الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

حوادث وقضايا

حكم نهائي يحظر الإفتاء من غير المتخصصين ويناشد بوضع تعريف لـ"المجتهد الشرعي"

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في حكم قضائي نهائي وبات، صدرت شهادة من جدول المحكمة الإدارية العليا بعدم الطعن على قرار محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة القاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، بحظر الإفتاء من الجهلاء أو المضللين أو غير المتخصصين أو دعاة الإرهاب، ودعت المحكمة المشرع لتنظيم الإفتاء الدينى حفاظا على الثوابت.

يأتى الحكم فى وقت تواجه فيه مصر والمجتمعات العربية، ظاهرة خطيرة بانتشار المنابر الإعلامية والمواقع الدينية والدعاة غير المتخصصين واستخدامها لوضع مفاهيم متطرفة تخالف ثوابت الدين أو مقاصد الشرع الحنيف، فتثير الفتنة فى المجتمعات، وأيضا عدم وجود تجريم عقابى على من يسئ استخدام المنابر الإعلامية فى الافتاء الدينى لتحقيق أهداف تخالف ثوابت الدين أو سياسية تخالف النظام العام أو حزبية تخالف تقاليد المجتمع وقيمه، مما يلقى بآثار خطيرة على الشباب وفى توجيه الفكر الدينى من الإستقامة والوسطية إلى التشدد والتطرف والفتنة والبلبلة فى الوسط الدينى والمساس بعقائد البشر.

قالت المحكمة، إنه يتعين قصر الإفتاء على المؤسسات الدينية للدولة المؤهلة بحكم ولايتها وخبرتها وتخصصها، فلا يجوز الإفتاء بغير شروط، وشروط الإفتاء ليست بالأمر اليسير فى الفقه الإسلامى حتى يمارسه العوام، وإنما هو أمر بالغ الدقة والصعوبة يستفرغ فيه المجتهد وسعه لتحصيل حكم شرعى يقتدر به على استخراج الأحكام الشرعية من ماَخذها واستنباطها من أدلتها، وعلى ذلك يجب أن يشترط فى المجتهد شروطاً للصحة أهمها:

أن يكون عارفاً بكتاب الله ومعانى الاَيات والعلم بمفرادتها وفهم قواعد اللغة العربية , وكيفية دلالة الألفاظ وحكم خواص اللفظ من عموم وخصوص وحقيقة ومجاز وإطلاق ومعرفة أصول الفقه كالعام والخاص والمطلق والمقيد والنص والظاهر والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم والمحكم والمتشابه، وهى مسائل دقيقة للغاية تغم على عموم الناس من أدعياء الدين طالبى الشهرة ومثيرى الفتنة وجامعى الأموال والدين منهم براء ,وهى فى الحق تستلزم التأهيل فى علوم الدين .

وأوضحت المحكمة أنها تناشد المشرع بضرورة تجريم الإفتاء سواء من الجهلاء أو المضللين أو دعاة الإرهاب من غير أهله المتخصصين بالمؤسسات الدينية التابعة للدولة  التى تخاطب كل مسلم فى العالم وليس مصر فحسب، ومناشدته كذلك بصدد قانون ممارسة الخطابة بتجريم استخدام المنابر ضد ثوابت الدين أو لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية أو للدعاية الانتخابية، وهو الأمر الذى خلا منه قرار رئيس الجمهورية المؤقت رقم 51 لسنة 2014 بشأن ممارسة الخطابة والدروس الدينية فى المساجد وما فى حكمها , لأن استخدام الخطيب للمنبر فى غير أهداف الخطابة والانحراف بها فى أتون السياسة سعيا لتأييد طرف ضد أخر ويجعله قد خالف شروطها، والقاعدة الفقهية تقرر أن المسلمين عند شروطهم , خاصة فى ظل الظروف العاتية التى تواجه العالم لمحاربة الإرهاب ودعاة الفكر الشيطانى التكفيرى، وتبذل فيه مصر وحدها بحكم ريادتها للعالم الإسلامى غاية جهدها لمواجهة هذا الإرهاب للحفاظ على كيان المجتمع واستقراره ورعاية المصالح العليا للأمة.
وأشارت المحكمة إلى أن المشرع لم يضع تعريفاً للمجتهد الشرعي، كما أن هناك فراغا تشريعيا – وليس شرعياً - بشأن ايجاد تنظيم تشريعى متكامل لعملية الإفتاء فى المجتمع المصرى وهو ما يسبب مشكلات جمة , فمن يتصدى للفتوى من غير المتخصصين أو ممن ينقصهم اتقان التخصص فإنه ليس بأهل للفتوى ولا يجوز له ذلك ,  فعلماء الأمة قديماً وحديثاً تواترت أراؤهم على وجوب توافر مواصفات محددة فى المجتهد الذى يجوز له أن يفتى للناس فى أمور دينهم ودنياهم , ونهى غير المتخصصين الذين لا تتوافر فى شأنهم أهلية الاجتهاد أو ممن ينقصهم اتقان التخصص عن التجرؤ على الاجتهاد والإفتاء بدون علم , لما يترتب على ذلك من مأسى دينية ودنيوية أو الإساءة إلى الإسلام وتشويه صورة المسلمين بين مختلف الشعوب .

وذكرت المحكمة أنه تأسياً بمسلك كبار الفقهاء الأوائل الذين أسسوا مدارس فقهية لها مناهجها العلمية فكانوا يتحرجون من الفتوى على عكس الأمر الحاصل الاَن من تجرؤ غير المتخصصين على الإفتاء الذين يجب عليهم الابتعاد عن دائرة الاجتهاد، حتى لا يصعب الأمر على المتلقى فى اختيار من يتلقى منه الفتاوى، ويجب أن يقتصر الإفتاء على العلماء الثقات الذين يجيدون الغوص فى بحر الاجتهاد القادرين على استنباط الحكم الشرعى المؤسس على فقه سليم، فحاجة المسلمين فى كل مكان إلى الإفتاء السليم الذى يربط بين العقيدة الصحيحة ومستجدات العصر فى ظل الثورة العلمية التكنولوجية وما أفرزته من قضايا مستجدة , خاصة إزاء تقدم العلوم وتنوع التخصصات , فإن المسألة التى تتعدد فيها وجهات النظر وتختلف فيها الرؤى تكون بحاجة إلى نظر جماعى , أى الاجتهاد الجماعى لا الاجتهاد الفردى , تأسيسا على أن المسألة الواحدة التى تنازعتها فتويان فإن الأمر يقتضى ترجيح واختيار الفتوى الأصوب والأرجح , فالمسائل الخلافية التى تتعدد فيها اَراء العلماء لا يجوز أن ينفرد بالإفتاء فيها فقيه واحد , فيكون الاجتهاد الجماعى هو السبيل الوحيد للإفتاء فيها للعامة لترجيح واختيار الفتوى الأصوب والأرجح , فليس كل ما يعلم بين العلماء المتخصصين يقال للعامة وإلا أحدثوا فتنة وأثاروا بلبلة وعدم استقرار فى المجتمع الدينى.

واختتمت المحكمة أنه نتيجة لإقدام غير المتخصصين من أهل العلم والفتيا على إصدار الفتاوى غير المسندة التى يبثونها عبر منابر العالم الإعلامى والافتراضى فى وسائل التواصل الاجتماعى كافة وقنواتهم الخاصة أو عبر بعض المساجد والزوايا , ترتب أثاراً خطيرة سيئة على الأجيال الحالية واللاحقة لما تتضمنه من الإخبار عن حكم الله فى مسألة ما , فيحرفون مقاصد الإسلام السمحاء , ولا ترقى إلى مستوى الاجتهاد وتوصم بالدعوة بالضلال والظلام مما يصيب المجتمع من خلل وتفكك واضطراب وفوضى لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى , ووقى الله البلاد من أخطار شرور فتاوى دعاة التشدد والتطرف واستغلال الدين سعياً للسلطة  أو جلباً للمال مما يستلزم استنهاض الهمم .