وقعت عيني بين ركام الكٌتب على كتاب «محاورات أفلاطون.. ثياتتوس وفايدروس»، الذ ترجمته قبل سنوات د. أميرة مطر ضمن سلسلة الفلسلفة التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة،جذبتني محاورة ثياتيتوس لأفلاطون عن العلم، فقررت أنا أتفرغ لتلك المحاورة التي اتفق أغلب المؤرخين أنه تم تدوينها بعد وفاة سقراط بثلاثين عاما، ومع أنه لا يوجد دليل مؤكد على أن هذه المحادثة تمت في حياة سقراط وأنها من نبت خيال أفلاطون إلى أنه شيء ممتع أن تقرأ هذا الحوار ولو كان متخيلا بين ذلك الفيلسوف السبعيني وهو سقراط وبين العالم الرياضي صاحب الستة عشر عاما وهو ثياتيتوس.
كيف نعرف العلم؟
ربما افتقادنا للغة الحوار هو من دفعني إلى الولوج في هذه المحاورة، أو لأن سقراط يظهر فيها على غير عادته فهو هنا أشد ميلا للدراسة وقراءة الكتب.
دعونا من الديباجة حول هؤلاء الفلاسفة حتى لا نتشتت فيما نريد الوصول إليه ولنشارك سقراط سؤاله لهم: كيف نعرف العلم؟
قبل أن تتسرع في الإجابة على السؤال الذي تجادل فيه الفلاسفة عليك أن تعرف حكم سقراط على المخطئ، فقد اشترط عليهم أن من يخطئ "سيركع كالحمار" ومن يتوصل إلى الإجابة سيكون ملكا لهذا انسحب "ثيودروس" من ذلك الحوار وقال لسقراط دون خجل: "عليك أن تطلب الجواب من أحد هؤلاء الشباب إذ ليس لدي المقدرة على هذا النوع من الأحاديث فقد فاتني تحصيله.
ثياتيتوس إذا أنت المختار لتحاول أن تذكر لي فيما يتلخص العلم؟ ولتحذر جيدا أن تتوهم أنك لست قادرا على ذلك.
ثيا: في ظني أن العلم ليس شيئا آخر سوى الإحساس.
سقراط: إنك لا تقول لغوا فيما يتعلق بموضوع اعلم إنه كلام بروتاجوراس وإن اختلفت الصيغة قليلا لكن المعنى واحد فهو يقول ما معناه: "إن الإنسان هو مقياس كل شئ، فهو مقياس وجود الموجود منها ومقياس لا وجود غير الموجود، ألا يفسر قولك بأن العلم هو الإحساس أنه كما تظهر لي الأشياء تكون بالنسبة لي، وكما تظهر لك تكون بالنسبة لك، ألا يوجد لحظات تحدث الريح فيها قشعريرة لأحدنا، في حين لا تحدث شيئا للآخر، وتكون بالنسبة للواحد لطيفة وبالنسبة للآخر عاصفة.
الحوار طويل وممتع لكن أشد ما لفت انتباهي أن أحد من كل هؤلاء الفلاسفة لم يسب الآخر ولم يسخر من تفكيره أو حتى اعتقاده وإنما كانت الحجة بالحجة، والغريب أن أحدا منهم لم يقول هذه فتنة وهذا الحوار أحد أساليب حرب الجيل الرابع، وما يثير الإعجاب أن ثيودروس لم تأخذه العزة ولم يخجل أن يترك الفرصة لشاب يحاور سقراط لم يطمع في أن يكون ملكا وتحاشى أن يكون حمارا بذكاء فالتزم الصمت.
وأخيرا ألا يجدر بنا أن نعيد البحث في هدوء وسلام وننقد أنفسنا ونتساءل؟
لنبحث أولا في هذه القضية: وهي أنه لاشئ يكبر أو يصغر سواء في الحجم أو في العدد طالما ظل مساويا لنفسه: أليس هذا صحيحا.
ثانيا: إن ما لايضاف إليه ولا يقتطع منه لا يكبر ولا يصغر بل يظل مساويا لنفسه.
ثالثا: هل يمكن لما لم يكن موجودا ثم وجد بعد ذلك ألا يكون قدجريت عليه صيرورة.
سقراط ومهرجان شيماء وسؤال كيف!
لكن يا سقراط بحكم خبرتك الحياتية والفلسفية وآسف على قطع محاورتك مع (وإن كان هذا أمرا طبيعيا الآن) أود أن أسألك سؤال بنفس الحٌكم الذي حكمته على ثيودروس، وثياتيتوس، إذا أصبت كنت ملكا وإذا أخطأت كنت (....)
سقراط: "وطي الدي جي بس، ما هذا الضجيج يا فتى أيُعقل أن تأت إلى جلسة الفلاسفة بكل هذا الضجيج؟"
أنا: "معلش يا عم سٌقراط والله، ده حنة في الشارع اللي ورانا ودي أغنية "شيماء" إحنا عندنا كده بعد خطبة الجمعة الموعدة كل يوم جمعة فرح عقبال ولادك كده يا عم سقراط".
سقراط: طب قول خلصني عايز إيه؟
أنا: إيه يا عم سقراط أنا لسه بشكر فيك وفي روحك الحلوة وبالك الطويل وقبول الآخر في أول المقال، مالك كده اتعصبت، ده الدنيا مش مستاهلة وإنت يعني رجل مش شايلها هم، قاعد تفكر في تعريف للعلم، لا خايفة من بصمة حضور ولا مستعجل على ميعاد قطر، ولا بتحسب أقساط وجمعيات، فركز معايا شوية يا عم سقراط.
سقراط: يا بني بطل غلبة وشغل أراجوزات، ثم إنت سيبت كل الفلاسفة اللي مطلعينهم على برامج التوك شو واللي ماليين القهاوي وجاي ليا أنا توجع قلبي وياريتك هتفهم.
أنا: بص يا عم سقراط أنا فهمت إنك وصلت مع ثيودروس إلى أن الإحساس هو العلم، وأنا متفق معاكم في كده.. لكن لو فيه ناس عديمة الإحساس نعمل إيه؟
وهنا مزق سقراط الأوراق وعلى الدي جي وغنى هو و"ثياتيتوس": "أنا مش عارفني أنا تٌهت مني.
فوضعت رسالتي موضع جلوسه عله يعود ويقرأها ويجيب عن أسئلتي:
كيف لمثلي أن يثق في كلام شيوخ تملى عليهم خطب الجمعة مكتوبة قبل موعدها بأسبوع! وكيف لمثلي أن يرى نائبا عن الشعب يدافع بضراوة عن عادات وتقاليد وهو لم ينبس ببنت شفاه على فيديو لنائب صعيدي ضرب كل العادات في مقتل! وكيف أركن إلى إعلام يلتهم كذئب ما تبقى من تلك العادات وإعلاميون يتلونون كالحرباء.. كيف أصدق حديث البعض عن الفضيلة والأخلاق وآخر الليل تأتينا أخباره من المواخير، حتى الذين يذرفون الدموع على الأرصفة كيف أصدقهم وهم في المساء يقايضون على أحلامهم! كيف لي النجاة من مجتمع بات كالأولتراس ينبذ العنف في لحظة ويتبناه في أخرى! يدافع عن الدين والمساجد خاوية ومحركات البحث تشير إلى أنه الأعلى في البحث على المواقع الإباحية، كيف لي النجاة وأنا لست طرفا في معاركهم الواهية فجل ما أريد هو العيش في سلام وشفافية وببساطة العيش في رحلة مؤقتة! كيف لي أنا أعيش دون فرض وصاية من أحد.. أن أتنفس بحرية وأفكر بحرية ولا يتدخل أحد في علاقتي مع الله، وألا أخضع لروشتات يومية يصدرها سقماء! كيف لي أن أقبل أو أرفض دون خوف من بطش أو سب! كيف ءأمن على نفسي إذا ما كتبت وإذا ما حدثت الله بما أشعر به وأراه! كيف أكون أنا في زمان شعاره الأنانية وحب الذات! كيف أكون إنسانا عاديا في زمان ومكان لا يقبل البسطاء الذين جرمهم فقط أنهم يودون أن يعيشوا في سلام نفسي!.