على الورثة، وبعد أن تحصل عليه تحصل على نصيبها فى الميراث مما تبقى من الثروة شأنها شأن باقي الورثة الشرعيين.

ما جرى فى الأيام الماضية من حوادث ومشاهد ضرب واعتداء ثم خروج فتاوى بالتحريم وأخرى تعلمنا بحقوق للمرأة كنا نجهلها؛ يؤكد أن استجابة مؤسساتنا الدينية ورجالها لدعوات تجديد الخطاب الديني باتت ضرورة ملحة على أن تجرى هذه العملية بمشاركة علماء الاجتماع والانثروبيولوجى والفلسفة والنفس والسياسة والاقتصاد وكبار المثقفين والمفكرين والمبدعين، لأن أمر الدين ليس حكرًا على أحد ومن حق الجميع المشاركة فى تنقية تراثنا ونقضه ونقده وإبعاد الفاسد منه واستحضار الصالح والمفيد فيه.

إن القبض على جمر الموروث بخيره وشره ليس فيه تمسك بثوابت الدين وإنما إفساد لمنظومة القيم وعقائد الناس، ذلك أن من أنتج هذا الموروث إنما بشر مثلنا وأغلب ما فيه قد اختلط بما هو أصل الدين وصحيحه، وبما هو رأى شخصي وتفسير ذاتي لم يتشكل فقط بعلم منتجه بأصول الدين وإنما أيضًا بطبيعة ثقافته وبيئته وميوله وأفكاره وأهوائه.

بقى لدى سؤال.. طالما أن ضرب الزوجة حرام، وأنها صاحبة حق فى ثروة زوجها بما قدمته من كد وسعاية لماذا لم تبادر مؤسساتنا الدينية وعلماءنا عبر القنوات السياسية والبرلمانية بمقترحات مشاريع قوانين تجرم الاعتداء على الزوجة وتنظيم حصولها على حق الكد والسعاية على الأقل عملُا بالمادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع؟!.